شبهة تحليل الخمس
المسألة:
إنَّ فقهاء الشيعة يُفتون بلزوم إخراج الخمس رغم أن أئمتهم (عليهم السلام) قد أباحوا الخمس لشيعتهم.
فقد ورد في روايات عديدة أنَّ الشيعة في حلّ مما تعلَّق في أموالهم من خمس إلى أن يظهر القائم المنتظر (عليه السلام)، فإذا كان الأئمة (عليهم السلام) قد طيَّبوا الخمس وأحلَّوه لشيعتهم، فلماذا يفتي الفقهاء بوجوب إيصاله إليهم ولماذا يخفون عن الناس روايات التحليل الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام)؟
الجواب:
الجواب عن هذه الشبهة يتّضح عند الوقوف على ما سنبيِّنه بنحو موجز:
أوّلاً: لم يُخفِ الفقهاء روايات التحليل فهي مذكورة في المجاميع الروائية ومذكورة في الكتب الفقهية، وقد تصدَّى الفقهاء للبحث في أسانيدها ومداليلها في مصنَّفاتهم ومجالس درسهم شأنها شأن سائر الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام).
ومَن أراد التوثُّق من ذلك فلن يجد صعوبة تُذكر، فليس عليه سوى ملاحظة كتاب وسائل الشيعة أو الكتب الروائية الأربعة، وكذلك كتب الفقه الاستدلالي مثل كتاب مستند العروة الوثقى للسيِّد الخوئي رحمه الله وغيره من الكتب فليطَّلع على ما شاء منها، فدعوى الإخفاء مِن التوسُّل بالكذب المفضوح الذي يُراد منه النيل من نزاهة الفقهاء.
ثانياً: إنَّ مَن أثار الشبهة أراد التعمية على القراء وإيهامهم أنَّ ما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) فيما يتصل بمسألة الخمس ليس سوى روايات التحليل، وأراد الإيهام بأن مفادها هو سقوط الخمس مطلقاً عن الشيعة، كما حاول أنْ يوحي بأنَّ أسانيدها جميعاً صحيحة بحسب الضوابط المعتمدة عند الشيعة، وكلّ ذلك مناف للموضوعية التي ينبغي أنْ يكون عليها الباحث.
المعالجة الأولى لشبهة التحليل
وكيف كان فنحن هنا سوف نعالج الشبهة بما نراه مناسباً لعموم القراء نظراً لكون البحث من المباحث التخصُّصية، فلو بسطنا الحديث فيه لكان شاقّاً على غير المتخصِّصين في علوم الفقه وأصوله، فنقول:
إنَّ روايات التحليل على كثرتها لم يتفق مضمونها على مورد واحد فيمكن تصنيفها إلى طوائف.
الطائفة الأولى: مفادها هو أنَّ ما أحلَّه الأئمة (عليهم السلام) لشيعتهم هو الأموال التي تعلَّق بها الخمس عند أصحابها فلم تُخمَّس من قِبلهم ثم انتقلت إلى أحد الشيعة ببيع أو هبة أو ميراث أو وصية أو غير ذلك من وسائل الانتقال، ففي مثل الفرض يصح لهذا الشيعي أن يتصرَّف في هذه الأموال ولا يجب عليه إخراج الخمس الذي تعلَّق بها، رغم أن مقتضى القاعدة هو عدم جواز التصرُّف في مقدار الخمس من هذه الأموال نظراً لكونها مملوكة للغير فمقدار ما ينتقل إليه منها بحسب القاعدة هو ما سوى مقدار الخمس، وأما مقدار الخمس فاللازم إيصاله لأصحاب الخمس لقاعدة تعاقب الأيدي عيناً كما لو انتقلت لشخص أموالٌ بعضها مملوكة للناقل وبعضها مملوكة لغيره فإنَّ وظيفة من انتقلت إليه هذه الأموال هو إيصال أموال الغير إلى أصحابها وعدم جواز تملكها أو التصرف فيها.
فروايات التحليل من الطائفة الأولى مفادها إباحة التصرُّف في الأموال التي تعلَّق بها الخمس وانتقلت إليهم وهي كذلك، فليس عليهم إخراج ما تعلَّق بها من خمس قبل التصرُّف فيها بل لهم التصرُّف في مطلق المال المنتقل إليهم ممن لا يُخمِّس أو لا يعتقد بوجوب الخمس.
وهذه الطائفة من الروايات هي أكثر روايات التحليل وقد عمل بها فقهاء الشيعة وأفتوا بمضمونها.
ونذكر لهذه الطائفة رواية واحدة ليتعرَّف القارئ الكريم بها على بقيّة الروايات التي تتَّفق معها في المضمون.
موثقة يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه رجل من القمَّاطين، فقال: جعلت فداك تقع في أيدينا الأموال والأرباح وتجارات نعلم أن حقَّك فيها ثابت وإنَّا عن ذلك مقصِّرون، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): "ما أنصفناكم أن كلَّفناكم ذلك اليوم"(1).
