لقاء مجلة جمعية قرآنية مع سماحة الشيخ محمد صنقور

 

أسئلة اللقاء:

س1: يتوجه البعض من الناشطين القرآنيين للعمل التعليمي البحت كالتجويد والحفظ، بينما يُركِّز آخرون على النشاط القرآني من مدخل ثقافي و إعلامي  .. أي المسارين تُقدِّمون كأولويّة في العمل القرآني؟

ج1: أرى أن كلا المسارين لا يقلُّ أحدهما شأناً عن الآخر خصوصاً إذا تم التركيز في المسار الأوّل على تعليم التفسير للقرآن وعلومه وأسباب نزوله وكيفية التعاطي معه وما هي آليّة الوصول لفهم آياته واستنطاق معانيه بما يساهم في بناء الذات فكراً وسلوكاً بناءً قرآنياً، أما لو تمحَّض المسار الأوّل في تعليم التجويد والقراءات والحفظ فذلك وإن كان جديراً بالاهتمام والعناية الفائقة إلاّ أنّه لن يكون أكثر أهميّة من المسار الثاني والذي يُنتج تأصيل الوعي القرآني في الوسط الاجتماعي العام ويعكس للآخرين شيئا من ملامح الصورة الناصعة للإسلام وقيمه خصوصاً إذا اعتُمدت في النشاط التثقيفي والإعلامي منهجية متقنة واستفيد من وسائل التبليغ المتجددة. إذ لاريب في أن النشاط التثقيفي للقرآن يساهم في تقريب المسافات الشاسعة التي تفصل بين المجتمع الإسلامي والقرآن والتي عملت على توسيعها الكثير من العوامل المرتبط بعضها بتقصير الدعاة او انصراف اهتماماتهم إلى ما هو أقل شأناً من هذا النشاط، والمرتبط بعضها الآخر بحالة الإحباط من جهة وحالة الانبهار بالآخرين من جهة أخرى بما أدى إلى تراجع الأمّة عن مسارها التكاملي الذي كانت تسير فيه.

وثمّة عامل آخر هو التبليغ المضاد المعتمِد على الإمكانيات الهائلة والوسائل المتنوعة. من هنا يكتسب النشاط التثقيفي للقرآن أهميّة تفوق الكثير من الأنشطة التبليغية وهكذا الحال فيما يرتبط بالنشاط الإعلامي فإنَّه يقع في صراط الغرض الإلهي وهو عالمية الإسلام والمقتضي للتعريف بمبادئه وقيمة السامية وأنَّه الدين الأوحد القادر على السير بالإنسان في خطى الكمال. ومن الواضح أنَّه ما من وسيلة أنجع لبلوغ هذا الغرض من إيقاف الإنسان مهما اختلفت مشاربه وتوجهاته على آيات القرآن ومعانيه "ان هذا القرآن بهدي للتي هي أقوم".

س2: ما هي آفاق العمل القرآني؟

ج2: آفاق العمل القرآني كثيرة ومتنوعة ولكل أفق من آفاقه آثار وثمرات تنتهي بالإنسان إلى الغاية التي من أجلها خُلِق، وهي الهداية والكمال. فواحد منها التفسير بمختلف اتجاهاته المشروعة، فهي بمجموعها تساهم في الوقوف على ملامح المنظومة المعرفية الواسعة التي تكتنزها آيات القرآن الكريم، وثمّة أفق آخر من آفاق العمل القرآني، وهو السعي من أجل تفعيل مرجعية القرآن الكريم في جميع مفاصل الحياة بل وفي كل شأنٍ من الشؤون الحياتيّة الشخصيّة والعامة حقيرا كان ذلك الشأن أو خطيراً. وذلك ما يسترعي جهوداً متظافرة ومضنيّة في الحقلين العلمي والعملي. وأرى أنَّ أول خطوة في هذا الطريق هو أن يتصدى العلماء الأخيار -كلُّ فريق منهم- لاختيار واحدٍ من الحقول المعرفية الإنسانيّة لغرض معالجة إشكالاته وترميم ثغراته وتقويم أخطائه والعمل على تنضيجه وتعميقه، وذلك بواسطة استنطاق القرآن الكريم والذي فيه كما أفاد الإمام علي (ع) دواء دائكم ونظم ما بينكم .. ثم تلي هذه الخطوة خطوات تستهدف تأصيل الوعي القرآني على مستوى الفكر والشعور والسلوك مستعينين في ذلك على ما تم انجازه في الخطوة الأولى.

س3: كيف نستطيع كمؤسسات أن نجعل القرآن أمام نواظر المجتمع وعقله؟

ج3: أرى أن على هذه المؤسسات أن تنوّع اهتماماتها وأنشطتها من أجل أن يكون القرآن حاضراً ليس في الوسط الديني وحسب بل في الوسط الإنساني عامة. وهنا استعرض مجموعة من الأنشطة التي تساهم في تحقيق جزءً من الغرض المذكور.

