حكم من تزوَّج بكتابيَّة على مسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل يجوز للرجل أنْ يتزوَّج بامرأةٍ مسيحيَّة على زوجته المسلمة؟ وإذا لم يكن جائزًا فما حكم مَن فعل ذلك؟

الجواب:

لا يجوز للرجل أنْ يتزوَّج على زوجته المسلمة بامرأةٍ من أهل الكتاب إلا أنْ تأذنَ له زوجتُه، فإنْ تزوَّج دون إذن زوجته المسلمة لزِمه تحصيل الإذن منها، فإنْ أذِنَت وإلا فُرِّق بينهما، هذا كلُّه بناءً على جواز الزواج من الكتابيَّة أساساً، فإنَّه بناءً عليه يجوز للمسلم التزوُّج من الكتابيَّة إذا لم تكن في عهدته زوجةٌ مسلمة وإلا لم يجز له التزوُّج من كتابيَّة إلا بعد أنْ يستأذن زوجته المسلمة فتأذن له، فإنْ تزوَّج دون استئذانها عصياناً لزمه الاِستئذان بعد ذلك فإنْ أذِنتْ والا فُرِّق بينه وبين زوجته الكتابية.

ويدلُّ على حرمة الزواج من الكتابيَّة على الزوجة المسلمة رواياتٌ عديدة:

منها: معتبرة عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (ع) قال: "لا تتزوَّج اليهوديَّة والنصرانيَّة على المسلمة"(1).

ومنها: معتبرة سماعة بن مهران قال: سألتُه عن اليهوديَّة والنصرانيَّة أيتزوَّجها الرجل على المسلمة؟ قال: لا، ويتزوَّج المسلمة على اليهوديَّة والنصرانيَّة"(2).

ثم إنَّ الرجل لو تزوَّج على زوجته المسلمة بامرأةٍ كتابيَّة دون إذن المسلمة فجامعها قبل الاستجازة رغم علمه بالتحريم فإنَّ حكمه أنْ يُجلد ثُمن الحدِّ الذي على الزاني كما دلَّ على ذلك ما ورد في معتبرة هشام بن سالم عن أبي عبدالله (ع): في رجلٍ تزوَّج ذميَّةً على مسلمة قال (ع): "يُفرَّق بينهما ويُضرب ثُمْن حدِّ الزاني اثنا عشر سوطًا ونصفًا، فإنْ رضيتْ المسلمة ضُرب ثُمن الحدِّ ولم يُفرَّق بينهما "قلتُ: كيف يُضرب النصف؟ قال (ع): "يُؤخذ السوط بالنصف فيُضرب به"(3).

ويؤكِّده رواية منصور بن حازم، عن أبي عبدا لله (ع) قال: سألتُه عن رجلٍ تزوج ذميَّةً على مسلمة ولم يستأمرها؟، قال: يُفرَّقُ بينهما، قال: قلتُ: فعليه أدب؟ قال: نعم إثنا عشر سوطاً ونصف، ثُمنُ حدِّ الزاني وهو صاغر. قلتُ: إنْ رضيتْ المرأة الحرَّة المسلمة بفعله بعد ما كان فعل؟ قال: لا يُضرب ولا يفرَّق بينهما، يبقيان على النكاح الاول(4).

والروايتان وإنْ لم يُصرَّح فيهما بتحقَّق الجماع منه إلا أنَّ صاحب الجواهر (رحمه الله) أفاد بأنَّه لم يجد خلافًا في أنَّ استحقاق ثمن الحد منوطٌ بالوطئ، وأفاد أنَّ البعض ادَّعى الإجماع على ذلك، على أنَّ المنساق والمُنصرَف من الرواية أنَّ مفروضها هو تحقُّق الجماع، وذلك فإنَّ التعبير بثمن حدِّ الزاني ظاهر في أنَّ الرجل قد وقع منه وطئٌ للكتابية بعد نكاحها، ولعلَّ ذلك هو مراد السيد الخوئي ممَّا أفاده من أنَّ مناسبات الحكم والموضوع مقتضية لاستظهار اعتبار تحقُّق الوطئ، فإنَّ المناسب للحكم باستحقاق ثمن حدِّ الزاني هو الوطئ.

وهل يسقط عنه التعزير لو رضيت زوجتُه المسلمة بعد علمها؟

المستظهَر من معتبرة هشام هو عدم سقوط التعزير برضى الزوجة المسلمة وإذنها وأنَّ ما يترتَّب على رضاها يتمحَّض في إقراره على زواجه من الكتابيَّة، نعم سقوط التعزير هو مفاد رواية منصور بن حازم حيث ورد فيها أنَّه: "لا يُضرب ولا يفرَّق بينهما" إلا أنَّه ونظراً لضعف سندها يكون المتعيَّن هو ما ما يقتضيه ظاهرُ معتبرة هشام من عدم سقوط التعزير وإنْ رضيت زوجته المسلمة بعد علمها بنكاحه من الكتابيَّة.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- وسائل الشيعة (الإسلامية) -الحر العاملي- ج14 / ص419.

2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج20 / ص544.

3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج20 / ص544.

4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي - ج28 / ص151.