هل تُكره المعاشرة بعد الظهر؟

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

في الحديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عن النبي (ص) قَالَ: ".. لَا تُجَامِعِ امْرَأَتَكَ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَإِنَّهُ إِنْ قُضِيَ بَيْنَكُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَكُونُ أَحْوَلَ، وَ الشَّيْطَانُ يَفْرَحُ بِالْحَوَلِ فِي الْإِنْسَانِ".

 

وروي أيضاً عن النبي (ص) انه قال: "وَإِنْ جَامَعْتَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ فَقُضِيَ بَيْنَكُمَا وَلَدٌ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَقْرَبُهُ حَتَّى يَشِيبَ، وَ يَكُونُ قَيِّماً، وَيَرْزُقُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّلَامَةَ فِي الدِّينِ وَ الدُّنْيَا".

 

س: كيف نوفِّق بين هذين الحديثين وكيف نعالج التعارض بينهما؟ ثم انه وردت رواية عن الإمام الباقر (ع) ذكرت الأوقات التي يكره فيها الجماع ولم تذكر منها ما بعد الظهر؟

 

الجواب:

"لا تجامع امرأتك بعد الظهر فإنَّه إنْ قُضي بينكما ولد في ذلك الوقت يكون أحول، والشيطان يفرح بالحول في الانسان"(1).

 

"وإن جامعتها يوم الخميس عند زوال الشمس عن كبد السماء فقُضي بينكما ولد فإنَّ الشيطان لا يقربه حتى يشيب، ويكون قيِّماً، ويرزقُه الله عزَّ وجلَّ السلامةَ في الدين والدنيا"(2).

 

الفقرتان من رواية واحدةٍ طويلة رواها الشيخ الصدوق في الفقيه مرسلةً عن أبي سعيد الخدري، ورواها مسندة في كلًّ من كتابي الأمالي وعلل الشرائع ولكنَّ السند ضعيفٌ لاشتماله على عددٍ من المجاهيل.

 

وأمَّا التعارض البدوي بين الفقرتين فيرتفع عند الالتفات إلى أنَّ مفاد الفقرة الأولى هو كراهة المعاشرة بعد الظهر في مطلق الأيام، وأمَّا الفقرة الثانية فمفادها هو رجحان المعاشرة عند الزوال في خصوص يوم الخميس، فتكون الفقرة الثانية قرينة متصلة على عدم إرادة الإطلاق في الفقرة الأولى بما يشمل يوم الخميس، فمحصَّل الجمع بين الفقرتين هو كراهة المعاشرة بعد الظهر في كلِّ يومٍ ما عدا يوم الخميس.

 

هذا بناءً على استظهار اتَّحاد الوقت في الفقرتين، وأمَّا بناءً على استظهار أنَّ وقت الزوال متقدِّم على وقت ما بعد الظهر الذي نهت الفقرة الأولى عن المعاشرة فيه فلا تعارض بين الفقرتين أساساً، وذلك لأنَّ الوقت الذي نهت الفقرة الأولى عن المعاشرة فيه مغايرٌ للوقت الذي أفادت الفقرة الثانية أنَّ المعاشرة فيه راجح. إلا أنَّ الظاهر هو اتَّحاد الوقت في الفقرتين، فإنَّ المستظهر من قوله: "بعد الظهر" هو بعد دخول وقت الظهر ويمتدُّ إلى حين دخول وقت العصر، ووقت دخول الظهر هو وقت الزوال، فيكون مبدأ النهي عن المعاشرة هو وقت الزوال، فالمتعيَّن هو البناء على استثناء يوم الخميس من عموم النهي المستفاد من الفقرة الأولى.

 

وأمَّا ما ورد في معتبرة عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيه عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: قُلْتُ لَه: هَلْ يُكْرَه الْجِمَاعُ فِي وَقْتٍ مِنْ الأَوْقَاتِ وإِنْ كَانَ حَلَالاً؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلى طُلُوعِ الشَّمْسِ ومِنْ مَغِيبِ الشَّمْسِ إلى مَغِيبِ الشَّفَقِ .."(3).

 

فهي لا تُنافي ما ورد في رواية أبي سعيد الخدري من كراهة المعاشرة بعد الظهر، إذ أنَّ معتبرة عبد الرحمن بن سالم وإنْ كانت بصدد تعداد الأوقات التي تُكره فيها المعاشرة لكنَّ أقصى ما يقتضيه ذلك هو الظهور في عدم كراهة المعاشرة في الأوقات غير المذكورة فيها، وهذا الظهور المستفاد مما يُعبَّر عنه بالإطلاق المقامي لابدَّ من رفع اليد عنه إذا وردت رواية أقوى ظهوراً أو صريحة في كراهة المعاشرة في وقتٍ غير مذكور في المعتبرة، إذ أنَّ هذه الرواية تكون قرينة على عدم الإرادة الجدِّية للحصر المستفاد من الإطلاق المقامي. وهذا هو المراد من القاعدة المذكورة في علم الأصول أنَّ الظاهر يُحمل على الأظهر وأنَّ المطلق يُحمل على المقيَّد، فلأنَّ رواية أبي سعيد الخدري متصدِّية لبيان الكراهة لوقتٍ مخصوص فهي أقوى ظهوراً من نفي الكراهة المستفاد من الإطلاق المقامي في معتبرة عبدالرحمن بن سالم.

 

هذا لو كانت رواية أبي سعيد الخدري معتبرة سنداً لكنَّها ليست كذلك، ولهذا لا تثبت بها كراهة المعاشرة بعد الظهر إلا بناءً على التسامح في أدلة السنن وشمولها للمكروهات.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج3 / ص552.

2- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج3 / ص553.

3- الكافي -الشيخ الكليني- ج5 / ص498.