تلاحظون أنَّ مصبَّ التحليل في الرواية الشريفة هو الأموال المنتقلة للشيعي والتي تعلَّق بها الخمس، فالانتقال مستفاد من قول السائل: "تقع في أيدينا الأموال والأرباح" وتعلُّق الخمس بها مستفاد من قوله: "نعلم أن حقك فيها ثابت"، إذ أن معنى ذلك هو أن الأموال المنتقلة بحسب فرض السائل كان قد تعلق بها الخمس عند أصحابها فلم يخرجوا خمسها فانتقلت إلى السائل بالبيع وهي غير مخمَّسة، ومقتضى القاعدة هو عدم جواز التصرُّف في مقدار الخمس وأن على من انتقلت إليه الأموال إمَّا إيصال الخمس إلى الإمام أو الاستئذان منه في التصرُّف فيها.
ولذلك جاء جواب الإمام (عليه السلام) بما يفيد الإباحة في مثل هذا المورد.
الطائفة الثانية: وهي روايات كثيرة أيضاً مفادها إباحة ما انتقل إلى الشيعة مِن أموال الفي وغنائم الحرب التي تعلَّق بها الخمس فلم تخمَّس مِن قِبل مَن لهم الولاية الظاهرية، فمفاد هذه الروايات هو حرمة التصرُّف في هذه الأموال على الناس قبل إخراج ما تعلَّق بها مِن الخمس إلاّ الشيعة فإنَّ الأئمة (عليهم السلام) قد أباحوا لهم التصرُّف فيها دون إخراج الخمس الذي تعلَّق بها، وهذه الطائفة من روايات التحليل قد عمل بها كلُّ فقهاء الشيعة أيضاً وأفتوا بمضمونها.
فمن هذه الروايات ما ورد في الكافي بسنده إلى أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: "إنَّ الله جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء، فقال تبارك وتعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ فنحن أصحاب الخمس والفيء، وقد حرَّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا، والله يا أبا حمزة ما مِن أرض تُفتح ولا خمس يُخمَّس فيضرب على شيء إلا كان حراماً على من يصيبه فرجاً كان أو مالاً..."(2).
وورد في التهذيب لأبي جعفر الطوسي بسنده إلى الفضيل قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لفاطمة (عليها السلام): "أحلِّي نصيبك مِن الفيء لآباء شيعتنا ليطيبوا، ثمّ قال: إنّا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا"(3).
فمفاد الرواية أن الجواري التي تكون في ضمن الفيء لا يجوز نكاحهن ما لم يُستخرج منهنَّ الخمس فكلُّ من انتقلت إليه واحدة من هذه الجواري لزمه إيصال خمسها إلى أهل البيت (عليهم السلام) ومن لم يفعل فنكاحه منها حرام إلا أنهم أباحوا ذلك لشيعتهم.
وهكذا الحال فيما يرتبط بأموال الفيء وغنائم الحرب وهو كثير في زمن الأئمة (عليهم السلام).
الطائفة الثالثة: مفادها إباحة الخمس لمن أعوزته الحاجة لصرفه على نفسه، فظاهرها اختصاص التحليل بمقدار ما يستحقه الإمام مِن الخمس.
ولم نجد لهذه الطائفة إلا رواية واحدة وردت في التهذيب لأبي جعفر الطوسي بسنده عن علي بن مهزيار قال: قرأت في كتاب لأبي جعفر (عليه السلام) عن رجل يسأله: أن يجعله في حلّ من مأكله ومشربه من الخمس، فكتب بخطّه: "مَن أعوزه شيء مِن حقّي فهو في حلّ"(4).
فهذه الرواية مفادها إباحة مقدار ما يحتاجه المكلَّف من الخمس، ومعنى ذلك أن من لم يكن معوزاً وجب عليه إيصال الخمس لأصحابه وأنَّ مَن كان معوزاً فلا يحلُّ له أكثر من مقدار ما يرفع عوزه، فالرواية على عدم التحليل المطلق أدل.
الطائفة الرابعة: ومفادها تحليل الخمس بنحو مطلق للشيعة، وهذه هي التي عناها مثير الشبهة، وعمدة هذه الطائفة ثلاث روايات:
الأولى: صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): "هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم لم يؤدّوا إلينا حقنا، ألا وأنَّ شيعتنا من ذلك وآباءهم في حلّ" وفي رواية الصدوق في الفقيه "أبناءهم"(5).
الثانية: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: "إنَّ أمير المؤمنين حلَّلهم من الخمس يعني الشيعة ليطيب مولدهم"(6).
الثالثة: معتبرة الحارث بن المغيرة النصري قال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فجلست عنده فإذا نجيَّة قد استأذن عليه فأذن فدخل فجثى على ركبتيه ثمَّ قال: جُعلت فداك إني أريد أن أسألك عن مسألة والله ما أريد بها إلا فكاك رقبتي من النار، فكأنّه رقَّ له فاستوى جالساً إلى أنْ قال: "يا نجيَّة إنَّ لنا الخمس في كتاب الله ولنا الأنفال ولنا صفو المال إلى أنْ قال: اللهم إنَّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا"(7).
هذه هي عمدة الروايات المناسبة لهذه الطائفة وما بقي من روايات هذه الطائفة إمَّا ضعيف السند أو غير تام من حيث الدلالة، ورغم ذلك فنحن سنبني على تماميتها سنداً ودلالة وسنجيب عن هذه الطائفة بمجموع رواياتها فنقول:
إنَّ دلالة هذه الطائفة على تحليل الخمس للشيعة إنما هو بالإطلاق والعموم، وبذلك تكون علاقتها مع الطوائف الثلاث الآنفة الذكر هي علاقة الإطلاق والتقييد، وذلك يقتضي تقييد روايات هذه الطائفة بروايات الطوائف الثلاث كما هو مقتضى قاعدة الجمع العرفي المعتمدة عند جميع علماء الأصول ويعبَّر عنها بقاعدة حمل المطلق على المقيَّد.
وبيان ذلك: أنّه إذا ورد خطابان عن الشارع المقدس مفاد أحدهما مثلاً الترخيص في غيبة الفاسق المسلم مطلقاً ثم ورد خطاب آخر مفاده الترخيص في غيبة الفاسق إذا كان متجاهراً بفسقه، فإن العرف يجَمعون بين هذين الخطابين بحمل الترخيص في الخطاب الأول على الترخيص في الخطاب الثاني، فيكون المتحصَّل من مجموع الخطابين هو جواز غيبة الفاسق المتجاهر بالفسق، وبذلك تبقى غيبة الفاسق المسلم غير المتجاهر بالفسق على أصل الحرمة الثابتة بالخطاب العام القاضي بحرمة غيبة المسلم.
وهكذا الحال فيما يرتبط بمورد البحث، فالطائفة الرابعة من الروايات تقتضي إباحة الخمس للشيعة مطلقاً، وأما الطائفة الأولى مثلاً فتقتضي إباحة الخمس إذا تعلَّق بالمال المنتقل للشيعي بالبيع أو الهبة أو الميراث، ومقتضى الجمع بين هاتين الطائفتين هو أن ما أُبيح للشيعة من الخمس هو خصوص ما كان متعلِّقا بالأموال المنتقلة إليهم بواحد من وسائل الانتقال.
وهكذا بالنسبة لعلاقة الطائفة الرابعة بالطائفة الثالثة فإن مفاد الطائفة الثالثة هو إباحة الخمس للشيعة إذا أعوزتهم الحاجة إليه ومفاد الطائفة الرابعة هو الإباحة المطلقة للخمس، ومقتضى الصناعة الأصولية والجمع العرفي بين الخطابين هو البناء على أن المراد الجدِّي من الطائفة الرابعة هو الإباحة بالمقدار الذي أفادته الطائفة الثالثة أي إباحة الخمس لمن أعوزته الحاجة إليه.
وعليه يكون حاصل الجمع بين الطوائف الأربع هو أن ما أبيح للشيعة من الخمس يختص بالخمس المنتقل للشيعي بأحد وسائل النقل وأموال الفيء وغنائم الحرب التي تعلّق بها الخمس وانتقلت للشيعي دون أن تُخمَّس أو خُمِّست ولكنَّها صُرفت من قبل من له الولاية الظاهرية وكذلك من أعوزته الحاجة للخمس من غير الموردين المذكورين.
وبتعبير آخر: إنَّ الخطاب الشرعي لا يؤخذ بإطلاقه ابتداءً قبل ملاحظة الخطابات الأخرى بل لابدَّ من ملاحظة مجموع الخطابات المتعلقة بموضوع واحد لغرض استكشاف المراد الجدِّي من مجموعها، والتعبير عن ذلك بالجمع العرفي باعتبار أنه الوسيلة التي يعتمدها العرف والعقلاء لغرض استكشاف المراد الجدي للمتكلم.
فالقاضي الذي يريد تفسير مادة من مواد القانون لا يسعه تفسيرها بقطع النظر عن المواد الأخرى المتصلة بها بل لا بدَّ من ملاحظتها جميعاً ليستكشف من ذلك المراد الجدي للمقنِّن.
فحينما يقرأ القاضي مادة في القانون مفادها أن للأم الحضانة فإنَّه لا يسعه العمل بإطلاق هذه المادة وقطع النظر عن مادة أخرى مفادها أن استحقاق الأم للحضانة مشروط بالأهليَّة.
المعالجة الثانية لشبهة التحليل
هذه هي المعالجة الأولى لروايات التحليل المطلق، فإذا لم تقبلوا بها فثمة معالجة أخرى، وحاصلها أن روايات التحليل المطلق منافية ومعارِضة بنحو التعارض المستقر والمستحكم لروايات وجوب إخراج الخمس، وفي مثل هذا الفرض يكون المرجع هو مرجِّحات باب التعارض; لأنّه لا يصح العمل بهما معاً نظراً لكونهما متكاذبتين فواحدة توجب إخراج الخمس والأخرى تنفيه، فإحداهما غير مطابقة للواقع قطعاً، ومرجِّحات باب التعارض هي الكتاب والسنة القطعية كما دلَّت على ذلك النصوص الكثيرة الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) كصحيحة الراوندي.
بمعنى أنّه إذا تعارضت روايتان أو طائفتان من الروايات وكان التعارض بينهما مستحكماً كان المرجع هو القرآن الكريم، فما وافق كتاب الله عز وجل من الطائفتين يكون هو المرجَّح وهو الذي عليه العمل، وما خالف أو لم يوافق كتاب الله تعالى يسقط عن الحجيَّة، فإن لم يكن في كتاب الله تعالى شيء من ذلك فالمرجع هو السنة القطعية فما وافقها كان هو المرجَّح وما خالفها يكون ساقطاً عن الحجيَّة.
ولمَّا كان الأمر كذلك كان المرجَّح من الطائفتين هو روايات وجوب إخراج الخمس، لأنّها الموافقة لكتاب الله تعالى وهي قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ ..﴾ وبذلك تسقط روايات التحليل المطلق عن الحجيَّة.
منافاة روايات التحليل لسيرة الأئمّة (عليهم السلام).
هذا ويمكن أن نؤكد الترجيح لروايات وجوب إخراج الخمس بمجموعة مِن القرائن:
القرينة الأولى: إنّ روايات التحليل منافية للسيرة القطعية لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) حيث كانت تصل إليهم الأخماس من شتى أقطار الحواضر الإسلامية من قم وخراسان والأهواز والعراق وغيرها من الحواضر التي كان يقطنها الشيعة، وكان لأهل البيت (عليهم السلام) وكلاء يقبضون عنهم الأخماس، واستمرَّت هذه السيرة إلى زمن الغيبة الصغرى حيث عيَّن الإمام الحجة (عليه السلام) سفراءَ له، وهم: عثمان بن سعيد العمري وبعده محمد بن عثمان بن سعيد العمري وبعده الحسين بن روح النوبختي وبعده علي بن محمد السمري، الذي بموته انتهى زمن الغيبة الصغرى، وقد كان لهؤلاء السفراء وكلاء يقبضون عنهم الأخماس فيوصلونها إليهم أو يصرفونها في مصارفها بإذن الإمام الحجَّة (عليه السلام)، هذا وقد تصدَّت كتب الرجال وكتب الأخبار لبيان أسماء الكثير من وكلاء الأئمة (عليهم السلام).
ونحن هنا سنذكر بعض أسماء وكلاء الأئمة (عليهم السلام) ثمّ نذكر بعض الروايات المعبِّرة عما عليه سيرة أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم فيما يتصل بشأن إخراج الخمس.
أمَّا أسماء الوكلاء فمنهم:
1- نصر بن قابوس اللخمي، روى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة أنه كان وكيلاً للإمام الصادق (عليه السلام) عشرين سنة وكان خيِّراً فاضلاً(8).
2- عبد الرحمن بن الحجَّاج، روى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة أنه كان وكيلاً للإمام الصادق (عليه السلام) ومات في عصر الرضا (عليه السلام)(9).
3- المفضَّل بن عمر، رُوي عن هشام بن أحمر ما يظهر منه أنّه كان وكيلاً لأبي إبراهيم الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ورُوي عن موسى بن أبي بكر ما هو صريح في ذلك(10).
4- عبد الله بن جندب البجلي، كان وكيلاً لأبي إبراهيم الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) ثمّ أصبح وكيلاً للإمام الرضا (عليه السلام)، قال الشيخ الطوسي كان عابداً رفيع المنزلة لديهما على ما رُوي في الأخبار(11).
5- علي بن مهزيار الأهوازي، ذكره الشيخ الطوسي في ضمن الوكلاء وكان وكيلاً عن الإمام أبي جعفر الثاني الإمام الجواد (عليه السلام)(12).
6- علي بن جعفر الهمَّاني وكان فاضلاً مرضياً من وكلاء أبي الحسن الكاظم وأبي محمد الرضا (عليهما السلام)، أفاد ذلك الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة(13).
7- أبو علي الحسن بن راشد، روى الشيخ الطوسي بسنده إلى محمد بن عيسى قال: كتب أبو الحسن العسكري (عليه السلام) إلى الموالي ببغداد والمدائن والسواد وما يليها "قد أقمت أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربه ومن قبله من وكلائي .."(14).
8- أيوب بن نوح بن درَّاج، ذكره الشيخ الطوسي في ضمن الوكلاء، فكان وكيلاً للإمام العسكري (عليه السلام)(15).
9- عبد العزيز بن المهتدي القمي الأشعري، ذكره الشيخ الطوسي في ضمن الوكلاء وكان وكيلاً عن أبي جعفر (عليه السلام)(16).
10- صالح بن محمد بن سهل الهمداني، ذكره الشيخ الطوسي ضمن وكلاء الإمام أبي جعفر (عليه السلام)(17).
11- علي بن أبي حمزة البطائني وزياد بن مروان القندي وعثمان بن عيسى الرواسي قال الشيخ الطوسي: كلّهم كانوا وكلاء لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)(18).
هذه أسماء بعض مَن ذكرهم الشيخ الطوسي رحمه الله تعالى في كتاب الغيبة، وقد أفاد فيما أفاد أنه ترك استقصاءهم لأنَّهم معروفون مذكورون في الكتب.
هذا وقد ذكر بعض أسماء من انحرف من وكلاء الأئمة (عليهم السلام)(19).
