معنى ذكر الركوع والسجود

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

لو تكرمتم أنْ تشرحوا لنا معنى الذكر الوارد في الركوع والسجود؟

 

الجواب:

أمَّا ذكرُ الركوع وهو (سبحانَ ربِّي العظيمِ وبحمدِه) فمعنى التسبيح هو التنزيه والتبرءة، فإذا أُضيف التسبيح لله جلَّ وعلا كان بمعنى تنزيهه عن كلِّ ما لا يليقُ بساحة قدسه من صفات النقص، وهو ما يقتضي توصيفه جلَّ وعلا بالكمال المطلق الذي ليس فوقه كمال، إذ لو كان مستوىً من الكمال منتفيًا عن الله جلَّ جلاله لكان ذلك مساوقًا لعدم التنزيه له عن مطلق النقص ومراتبه.

 

ثم إنَّ كلمة (سبحان) في موقع المفعول المطلق، فهي مصدر أو علم للمصدر، والتقدير هو اُسبِّح سبحانَ أي أنزِّه الله تنزيهًا وأبرؤه تبرءةً من كلِّ نقص.

 

وكلمة (رب) مضاف إلى سبحان وهو في موقع المفعول به للفعل المحذوف (أُسبِّح) فمعنى سبحان ربِّي هو اسبِّح ربِّي سبحان أي أُنزِّه ربِّي تنزيهًا عن كلِّ شائبة نقص، وعن كلِّ ما لا يليقُ بساحة قدسِه.

 

و(العظيم) نعتٌ لكلمة (رب) وهو هنا بمعنى الكامل المترفِّع عن النقائص، فكأنَّ التوصيف بالعظيم بعد التنزيه كان لغرض الإشعار بعلَّة التنزيه، فهو تعالى منزَّهٌ عن النقص لأنَّه عظيم واجدٌ لمطلق الكمالات.

 

أو لعلَّ المنشأ من توصيف الربِّ بالعظيم هو إرادة الثناء على الله تعالى بمجموع صفاته السلبيَّة وصفاته الثبوتيَّة أو ما يُعبَّر عنها بصفات الجَلال وصفات الجمال.

 

فالصفات السلبية أُشير إليها بلفظ (سبحان) والذي يعني التنزيه لله تعالى وسلب كلِّ نقصٍ عن ساحته، فهو ليس جسمًا ولا مركبًا ولا شريك له ولا ولد. والصفات الثبوتية أُشير إليها بلفظ العظيم، ذلك لانَّ العظمة بعد التنزيه عن مطلق النقص يعني الكمال في مطلق الصفات الثبوتية اللائقة بشأنه، فحيث إنَّ الله قادر فقدرته مطلقة، وحيث إنَّه عالم فعلمه مطلق، إذ لو لم يكن كذلك لكان ذلك منافيًا للتسبيح والتنزيه.

 

وأمَّا كلمة (وبحمده) فهي جارٌ ومجرور متعلِّق بفعلٍ محذوف تقديره وأُنزِّهُه بحمده، فكلمة (وبحمده) جملة معطوفة على جملة (اُسبِّح) ربي العظيم فيكون محصَّل الجملتين هو اسبِّح ربي العظيم وأنزِّهه بحمده أو (وبحمده أنزهه).

 

ومعنى الحمد هو الثناء والمدح، والثناء والمدح يكون بتعداد صفات الممدوح، وعليه يكون معنى (بحمده) هو (بذكر صفاته الحميدة أنزهه).

 

أي أنَّ التنزيه يكون بواسطة ذكر صفات الله العليا وأسمائه الحسنى، فالباء هنا للاستعانة أي أستعينُ على تنزيهه بحمده أي بذكر محامده والثناء عليه بها.

 

وبما ذكرناه يتَّضح المراد من ذكر السجود وأنَّ توصيف الربِّ عزَّجلَّ بالأعلى إمَّا لغرض بيان علَّة التنزيه، بمعنى أنَّني أُنزِّه الله تعالى عن كلِّ نقصٍ لأنَّه الأعلى، أي لأنَّه الواجد لأعلى وأكمل ما تكون عليه الصفات الحميدة اللائقة بشأنه جلَّ وعلا.

 

أو أنَّ الغرض من نعته بالأعلى بعد تنزيهه عن النقائص بالتسبيح هو الثناء عليه بجامع الصفات الثبوتية المعبَّر عنها بصفات الكمال فهو الواجد لأعلى ما تكون عليه هذه الصفات.

 

ولعلَّ منِشأ اختيار الأعلى لذكر السجود هو أنَّ في السجود مزيدًا من التصاغر والضِعة للساجد وتعبيرًا بالحال والفعل عن إكبار وإعلاء المسجود له، فيكون بين الحال والمقال تناسبٌ تام.

 

فالمقال ثناءٌ على المسجود له بأنَّه الأعلى في صفاته حيث لا علوَّ فوق علوِّه، وفعل السجود تعبيرٌ بالحال عن تصاغر كلِّ شيء أمام علوِّ المسجود له. 

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور