اجتياح مدينة الرسول (ص) .. (واقعة الحرَّة)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وخاتم النبيين، حبيب إله العالمين، أبي القاسم محمد , وعلى آله الأخيار الأبرار، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم، وأكرمنا بنور الفهم، وأفتح علينا أبواب رحمتك، وانشر علينا خزائن علومك.
جريمة عظمى:
أردت أن أتحدث إليكم أيها الأخوة الأعزاء حول إحدى العظائم التي ارتكبها يزيد بن معاوية إبَّان تسلُّطه على رقاب المسلمين، فبعد أن ارتكب الموبِقة التي ليس فوقها موبقة، وهي قتل سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين صلوات الله وسلامه عليه، وقتل أطفاله، وسبي حرمه.. فبعد أن ارتكب هذه الموبقة العظيمة عند الله عز وجل، وعند ملائكته، وعند أنبيائه، وعند رسله، أقدم بعد ذلك في سنة الثالث والستين من الهجرة على إباحة مدينة الرسول الكريم (ص) في واقعةٍ شهيرة في التأريخ، يُعبَّر عنها بـ (واقعة الحرة)، وهي واقعة لا تجد مؤرِّخاً من الذين أرخوا لأحداث السنين الهجرية إلَّا وقد ذكرها.
قصَّة الواقعة:
يذكر المؤرخون أنَّ منشأ وقوع هذا الحدث الرهيب هو أنَّ أهل المدينة خلعوا يزيد بن معاوية من الخلافة، وقالوا لا نرتضية أميراً للمؤمنين، ولا نرتضيه خليفة للمسلمين. وقد كان جمعٌ من وُجهائهم وكُبرائهم قد ذهب إلى يزيد في الشام، فبالغ في الإحتفاء بهم ومنحهم الهدايا والجوائز، إلا أنَّهم حين عادوا إلى المدينة خلعوا يزيداً، وقالوا إنَّه وإن كان قد أحتفى بنا، ووهبنا، وأعطانا، ومنحنا، إلَّا أنَّ ذلك لا يمنعنا عن أن نقول الحقّ إنَّه رجلٌ فاسق، يشرب الخمر، وتَضرب عنده القِيَان، -أي تَضرب الجواري عنده بالدفوف-، ويَشرب الخمر، ويَستحلَّ المحارم، وكان ربَّما ترك الصَّلاة وذلك لسكره، ونحن كُنَّا معه في مجلسه، وكنا نخشى أن تسقط السماء علينا كِسَفاً(1)؛ لفجوره وفسقه وعبثه ومُجونه. كان في طليعتهم رجلٌ يُسمَّى عبد الله ابن حنظلة -غسيل الملائكة رحمه الله تعالى- وهو أول مَن أعلن خلع يزيد بن معاوية، وتبعه أهل المدينة .. ولمَّا أن بلغ الخبر يزيد بن معاوية أعدَّ لمدينة الرسول جيشاً يُناهز عدده العشرة آلاف فارساً -وقيل اثنا عشر ألف فارسٍ-، وأمَّرَ عليهم رجلاً خبيثاً يُسمَّى مسلم بن عقبة المرِّي، وأوصاه بأن يُحاصر المدينة، وأن يطالبهم بالطاعة والالتزام بأوامر الخليفة، فإنْ أجابوا وإلَّا السيف السيف. وقال: إذا قتلتهم فأبحِ المدينة ثلاثاً للجند، وإيَّاك أنْ تمنع الجند من عدوِّهم، فليفعلوا ما شاؤوا في مدينة الرسول (ص)(2).
وما نقوله مُوثَّق، ومنصوصٌ عليه عند كلِّ المؤرِّخين -دون اسثناء- وعند المحدِّثين من أبناء العامة قبل أبناء الشيعة.
بلغ مسلم بن عقبة المرِّي مدينة الرسول (ص)، فحاصرها، فواجهه عبدالله بن حنظلة -غسيل الملائكة-، ومَن كان معه، حتى قُتِل أكثرهم، وانهزم الباقون. فاقتحم مسلم مع جيشه مركز المدينة، فكان القتل الذريع والانتهاب العظيم!(3).
إحصائيات بالجرائم التي ارتكبها الجيش الأموي:
نذكر بعض الإحصائيات التي ذكرها المؤرِّخون: فممَّا ذكروه أنه -قُتِل في تلك الواقعة سبعون صحابياً من صحابة الرسول (ص)! وقيل ثمانون صحابياً-(4).
حتى لم يبق بعد واقعة الحرة بدريّ!(5) كلُّ البدريين -الذين شاركوا في معركة بدر- ومن المعلوم أنَّ للبدريين موقعاً خاصاً في قلوب المسلمين، ولهم شأن خاص. لم يبق بعد واقعة الحرة بدريٌّ واحد، فقد قُتِلوا عن آخرهم!
-وقتل من قريش ومن المهاجرين ومن الأنصار سبعمائة -هذا مَن قُتل من الوجهاء-، وأما من سائر الناس فقُتِل عشرة آلاف بين رجلٍ، وامرأةٍ، وحرٍّ، وعبدٍ من الموالي. وعموم الناس، حتى قال بعض المؤرِّخين: كأن لم يبق في المدينة من رجل!(6) والأنكى من ذلك -كما يقول جلال الدين السيوطي أحد كبار علمائهم- أنَّه بعد أن هُزِمَ جيش المدينة، وقُتِل من قُتِل، وكثيرٌ منهم قُتِل صبراً- ليس في قتال، وإنَّما قُتِلوا صبراً(7)، إذ يؤخذون ويُصفَّدون ويُوثَّقون بالأغلال، ثم يُقتل الواحد تلو الأخر تُضرب أعناقهم بالسيف- الأنكى من ذلك أنه افتُضَّت في تلك المعركة -بعد أنْ أباح مسلم بن عقبة المُرِّي المدينة- ألفُ عذراء، وولدت ألف امرأة من غير زوج. ذكر ذلك المدائنيّ، وغيره من المؤرخين(8). ووصلت الدماء إلى الروضة الشريفة، فالتجأ الناس إلى حجرة الرسول -الحجرة التي فيها قبر الرسول (ص)-، فقد التجأ الناس إلى تلك الحجرة، ظناًّ منهم بأنَّ ذلك سيردع جيش يزيد عنهم، فالتجأوا إلى حجرة الرسول (ص)، وإلى منبره، وإلى الرَّوضة، فقُتِلوا في روضة الرسول(ص)، وفي حجرته، وعلى منبره!!(9).
وأقحم مسلم ابن عقبة -قائد الجيش اليزيدي- الجمال والخيول قبر رسول الله (ص)، حتى روَّثت خيوله وجماله على قبر رسول الله (ص)!!(10)
هذه بعض الإحصائيات التي ذكرها أكثر المؤرخين وحتَّى نوثِّق هذا الذي ذكرناه، ننقل لكم -أيها الأخوة- بعض النصوص التي ذكرها المؤرخون من أبناء العامة:
ابن الأثير في كتاب الكامل, قال: انتدب يزيد بن معاوية للمدينة اثنا عشر ألفا، وخرج يزيد يعرضهم -يعني يستعرض الجيش الذي بعثه-، وهو متقلَّد سيفاً -إلى أن قال-... وسار الجيش عليهم مسلم بن عقبة المري، فقال لهم يزيد: ادعوا القوم ثلاثا، فإذا أجابوك، وإلَّا فقاتلهم، فإذا ظهرت عليهم فأبحها ثلاثا -إذاً، فإباحة المدينة ثلاثا كان بمرسوم ملكيّ، وبأمرٍ من الخليفة، فلم يكن للجيش أن يتجرَّأ ويتجاسر على إباحة مدينة الرسول (ص) لولا أمر يزيد- يقول: فأبحها ثلاثا، فكلّ ما فيها من مالٍ، أو دابةٍ، أو سلاحٍ، أو طعامٍ -هذا كلام يزيد بحسب نقل ابن الأثير- فهو للجند حلال، فإذا مضت الثلاثة فاكفف(11).