وأما ما يتّصل بنقل الأخبار المعبِّرة عن سيرة الأئمة (عليهم السلام) وشيعتهم فيما يرتبط بأداء الخمس فسنذكر بعض هذه الأخبار، وعلى مَن أراد الاستزادة الرجوع إلى كتب الأخبار والمجاميع الروائيّة:
الرواية الأولى: رواها الشيخ الطوسي في الغيبة حينما كان بصدد الحديث عن السفير الأول للإمام الحجّة (عليه السلام) وهو أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري، وقد كان وكيلاً قبل ذلك للإمام علي الهادي (عليه السلام) ثمّ للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) قال: روى أبو نصر هبة الله بن محمد بن بنت أبي جعفر العمري: كان أسدياً يعني عثمان بن سعيد إلى أنْ قال: "ويقال له السمَّان، لأنّه كان يتَّجر في السمن تغطيةً على الأمر، وكان الشيعة إذا حملوا إلى أبي محمّد (عليه السلام) ما يجب عليهم حملُه من الأموال أنفذوه إلى أبي عمرو فيجعله في جراب السمن وزقاقه ويحمله إلى أبي محمد العسكري (عليه السلام) تقيةً وخوفاً"(20).
الرواية الثانية: عن الشيخ الطوسي عن أحمد بن علي بن نوح أبي العبّاس السيرافي بسنده إلى محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسينيان قالا: دخلنا على أبي محمد الحسن (عليه السلام) بسرَّ مَن رأى وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته حتى دخل عليه بدر خادمه فقال: يا مولاي بالباب قوم شُعث غُبر فقال (عليه السلام) لهم: (هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن ..) إلى أنْ قال الحسن (عليه السلام) لبدر فامض فائتنا بعثمان بن سعيد العمري، فما لبثنا إلا يسيراً حتى دخل عثمان، فقال له سيدنا أبو محمد (عليه السلام): "امضِ يا عثمان فإنَّك الوكيل والثقة المأمون على مال الله، واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال".
ثمَّ ساق الحديث إلى أنْ قالا: ثمّ قلنا بأجمعنا يا سيّدنا والله إنَّ عثمان لمن خيار شيعتك، ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك وأنَّه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى، قال: "نعم اشهدوا على أنَّ عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأنَّ ابنه محمداً وكيل ابني مهديِّكم"(21).
الرواية الثالثة: عن الشيخ الطوسي في التهذيب بسنده إلى علي بن مهزيار قال: "قال لي أبو علي بن راشد، قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك فأعلمت مواليك بذلك فقال لي بعضهم: وأىُّ شي حقّه؟ فلم أدر ما أجيبه؟ فقال يجب عليهم الخمس، فقلت: ففي أىِّ شي؟ فقال: في أمتعتهم وصنائعهم، قلت فالتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال له: إذا أمكنهم بعد مؤنتهم"(22).
الرواية الرابعة: عن الشيخ في التهذيب بإسناده عن الريان بن الصلت قال: كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام): "ما الذي يجب علىَّ يا مولاي في غلة رحى أرض في قطيعة لي، وفي ثمن سمك بردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالى"(23).
الرواية الخامسة: عن سعيد بن هبة الله الراوندي في الخرائج والجرائح عن أبي الحسن المسترق عن الحسن بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة عن عمِّه الحسين في حديث عن صاحب الزمان (عليه السلام) أنّه رآه وتحته (عليه السلام) بغلة شهباء وهو متعمم بعمامة خضراء يُرى منها سواد عينيه وفي رجليه خُفَّان حمراوان فقال: "يا حسين كم ترزأ على الناحية؟ ولِمَ تمنع أصحابي عن خمس مالك؟ ثمّ قال: إذا مضيت إلى الموضع الذي تريده تدخله عفواً وكسبت ما كسبت تحمل خمسه إلى مستحقّه، قال: فقلت السمع والطاعة، ثمّ ذكر في آخره أنّ العمري أتاه وأخذ خمس ماله بعد ما أخبره بما كان"(24).
هذه بعض الروايات المعبِّرة عن السيرة التي كان عليها الأئمة (عليهم السلام) وشيعتهم والتي كانت مستقرَّة على التباني بينهم على لزوم إيصال الخمس إلى الإمام مباشرة أو بواسطة الوكلاء.
فالرواية الأولى: اشتملت على التعبير بـ "كان الشيعة إذا حملوا إلى أبي محمّد -أي العسكري- ما يجب عليهم حمله من الأموال"، وهو تعبير صريح بأن تلك هي السيرة التي كان الشيعة ملتزمين بها، وهو التزام منشؤه الوجوب كما هو مقتضى التعبير "بما يجب عليهم حمله".
وأمَّا الرواية الثانية: فهي تحكي عن تجشُّم بعض الشيعة لعناء السفر لا لشي إلا لإيصال أموال الله عز وجل إلى الإمام (عليه السلام)، فالتعبير بأموال الله متعيِّن في الخمس، إذ لا يقال للأموال الشخصيَّة أنَّها أموال الله تعالى كما لا يُطلق على الزكوات ذلك، على أنَّ الزكوات كانت تُجبى آنذاك من قبل السلطان، لذلك كان الثابت مِن فقه أهل البيت (عليهم السلام) عدم لزوم إخراجها مرّة إخرى وأنَّ ما يأخذه السلطان من الزكوات ومن أموال الخراج والمقاسمة يوجب سقوط التكليف بإخراج الزكاة والخراج عن المكلفين لذلك يتعين المراد من قوله مال الله في الخمس وهو المناسب لقوله تعالى (فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ).
