اشتراط قبول الأعمال بقبول الصلاة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

لقد لاحظتُ أنَّ القول بشرطية قبول الصلاة لقبول سائر الأعمال معتمدٌ -بحسب ما رأيت- على مرسلة الصدوق الجزمية، وعليه فالدليلُ ليس بتامٍّ بناءً على عدم حجيَّة مراسيل الصدوق مطلقاً، فهل هناك دليلٌ آخر على المدعى؟

 

الجواب:

نعم ورد في معتبرة أبي بصير عن أبي عبدالله (ع): ".. إنَّ أوَّلَ ما يُحاسب به العبد الصلاة، فإنْ قُبلت قُبِل ما سواها، إنَّ الصلاة إذا ارتفعت في أوَّلِ وقتها رجعت إلى صاحبها وهي بيضاء مشرقة، تقول: حفظتني حفظكَ الله، وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعتْ إلى صاحبها وهي سوداء مظلمة تقول: ضيَّعتني ضيَّعك الله"(1).

 

ويُمكن تأييد ذلك بما ورد في التهذيب بسنده عن عليٍّ (ع) قال: "إنَّ عمود الدين الصلاة، وهي أوَّلُ ما يُنظر فيه من عمل ابن آدم فانْ صحَّت نُظر في عمله وإنْ لم تصحْ لم يُنظر في بقيَّةِ عمله"(2).

 

وكذلك بما رواه الصدوق في عقاب الأعمال بسندٍ معتبر عن أبي بصير عن أبي عبدالله (ع) قال: "الصلاة وُكِّل بها ملك ليس له عمل غيرها، فإذا فرغ منها قبضها ثم صعد بها فإنْ كانت ممَّا تُقبل قبلت وإن كانت ممَّا لا تُقبل قيل له ردَّها على عبدي فينزل بها حتى يضربَ بها وجهه ثم يقول له: أفٍ لك لا يزال لك عمل يغنيني"(3). فإنَّ الظاهر من معنى قوله: "لا يزال لك عمل يُغنيني" هو أنَّه ليس ثمة من عملٍ يغني عنَّي، ومقتضي ذلك أنَّ الأعمال الصالحة وإنْ كثرتْ لا تُوجب النجاة إذا لم تقبل صلاة العبد فالصلاة شرط في التوفيق للنجاة

 

وكذلك بما رواه الكافي بسندٍ معتبر عند عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله (ع) قال: "قال رسول الله (ص): مثل الصلاة مثل عمود الفسطاط إذا ثبتَ العمود نفعت الأطناب والأوتاد والغشاء وإذا انكسرَ العمود لم ينفع طنبٌ ولا وتَدٌ ولا غشاء"(4).

 

وبما رواه الكليني في الكافي بسند معتبر عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: بينا رسول الله (ص) جالس في المسجد إذ دخل رجلٌ فقام يصلِّي فلم يُتمَّ ركوعه ولا سجوده فقال (ص): "نقرٌ كنقر الغُراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتنَّ على غير ديني"(5). ومعنى ذلك أنَّ جميع أعماله الصالحة لم تشفع له وتحول دون اعتباره بحكم مَن مات على غير دين النبيِّ (ص).

 

مؤدَّى الروايات المذكورة:

والروايات المقتضية لعدم قبول الأعمال عندما لا تكون الصلاة مقبولة كثيرة، والظاهر أنَّ المراد من ذلك أنَّ المكلَّف إذا اجتاز المُساءلة فيما يتَّصل بفريضة الصلاة وكُتب له أنَّه ملتزمٌ بهذه الفريضة ولو في الجملة فحينئذٍ يُساءل عن سائر أعماله وإلا فإنَّه لا يُسئل عن سائر أعماله فإنَّها لا تُقبل بعد فرض عدم قبوله في الملتزمين بفريضة الصلاة، وليس المراد ظاهراً من الروايات عدم قبول أعماله لمجرَّد عدم قبول صلاةٍ واحدة من مجموع ما كان قد صلَّاه في حياته. فإنَّ الظاهر من قوله (ع): "إنَّ أول ما يُحاسب به العبد الصلاة" هو طبيعة الصلاة أي أنَّه يُحاسب على الإلتزام بمجمل هذه الفريضة.

 

وهكذا هو الظاهر من قوله (ع): "إنَّ عمود الدين الصلاة، وهي أولُ ما يُنظر فيه"، وقوله (ص): "مَثَلُ الصلاة مثل عمود الفسطاط" وكذلك غيرها من الروايات. 

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج4 / ص108.

2- تهذيب الأحكام -الشيخ الطوسي- ج2 / ص237.

3- ثواب الأعمال -الشيخ الصدوق- ص230.

4- الكافي -الشيخ الكليني- ج3 / ص266.

5- الكافي -الشيخ الكليني- ج3 / ص268.