دلالة معتبرة الوليد على حرمة الإضرار مطلقاً

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

استدلَّ بعض الفقهاء على حرمة الإضرار بالنفس مطلقاً بصحيحة الوليد بن صبيح قال: حممتُ بالمدينة يوماً في شهر رمضان فبعث إلي أبو عبد الله (ع) بقصعة فيها خلٌ وزيت وقال: "أفطر وصل وأنت قاعد"(1). وأفاد أنه لو تمت دلالة الأمر في الرواية على لزوم الإفطار أمكن الاستدلال بالرواية على حرمة الإضرار بالنفس مطلقاً، لأنه إذا حرم الواجب لكونه مضراً فالأولى أنْ يحرم غير الواجب اذا كان مضراً، فماذا تقولون؟

الجواب:

لا يصحُّ الاستدلال بالرواية على حرمة الإضرار بالنفس، وذلك لأنَّ الأمر بالإفطار واقع في سياق توهُّم الحظر، فلا يكون ظاهراً في الإيجاب.

ومع التسليم جدلاً بظهور الأمر بالإفطار في الوجوب فإنَّه لا يتعيَّن من ذلك استظهار أنَّ ملاك الإيجاب للإفطار هو حرمة الإضرار بالنفس، فإنَّ ذلك وإنْ كان محتملاً إلا أنَّ ثمة احتمالاً آخر من إيجاب الإفطار وهو الحرمة التشريعية للصوم في فرض اقتضائه للإضرار، بمعنى ان الصوم بقصد الأمر في ظرف الإضرار تشريع عملي وهو محرَّم، و لذلك جاء الأمر بالإفطار.

وبتعبير آخر: إنَّ حرمة الإمساك عن الطعام في فرض الإضرار هي أصل الدعوى والاستدلال عليها بالأمر بالإفطار لا يتم، لأنَّ الأمر بالإفطار كما يُحتمل نشوؤه عن حرمة الإمساك الضرري يُحتمل أن يكون ناشئاً عن حرمة الإمساك بقصد الصوم العبادي والحال أنَّ الصوم ليس مطلوباً في هذا الفرض فيكون النهي المستفاد من الأمر بالإفطار نهيٌ عن الصوم بقصد الأمر وليس نهياً عن الإمساك لكونه ضررياً والذي هو محل البحث.

على أنَّ ثمة احتمالاً ثالثاً من الأمر بالإفطار بعد التسليم بظهوره في الإيجاب وهو أنَّ الشارع إنَّما حرم الصَّوم الموجب للضرر حتى لا يتوهم الناس إستناد الإضرار للشارع. فالتحريم إنما هو بملاك تنزيه الشارع عن شبهة إيقاعه للناس في الضرر، وهذا لا يدل على حرمة الأفعال الضررية التي لا يُوجب ارتكابها توهُّم الإستناد للشارع كما لو سافر المكلف سفراً ضررياً للنزهة. أو تناول المضر من الطعام فإنَّ مثل هذا الفعل لا يترتب على ارتكابه توهُّم استناد الإضرار للشارع.

وعليه فالرواية لو سلمنا بدلالة الأمر فيها على حرمة الإضرار فإن أقصى ما تدلُّ عليه هو حرمة كلِّ فعلٍ ضرري يترتب على إباحته توهُّم إستناد الإضرار للشارع، فتكون الرواية غير ظاهرة في حرمة مطلق الإضرار بالنفس وتتمحض دلالتها في خصوص حرمة مثل الصوم الضرري والوضوء الضرري والحج الضرري.

وهناك احتمال رابع بعد التسليم بظهور الأمر في وجوب الإفطار وهو أنَّ الأمر بالإفطار وحرمة الصوم إنما نشأ عن أن الحمَّى التي أصابت الوليد بن صبيح مقتضية لموته في ظرف صومه فيكون الصوم إيقاعاً للنفس في التهلكة أو يكون الصوم مقتضياً للجنابة على النفس، ولا ريب في حرمة ذلك، وليس في الرواية إطلاق يقتضي استظهار أنَّ حرمة الصوم كان لمجرَّد ترتب الضرر حتى لو لم يكن بالغاً حدَّ التهلكة أو بالغاً مرتبة الجناية على النفس. وعليه يكون مفاد الرواية أخصَّ من المدَّعى وهو حرمة مطلق الإضرار بالنفس.

والمتحصَّل أنَّه ونظراً لكون الرواية قضية في واقعة ولا إطلاق فيها لذلك تكون مفتوحة على جميع الاحتمالات المذكورة.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج5 / ص482.