هذا وفي الرواية ما يعبِّر عن أنَّ إناطة الأئمة (عليهم السلام) قبض الخمس بالوكلاء كان أمراً مألوفاً.
وأمَّا الرواية الثالثة: فهي صريحة في لزوم إيصال الخمس للإمام (عليه السلام) كما هو مقتضى التعبير بأخذ الحق والتعبير بـ "يجب عليهم الخمس" ومقتضى تعيين الوكيل وأمره بالقيام بأخذ الحق.
وأما الرواية الرابعة: فهي تعبِّر عن المفروغية عن لزوم إيصال الخمس للإمام (عليه السلام)، والسؤال إنَّما كان عن وجوب الخمس في المورد المسئول عنه أو عدم وجوبه، وأفاد الإمام (عليه السلام) أنَّه مِن موارد وجوب الخمس.
وأمَّا الرواية الخامسة: فهي تعبِّر عن تصدِّي الوكيل لقبض الخمس من المكلفين كما أنها اشتملت على ما يعبِّر عن معرفة الشيعة بلزوم إيصال الخمس للإمام بواسطة الوكلاء لذلك ساغ التوبيخ من الإمام (عليه السلام) "لحسين" ولم يعتذر حينذاك عن منع إيصال الخمس للوكلاء بالجهل.
وثمَّة روايات أخرى كثيرة يقف عليها المراجع، ولولا خشية الإطالة لنقلنا لك ما شاء الله تعالى منها.
التحليل ينافي الغرض مِن تشريع الخمس
القرينة الثانية: إنَّ روايات التحليل المطلق تنافي الغرض من تشريع الخمس، إذ بعد ثبوت إيجاب الشارع المقدس للخمس على المسلمين فهذا معناه نشوء الوجوب عن ملاك ومصلحة واقعية ملزِمة، شأنه شأن سائر الواجبات، فما من واجب من واجبات الشريعة إلا وهو ناشئ عن مصلحة واقعية في متعلَّق الوجوب أدركها الإنسان أو لم يدركها، وما من محرَّم من محرمات الشريعة إلا وهو ناشئ عن مفسدة واقعية في متعلَّق الحرمة سواء أدركها الإنسان أو لم يدركها، ولو لم نقل أن أحكام الله ناشئة عن المصالح والمفاسد الواقعية لكان لازم ذلك الالتزام بجزافيَّة الأحكام الشرعيّة وعبثيّتها، وذلك مالا يرضاه المقنِّنون لأنفسهم فكيف نرضاه للشريعة المقدسة.
وبناءً على ذلك يكون اللازم من التحليل المطلق للخمس أحد أمرين على سبيل مانعة الخلو: فإما أن نلتزم بجزافية تشريع الخمس من أول الأمر، وذلك ما لا يمكن الالتزام به لما ذكرناه من أنَّ أحكام الله تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية، أو نلتزم بأنَّ تشريع الخمس نشأ عن ملاك ومصلحة واقعية ملزمة ورغم ذلك أهملت الشريعة تلك المصلحة المُلزِمة وأسقطت الوجوب، وذلك ما لا يمكن الالتزام به أيضاً، إذ مع افتراض اشتمال الخمس على المصلحة المُلزِمة كيف يسوغ إسقاط الوجوب عنه، إنَّ إسقاط الوجوب بعد افتراض بقاء المصلحة الملزمة مضاف إلى اقتضائه تفويت المصلحة على العباد يكون مِن الإجراء الجزافي غير المستند إلى مبرِّر عقلائي.
وبما ذكرناه يتأكد رجحان روايات وجوب الخمس وسقوط الحجيَّة عن إطلاق روايات التحليل المطلق وتعيُّن إرادة التحليل بالمقدار الذي أفادته الطوائف الثلاث.
وبتعبير آخر: إنَّ هذه القرينة تسلب الظهور الجدِّي عن إطلاق روايات التحليل المطلق، وحينئذ تصبح مجملة، إذ أن الإجمال قد ينشأ من نفس الخطاب، وقد ينشأ من القرائن الخارجية المحتفَّة به، وإذا كانت روايات التحليل مجملة بسبب القرينة المذكورة وغيرها سقطت عن الحجيَّة، إذ لا حجيَّة للروايات المجملة، نعم لو وُجِد ما يصلح لتفسيرها بما لا ينافي مقتضى القرينة التي أوجبت إجمالها تعيَّن اعتماده، وبذلك يتعين تفسير روايات التحليل المطلق بالطوائف الثلاث لصلاحيتها عرفاً للتفسير نظراً لكون العلاقة بينها وبين روايات التحليل المطلق هي علاقة الإطلاق والتقييد، وذلك يقتضي عرفاً كما ذكرنا حمل الإطلاق على إرادة التقييد وأنَّ الظهور في الإطلاق لم يكن مراداً جدَّياً للمتكلم من أوّل الأمر.