ثم إنَّ مسلم بن عقبة المري امتثل هذا الأمر الملكي امتثالاً حرفياً، وبعث إلى يزيد يخبره بأنَّه قد امتثل فأرسل له يقول: سلام إلى يزيد، سلام عليك يا أمير المؤمنين، ما صلَّيتُ الظهر إلا في مسجدهم بعد القتل الذريع، والإنهاب العظيم، واتَّبعنا مُدبرهم -يعني أنَّهم كانوا يُلاحقون من فرّ- وأجهزنا على جريحهم، وأنهبناهم ثلاثاً كما قال أمير المؤمنين(12). فكانت إباحة المدينة بإمرٍ من يزيد بن معاوية.
أيتوقَّف مسلمٌ في لعن يزيد ابن معاوية؟!
والعجيب أنَّ علماء السُنَّة يروون في مسند أحمد، وفي غيره من الجوامع الروائية، عن الرسول الكريم (ص)، ثم يُهرِّجون علينا: كيف نلعن يزيداً! وهم يروون أن رسول الله (ص) قد لعنه! قال (ص): من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين(13).
مجاهد -أحد مفسِّري علماء العامة- يقول: كما يروي سبط ابن الجوزي عن المدائني، التجأ الناس إلى حجرة رسول الله ومنبره، والسيف يعمل فيهم (14). قال هشام ابن حسان: ولدت ألف امرأة بعد وقعة الحرة -يعني بعد واقعة الحرة- من غير زوج(15). وقيل: عشرة آلاف امرأة ولدت بغير زوج(16).
عشرة آلاف امرأة ولدت بعد واقعة الحرة من غير زوج!
بعد أن تمَّت تصفية من يعبَّر عنهم عند مؤرخي السلطة بالمتمرِّدين، قُطِعَت رؤوس وجهائهم -كعبد الله بن حنظلة، غسيل الملائكة، هذا الرجل المعروف بالصلاح والفضل، وهو ابن الصحابيّ الجليل الذي مات فغسلته الملائكة(17)- وحُملت الرؤوس(18)، وجيئ بها إلى مجلس يزيد، فرميت على الأرض، فابتسم يزيد وضحك، وتمثَّل بنفس الأبيات(19) التي تمثل بها حينما حُمِل إليه رأس الحسين (ع): ليت أشياخي.
كل ذلك انتقاماً من يوم بدر، فبدر كانت شديدة الوقع على قلوب الأمويين، يقول:
ليت أشياخي ببدر شهدوا -يقول أنا الذي انتقمت لبني أمية، فيتمنى لو كان أشياخه حضوراً؛ حتى يُشاهدوا هذه الإنجازات العظيمة التي قام بها يزيد!!
ليت أشياخي ببــدر شهـــــــدوا جزع الخزرج من وقـع الأســـل
لأهلــــوا واستهـــلـــــــوا فرحـــــــا ثم قالــوا يـــا يزيــــــد لا تشـــــل
حيــن حلَّـــت بقبـــاءٍ طرقهــــــــا واستحرَّ القتل في عبد الأشل
قد قتلنا الضعف من ساداتهم وعدلنا بيـــن بـــدر فــاعتـــــــدل
لـعـبــــت هــاشــــمُ بالملــك فــــلا خبــــرٌ جــــاء ولا وحـــيٌ نــــــزل
يقول ابن كثير -صاحب كتاب البداية والنهاية-: إن قال يزيد البيت الأخير فعليه لعنة الله(20). عجباه! البيت الأخير فقط؟ لا شيء غير البيت الأخير؟! هو يفتخر بالإنتقام من بدر، بدر التي كانت معركة الله الكبرى، بدر المعركة الفاصلة بين الكفر والإيمان، بدر التي كان يحتفي بها رسول الله (ص)، بدر التي باهى الله بالمسلمين ملائكته، وأنزل عليهم مدداً، وأمدَّهم بملائكةٍ يقاتلون عنهم، هو يقول: وعدلنا بين بدرٍ فاعتدل! فالعجيب من مثل هؤلاء كيف تعصَّبوا ليزيد بهذا المستوى من التعصب! ألستم من يدَّعي الدفاع عن الصحابة، يزيد قد قتل الصحابة -قتل سبعين صحابياً في واقعة الحرة-، ألم لم يكن الحسين صحابيا؟! إذا لم يكن الحسين (ع) كبيراً عندكم لأنه بضعة رسول الله، فهو كبيرٌ لأنه صحابيّ.
وروي عن مالك بن أنس: قتل يزيد بن معاوية في واقعة الحرة سبعين رجلاً من حملة القرآن(21). إنه لمن نافلة القول أن نتحدَّث عن موبقات يزيد، ولكن ماذا نقول؟! كيف ينبري أُناسٌ ليدافعوا عن يزيد؟! ويقولون أنَّه من الصالحين، وأنَّه من أهل الجَّنة، وأنه قد ولي أمر المسلمين، فكان ذلك أمارة تديُّنه وإيمانه!!
مهام الجيش اليزيدي الأموي:
إنَّ جيش مسلم بن عقبة المري لم يذهب لمهمة واحدة -ونختم الحديث إن شاء الله-، بل ذهب لمهمَّتين:
المهمة الأولى: استباحة المدينة!
المُهمَّة الأولى كانت الأيسر، وهي اقتحام المدينة، وإباحتها ثلاثة أيام، وأخذ كلِّ ما فيها(22)، حتى وصل الأمر حينما كان يدخل الجيش والجند على بيوتات المسلمين في المدينة -يقول الرواة- فإنهم يأخذون كلَّ ما فيها، فما يحتاجونه يسلبونه، وما لا يحتاجونه يُخرِّبونه، حتى أنَّهم يعمدون إلى الفراش فينفشوا صوفه وقطنه! ويأتي أحدهم إلى زوج الحمام إن احتاجه أخذه، وإن لم يكن بحاجةٍ إليه قتله!(23) ويدخلون إلى محاكر الدجاج ويقتلونها، ومما ذكر في هذا السياق أنَّهم دخلوا بيت رجلٍ ضعيف وامرأة ضعيفة، وكان في حِجر تلك المرأة طفلٌ رضيع صغير، ففتَّشوا الدار ولم يجدوا شيئاً نفيساً، فطالبوها بالحليّ، فما وجدوا، ثم طالبوها بالدنانير والدراهم فلم يجدوا، فأخذوا الطفل من ساقه وضربوه بالجدار، فتناثر مُخَّه(24)!!!
دخلوا على أبي سعيد الخدري -صحابي جليل- وكان يصلي، كما نقل ذلك الدينوري في الأخبار الطوال عن أبي هارون العبدي قال: رأيت أبا سعيد الخدري، ولحيته بيضاء، وقد خفَّ جانباها، وبقي وسطها، فقلت: (يا أبا سعيد، ما حال لحيتك؟) فقال: (هذا فعل ظلمة أهل الشام يوم الحرة، دخلوا عليَّ بيتي، فانتهبوا ما فيه حتى أخذوا قد حي الذي كنت أشرب فيه الماء، ثم خرجوا، ودخل عليَّ بعدهم عشرة نفر، وأنا قائم أصلي، فطلبوا البيت، فلم يجدوا فيه شيئا، فأسفوا لذلك، فاحتملوني من مصلاي، وضربوا بي الأرض، وأقبل كلُّ رجلٍ منهم على ما يليه من لحيتي، فنتفه، فما ترى منها خفيفاً فهو موضع النتف، وما تراه عافياً فهو ما وقع في التراب، فلم يصلوا إليها، وسأدعها كما ترى حتى أوافي بها ربي)(25). هذه هي حصائل مدرسة الخلفاء؟ أقول للعقلاء والمنصفين والموضوعيين: ألا تعبِّر هذه النتائج عن خطأ تلك السياسة، وعن خطأ ذلك التخطيط؟ لم يمض على سياسة السقيفة، أكثر من ستين سنة حتى رقي يزيد بن معاوية منبر رسول الله (ص)، وعمل هذه الفظائع والعظائم.. هذه هي النتيجة الحتمية للأخطاء المتراكمة التي حدثت طيلة ما يزيد على نصفِ قرنٍ من الزمن. نتيجة ذلك هي أنَّه جاء معاوية وأعمل السيف في رقاب المسلمين شرقاً وغرباً، من اليمن إلى مصر إلى الحجاز إلى العراق، فلمَّا استتبَّ له الأمر سلَّم الخلافة العريضة المترامية الأطراف بيد رجل فاسق، لعوب، يشرب الخمر، ويلعب مع القرود، وينكح أمهات الأولاد، وتُضرب عنده الدفوف، وترقص عنده القيان، ولا يكاد يفيق من سكره، ويتغزَّل في الغانيات(26)، يقول:
اسقني شربة تروِّي عظامي ثم مل فاسقٍ مثلها ابن زياد(27).