1- عقد دورات تعليمية للقرآن مركزة ومتنوعة مع ملاحظة الأولويّة التي تتحكم فيها الظروف والإمكانيات وما يتناسب مع مناهج التعليم والتربية. على أن تكون بعض هذه الدورات قصيرة الأمد وبعضها طويل الأمد.

2- عقد المؤتمرات والندوات بصورة منتظمة والاستعانة في ذلك بالكفاءات.

3- إصدار وطباعة الكتب والمجلات والنشرات والإصدارات الصوتية والمرئيّة وبلغات متعددة.

4- تنظيم مسابقات قرآنية يتم التركيز فيها على البحوث والمقالات والمناهج التعليمية للقرآن، وأرى أن المناسب هو تنويع لغة المسابقات.

5- الاهتمام بترجمة المعارف والبحوث القرآنية بلغات حية.

6- عقد دورات تعليمية للرسم القرآني والفنون الإسلامية.

7- إقامة معارض للمخطوطات القرآنية النفيسة والخط والرسم القرآني والفنون التشكيلية الإسلامية.

8- العمل على إنشاء مكتبة قرآنية عامة واسعة جداً يتم فيها اقتناء كل ما يتصل بالقرآن من إصدارات وبحوث قديمة وحديثة وبمختلف اللغات.

س4: هل تعتقدون أن حوزاتنا في البحرين نشطت بما فيه الكفاية قرآنياً؟ 

ج4: ليس ثمّة مؤسسة دينية أو ثقافيّة في البحرين أو خارجه بذلت من الوسع ما فيه الكفايّة، إذ أن القرآن وإن تظافرت الجهود مجتمعة لغرض استيعاب آفاق عطائه فإنَّها ستظل بحاجة دائمة إلى تجدد جهودها ومضاعفة مساعيها فإنَّ القرآن كما أفاد أهل البيت (ع) " يجري مجرى الشمس والقمر " وهو كما أفاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع). " بحر لا ينزفه المنتزفون، وعيون لا ينضبها الماتحون، ومناهل لا يغيضها الواردون، ومنازل لا يضل نهجها المسافرون، وأعلامٌ لا يعمى عنها السائرون وآكام لا يجوز عنها القاصرون، جعله الله رَّياً لعطش العلماء وربيعاً لقلوب الفقهاء، ومحاجَّ لطرق الصلحاء، ودواءً ليس بعده داء ونوراً ليس معه ظلمة وحبلاً وثيقاً عروته ومعقلاً منيعاً ذروته وعزاً لمن تولاّه وسلماً لمن دخله وهدى لمن إئتم به .." نهج البلاغة الخطبة 198.

س5: ما هو سبب ندرة المهتمين بالشأن القرآني رغم أنه كتاب الله المنزل؟

ج5: السبب بنحو الإيجاز هو التراجع الخطير في مستوى الهم الديني نتيجة الإحباط وعوامل أخرى، وهذا الداء لم تبتلِ به الشرائح العامة للأمّة وحسب بل أصاب الكثير من دعاتها أيضاً، والكثير من الدعاة ممن لم يبتلِ بهذا الداء أخطئوا الطريق حينما صرفوا اهتماماتهم وجهودهم فيما هو دون هذا الشأن أهميّة.

س6: نلاحظ أن السياسة وبعض وسائط المعرفة والاتصال تستهوي الشباب أكثر .. كيف لنا أن نجعل القرآن محط اهتمام الشباب والفتيات؟

ج6: اعتماد وسائل التبليغ والتعليم المتجددة هي بنظري من أنجع السبل التي يمكن أن تُساهم في خلق الاهتمام بالقرآن، هذا بالإضافة إلى لزوم تهيئة الأجواء المناسبة لاحتضان هذا السعي، وليكن الدخول بالمشروع القرآني من حيث يهتم الشباب والفتيات هو أحد مصاديق ما ينبغي خلقه من أجواء.

فحينما يجد الشباب والفتيان أن القرآن يعالج قضاياهم السياسية والنفسية فإن ذلك سوف يسترعي اهتمامهم فيكون ذلك واحداً من وسائل الارتباط بالقرآن الكريم.

7- كلمة أخيرة:

ما أريد قوله أن الأمّة إذا ما أرادت أن تستعيد ريادتها وتحتفظ بصدارة موقعها بين الأمم فعليها التمسك بالقرآن فهو سرّ وجودها وقيمومتها. ولا ينبغي أن يكون مستوى التمسك سطحيّاً فإنَّ ذلك رغم أهميته إلا أنه لا يرقى لمستوى الغرض الإلهي والذي أراد للقرآن أن يكون إماما للبشرية ومسلكاً لا يُخشى معه الضلال ومرجعاً تئوب إليه العقول والقلوب لتتحرر مما علق بها من أدرانٍ تنفستها الشياطين فلوثت ما كان ناصعاً بالفطرة التي فُطر الناس عليها.