مناشئ استبعاد تحليل الخمس
القرينة الثالثة: هي استبعاد صدور التحليل المطلق عن أهل البيت (عليهم السلام)، ومنشأ الاستبعاد مجموعة أمور:
الأمر الأول: إنّ أحد ملاكات جعل الوجوب للخمس هو تعويض فقراء أقرباء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الزكاة التي حُرِّمت عليهم بإجماع الشيعة وبمقتضى الروايات المتكاثرة والصحيحة الواردة من طريق الشيعة والسنة كما ذكرنا بعضاً منها فيما تقدّم، فإذا كانت الزكاة محرَّمة عليهم كما أثبتنا ذلك كانت النتيجة هي عدم تشريع مورد يعتمده فقراء آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لسدِّ حاجاتهم، وذلك مستبعد جداً لأن مقتضاه عدم رعاية الشريعة لهم واعتبارهم أسوأ حالاً مِن كلِّ أصناف الفقراء الذين أمَّن الشارع حاجاتهم بتشريع الزكاة لهم حتّى أنَّه فرض للعبيد سهماً من الزكاة بقوله: (وفي الرقاب) وذلك لا يناسب حكمة التشريع ولا عدالته كما لا يناسب الملاك من تحريم الزكاة عليهم، وهو إكرامهم وتنزيههم عن أوساخ الناس كما نقلنا ذلك عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما رواه البخاري في صحيحه.
وإذا قلت إنَّ الزكاة مباحة لأقرباء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بنظر بعض علماء السنَّة، قلنا إننا نتحدث عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الملتزمين بحرمة الزكاة على أقرباء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكيف يصح الالتزام بذلك وفي ذات الوقت يتمُّ الالتزام مِن قِبلهم بحرمان أقرباء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من الخمس الذي هو نتيجة تحليله المطلق للشيعة.
فلأنَّه لا يُنتظر مِن غير الشيعة الالتزام بإخراج الخمس نظراً لعدم وجوبه في غير غنائم الحرب، لذلك كان التحليل المطلق للشيعة يساوق حرمان أقرباء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن الخمس.
وإنَّ ذلك هو ما يبعِّد إرادة الإطلاق من روايات التحليل.
الأمر الثاني: الذي ينشأ عنه الاستبعاد أن الخمس ليس حقاً شخصياً للإمام (عليه السلام) حتى يسوغ إسقاطه وإنما هو حق له باعتبار منصبه الإلهي وهو الإمامة والتي تقتضي أن يكون له مورد مالي يستعين به على إدارة منصبه الذي هو أخطر المناصب بعد الرسالة، فهو بطبيعته يفتقر إلى مورد مالي ثابت كما هو المتعارف في النظم العقلائية، إذ لا يستقيم نظام دون مورد مالىّ ثابت خصوصاً إذا تم الالتفات إلى أن الموارد الأخرى كالخراج والفي والأنفال والزكاة قد تمَّت الهيمنة عليها من قبل الولاة الظاهريين.
فإسقاط الخمس عمَّن هو ملتزم به أعني الشيعي مناف للحكمة التي من أجلها تم تشريعه وتفويتٌ للمورد الوحيد الذي قد يساهم في إحقاق الحق.
هذا فيما يتصل بالأسهم الثلاثة الأولى، وأما الأسهم الثلاثة الأخرى فهي حق للفقراء من أقرباء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن غير المناسب التفويت لحقهم خصوصاً مع عدم جعل مورد آخر لهم يعوِّضهم عما تم تفويته منهم.
والإمام المعصوم (عليه السلام) وإنْ كانت له الولاية المطلقة على الأسهم الثلاثة الأخرى إلا أن الولاية تقتضي الرعاية للحق لا أنها تقتضي التضييع له فهذا مبرِّر آخر لاستبعاد إرادة الإطلاق من روايات التحليل.
الأمر الثالث: الذي ينشأ عنه الاستبعاد هو أن الولاة العدول لا يُسقطون الحقوق التي على بعض رعاياهم لغرض التخفيف عليهم إذا كان ذلك الإسقاط موجباً لوقوع آخرين من رعاياهم في الحرج والضيق، فإذا كان ذلك هو شأن الولاة العدول فكيف نرضى لأئمَّتنا (عليهم السلام) ذلك خصوصاً إذا ما التفتنا إلى أنَّ المُفترض هو قدرة مَن عليهم الحق على أدائه واحتياج من لهم الحق إليه.
إنَّ ذلك مبعِّد ثالث لإرادة الإطلاق من روايات التحليل.
روايات وجوب الخمس متواترة
القرينة الرابعة: على رجحان روايات وجوب إخراج الخمس هو أنها أكثر عدداً من روايات التحليل، فقد أحصيتُ ما ورد في كتاب وسائل الشيعة فقط من روايات وجوب إخراج الخمس فوجدتها تربو على الخمسين رواية تم التعبير فيها بمثل يُخرج الخمس، وجب فيه الخمس، عليه الخمس أدِّ الخمس، فيه الخمس، وما هو قريب من هذه العبائر، وهي موزَّعة على أبواب ما يجب فيه الخمس من غنائم الحرب والكنز والمال الحرام المختلط بالحلال والمعادن وأرباح المكاسب والتجارات والصناعات وما يفضل عن المؤنة والأرض التي اشتراها الذمي من المسلم وما يُستخرج من البحر بالغوص من لؤلؤ وياقوت وزبرجد، هذا بالإضافة إلى ما ورد في أبواب الأنفال، فإذا ضممنا إلى هذه الروايات ما ورد في الوسائل من كيفية تقسيم الخمس على مستحقيه والتي ظاهرها المفروغية عن وجوب إخراج الخمس كان حاصل هذه الروايات يربو على السبعين رواية، ورد الكثير منها بطرق متعددة، هذا بقطع النظر عن الروايات الكثيرة الواردة في المجاميع الروائية الأخرى.