ويقول:
ألا يا صــاح للعجـب دعوتك ذا ولم تجبِ
وبـاطية مكــللة عــليـها ســادة العـربِ
وفـيهـن الـتي تــبـلـت فــؤادك ثــم لــم تــتــبِ(28)
هذا بعض ما نسب إليه من الأشعار المعبِّرة عن المجون، والفسق، والفجور.
هذه هي نتيجة الإنحراف عن خط أهل البيت الذي أوصى به.
الرسول (ص) فكان فيما أفاده: "إنِّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي. وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض"(29). خالفوا رسول الله، فكانت النتيجة أن تحكَّم في رقابهم يزيد بن معاوية. ثمَّ لمَّا خرج الحسين (ع) وقال: أيها المسلمون، من رأى منكم سلطانا جائرا يستحل حرمات الله، فلم ينكر عليه كان حقاً على الله يدخله مدخله(30). استنهضهم فلم ينهضوا، استنفرهم فلم ينفروا، فخرج وحيداً -روحي فداه-، وقُتل غريبا مظلوما ظامئا -بمرأى وبمسمعٍ من المسلمين-، فكانت النَّقمة أنَّهم حينما تحفَّظوا على أنفسهم وعلى أولادهم وعلى ذراريهم، أن قُتِلَت أولادهم، والأفظع أنه استُبيحت نساؤهم، والأفظع من ذلك أنَّ مسلم بن عقبة المري جلس على منبر رسول الله (ص) في المدينة، ثم دعا من تبقَّى من رجال المسلمين، وقال: تأتون تبايعوني. فجاء رجلٌ تلو رجل، على أيِّ شيئ نبايعك؟ قال: تبايعوني على أنكم خِولٌ -يعني خِوَلٌ ليزيد(31)، أي عبيدٌ له!-, فأدخل عليه أحدهم وقال له: أبايعك على كتاب الله، وسنة رسوله. قال: تبايعني على أنَّك فيئ ليزيد. قال: أبايعك على كتاب الله، وسنة رسوله. قال: قدِّموه، واضربوا عنقه. وهذا الذي رفض أن يكون عبداً ليزيد هو يزيد بن عبدالله بن الأسود(32)، حفيد أم سلمة -أم المؤمنين-! ثم دخل رجل آخر، قال له: تبايعني على أنَّك قنٌّ ليزيد. قال: أبايعك على سُنَّة عمر. قال: قدِّموه واضربوا عنقه!(33) فدخل بعده الرجال وبايعوه على أنهم خول وعبيد ليزيد -وهذا هو كلام المؤرخين-.
المهمة الثانية: استباحة مكة!
المهمة الثانية التي جاء من أجلها مسلم بن عقبة المري بهذا الجيش الجرار هي مكة(34)، ليقضي على التمرُّد الآخر الذي كان يقوده عبد الله بن الزبير.
أما ابن الزبير فهو حينما سمع أنّ الجيش قد جاء، أخذ حيطته وفعل لنفسه ملجئاً -هو ومن معه-، والتجأوا فيه. فحوصرت مكة. وكان يزيد قد قال في وصيته لمسلم: فإذا انتهيت من المدينة فاذهب إلى مكة، واقتل عبد الله بن الزبير ومن معه. فحوصرت مكة، ونُصبت المجانيق على جبل أبي قبيس، وضُربت مكة بالمنجنيق، وضُرِب البيت الحرام بالمنجنيق!(35) فبدأ يزيد خلافته بقتل الحسين (ع)، وانتهى بهدم الكعبة، ثم يُقال عنه خليفة المسلمين!!
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
1- تاريخ -الطبري- ج4 / ص368، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص103، البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص236.
2- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر-، تاريخ الطبري ج4 / ص372، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4/ ص112، التنبيه والإشراف -المسعودي- ص263، الإمامة والسياسة -ابن قتيبة- ج1 / ص179.
3- الإمامة والسياسة -ابن قتيبة- ج1 / ص186.
4- الإمامة والسياسة -ابن قتيبة- ج1 / ص185.
5- الإمامة والسياسة -ابن قتيبة- ج1 / ص185.
6- تاريخ اليعقوبي ج3 / ص250، البداية والنهاية -لابن كثير- ج6 / ص262.
7- الاستعاب -ابن عبدالله- ج3 / 1431، أسد الغابة -ابن الأثير- ج3 / ص147.
8- تذكرة الخواص -سبط بن الجوزي- ص259، سير أعلام النبلاء -الذهبي- ج3 / ص323، امتاع الأسماع -المقريزي- ج12 / ص246، تاريخ الإسلام -الذهبي- ج5 / ص26، عمدة القاري -العيني- ج17 / ص221، البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص241.
9- منهاج الكرامة -العلامة الحلِّي- ص83، تذكرة الخواص ص289.
10- السيرة الحلبية -الحلبي- ج1 / ص268، ينابيع المودة -القندوري- ج3 / ص35، فيض القدير -المناوي- ج1 / ص58.
11- تاريخ الطبري ج4 / ص372، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج14 / ص112.
12- الإمامة والسياسة ج1 / ص240.
13- مسند احمد -الإمام احمد بن حنبل- ج4 / ص55، وفي مجمع الزوائد عن الطبراني "فأخفه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" قال: ورجاله رجال الصحيح ج3 / ص306.
14- شرح إحقاق الحق -السيد المرعشي- ج33 / ص615.
15- البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص241.
16- تذكرة الخواص -سبط بن الجوزي- ص259.
17- الاستيعاب -ابن عبد البرج- ج3 / ص892.
18- العقد الفريد -ابن عبد ربه- ج2 / ص139.
19- الأخبار الطوال -الدينوري- 267، تاريخ الطبري ج8 / 187، شرح نهج البلاغة -ابن أبي الحديد- ج15 / 178، البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / 245، أنساب الأشراف -البلاذري- ج2 / 196.
20- البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص246.
21- سبل الهدى والرشاد -الصالحي الشامي- ج10 / ص155، ونقل قريباً من هذا المضمون المقريزي في امتاع الأسماع ج14 / ص153.
22- البداية والنهاية ج8 / ص239، الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص112.
23- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج20 / ص395.
24- الإمامة والسياسة -ابن قتيبة- ج1 / ص184، ونقلها ابن عقيل عن البيهقي والمحاسن والمساوي في كتاب النصائح الكافية ص62.
25- الأخبار الطوال -الدينوري- ص269، تاريخ الإسلام -للذهبي- ج5 / ص27، سير أعلام النبلاء للذهبي ج3 / ص324.
26- سير أعلام النبلاء -الذهبي- ج3 / ص324، الإصابة -ابن حجر- ج6 / ص144، تاريخ الإسلام -الذهبي- ج5 / ص24، البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص239.
27- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج22 / 143، كتاب الفتوح -ابن أعثم- ج5 / ص136.
28- الكامل في التاريخ -ابن الأثير- ج4 / ص127، المناقب والمثالب ص295.
29- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج27 / ص34، المستدرك على الصحيحين -الحاكم النيسابوري- قال هذا حديث على شرط الشيخين ج3 / ص109.
30- الكامل في التاريخ -لاين الأثير- ج4 / ص48.
31- امتاع الأسماع -للمقريزي- ج14 / ص153، التنبيه والإشراف للمسعودي: 264، كتاب المنمق -البغدادي- ص316، نهذيب النهذيب -ابن حجر- ج11 / ص316.
32- الأخبار الطوال -الدينوري- ص265.
33- تاريخ الطبري ج4 / ص379.
34- الإمامة والسياسة -ابن قتيبة- ج1 / ص179، التنبيه والإشراف للمسعودي ص263، البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص239، الأخبار الطوال -الدينوري- ص264.
35- تاريخ الطبري ج4 / ص383، الكامل في التايخ -ابن الأثير- ج4 / ص124، البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص247، الأخبار الطوال -الدينوري- ص267، تهذيب التهذيب -ابن حجر- ج2 / ص338.