وأمَّا روايات التحليل فقد عرفت أنَّها على طوائف ومجموعها لا يتجاوز الثلاث والعشرين رواية في الوسائل، وما يمكن الاستدلال به على التحليل المطلق بقطع النظر عن السند لا يتجاوز السبع روايات، وما بقي من روايات التحليل لا يدل على التحليل المطلق وإنما هو التحليل في خصوص ما بيَّناه في الطوائف الثلاث.
على أنَّ ثمة روايات صريحة في نفي التحليل نذكر منها ثلاث روايات:
الأولى: ما رواه الكليني في الكافي بسنده إلى محمد بن زيد الطبري قال: كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا (عليه السلام) يسأله الإذن في الخمس فكتب (عليه السلام) إليه: بسم الله الرحمن الرحيم إنَّ الله واسع كريم ضَمِن على العمل الثواب وعلى الضيق الهم، لا يحلُّ مال إلا من وجه أحلَّه الله، إنَّ الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته، فلا تزووه عنا، ولا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه، فإنّ إخراجه مفتاح رزقكم وتمحيص ذنوبكم وما تمهِّدون لأنفسكم ليوم فاقتكم، والمسلم من يفي لله ما عهد إليه، وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب، والسلام "(25).
الثانية: ما رواه الكليني في الكافي بسنده إلى محمد بن يزيد قال: قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فسألوه أن يجعلهم في حلّ من الخمس فقال (عليه السلام): "ما أمحل هذا لا نجعل، لا نجعل، لا نجعل، لا نجعل لأحد منكم في حل ".
روى هذه الرواية بطريق آخر الشيخ الطوسي في التهذيب والاستبصار كما روُيت في المقنعة(26).
الثالثة: ما رواه الشيخ الصدوق في إكمال الدين بسنده إلى أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي قال: كان فيما ورد علىَّ من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه في جواب مسائلي إلى صاحب الدار (عليه السلام): وأما ما سألت عنه من أمر من استحلَّ ما في يده من أموالنا ويتصرَّف فيه تصرُّفه في ماله من غير أمرنا فمن فعل ذلك فهو ملعون ونحن خصماؤه، فقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المستحل من عترتي ما حرَّم اللَّه ملعون على لساني ولسان كل نبي مجاب "(27).
وثمّة روايات أخرى أعرضنا عن نقلها خشية الإطالة وهي متفرقة في كتاب الخمس، وكتاب الأنفال من الوسائل، وإنْ شئت فراجع الباب الرابع من أبواب الأنفال فقد اشتمل على بعض من هذه الروايات.
وبمجموع ما ذكرناه يتجلَّى للقارئ الكريم زيف شبهة التحليل.
والحمد لله رب العالمين
مقتبس من كتاب: تساؤلات في الفقه والعقيدة
الشيخ محمد صنقور
1- وسائل الشيعة باب 4 مِن أبواب الأنفال ج6.
2- وسائل الشيعة باب 4 مِن أبواب الأنفال ج19.
3- وسائل الشيعة باب 4 مِن أبواب الأنفال ج10.
4- وسائل الشيعة باب 4 مِن أبواب الأنفال ج2.
5- وسائل الشيعة باب 4 مِن أبواب الأنفال ج1.
6- وسائل الشيعة باب 4 مِن أبواب الأنفال ج15.
7- وسائل الشيعة باب 4 مِن أبواب الأنفال ج14.
8- كتاب الغيبة -للشيخ الطوسي- ص 348.
9- كتاب الغيبة -للشيخ الطوسي- ص 348.
10- كتاب الغيبة -للشيخ الطوسي- ص 346-348.
11- كتاب الغيبة -للشيخ الطوسي- ص 348.
12- كتاب الغيبة -للشيخ الطوسي- ص 349.
13- كتاب الغيبة -للشيخ الطوسي- ص 350.
14- كتاب الغيبة -للشيخ الطوسي- ص 350.
15- كتاب الغيبة -للشيخ الطوسي- ص 349.
16- كتاب الغيبة -للشيخ الطوسي- ص 349.
17- كتاب الغيبة -للشيخ الطوسي- ص 351.
18- كتاب الغيبة -للشيخ الطوسي- ص 352.
19- كتاب الغيبة -للشيخ الطوسي- ص 351.
20- كتاب الغيبة -للشيخ الطوسي- ص 354.
21- كتاب الغيبة -للشيخ الطوسي- ص 355 - 356، إثبات الهداة 3/11 ح336، منتخب الأثر 393.
22- وسائل الشيعة باب 8 مِن أبواب ما يجب فيه الخمس ح3.
23- وسائل الشيعة باب 8 مِن أبواب ما يجب فيه الخمس ح9.
24- وسائل الشيعة باب 3 مِن أبواب الأنفال ح9.
25- وسائل الشيعة باب 3 مِن أبواب الأنفال ج2.
26- وسائل الشيعة باب 3 مِن أبواب الأنفال ج3، المقدّمة: 46.
27- وسائل الشيعة باب 3 مِن أبواب الأنفال ح7.