فقرة: (وعرجتَ بروحه) مغلوطة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ورد في دعاء الندبة جملة (وَعَرَجْتَ بِرُوْحِهِ إلى سَمائِكَ)، وحسب ما أعلم أنَّ الشيعة الإمامية تُؤمن بأنَّ النبيَّ (ص) عُرِجَ به إلى السماء بروحه وبدنه. أليس في هذا تناقض؟

 

الجواب:

نعم لا ريب أنَّ عروج النبيِّ (ص) إلى السماء كان بروحه وبدنه، وقد قام على ذلك إجماع الاماميَّة (رضوان الله تعالى عليهم) ودلَّت عليه النصوص القطعيَّة الواردة عن المعصومين (ع).

 

وأمَّا الفقرة المذكورة فهي ليست موجودة في دعاء الندبة الذي أورده الشيخ محمد بن المشهدي في كتابه المزار الكبير، والمذكورُ فيه إنَّما هو هذه الفقرة: (وعرجتَ به إلى سمائك)(1).

 

والشيخ محمد بن المشهدي من أعلام الطائفة وهو ممَّن تُوفي في سنة 610 هـ، وقد ذكر أنَّه أخذ الدعاء من كتاب محمد بن أبي قرة والذي هو من الثقاة ومن مشايخ النجاشي، وكان عصره قريبًا مِن عصر الغيبة الصغرى.

 

وذكر محمد بن أبي قرة أنَّه أخذ دعاء النُدبة من كتاب أبي جعفر محمد بن الحسين بن أبي سفيان البزوفري (رضي الله عنه)، وأفاد أنَّ أبا جعفر البزوفري ذكر أنَّ دعاء الندبة لصاحب الزمان (عجَّل الله فرجه الشريف) وأنَّه يُستحب انْ يُدعى به في الأعياد الأربعة ثم ذكر نصَّ الدعاء، وهو غير مشتملٍ على الفقرة المذكورة وإنَّما هو مشتملٌ على هذه الفقرة: (وعرجتَ به إلى سمائك).

 

هذا وقد أفاد الميرزا محمد تقي الأصفهاني في كتابه مكيال المكارم أنَّ فقرة (وعرجتَ به إلى سمائك) هي الموافقة لما ورد في كتاب المزار القديم للشيخ المفيد (رحمه الله) والموافقة أيضًا لما ورد في كتاب مصباح الزائر للسيِّد ابن طاووس (رحمه الله تعالى) وموافقة لما ورد في كتاب المحدِّث النوري تحية الزائر، وكلُّ هؤلاء أخذوه من كتاب محمد بن أبي قرة (رحمه الله تعالى)(2).

 

نعم وردت هذه الفقرة وهي: (وعرجتَ بروحه)(3) في كتاب زاد المعاد للعلامة المجلسي صاحب البحار رحمه الله تعالى، والظاهر أنَّها وقعت اشتباهً من النُساخ أو من سهو قلم المجلسي أو لأنَّ بعض نُسخ المصباح لابن طاووس وقع فيه هذا التصحيف، وكان قد اعتمده صاحب البحار، لانَّه نقل الدعاء عن المصباح، وكذلك نقله في البحار عن المصباح كما هو ظاهر.

 

فمنشأ اشتهار الفقرة المذكورة في الكتب المتداولة فعلاً هو إمَّا الاِعتماد على كتاب زاد المعاد والذي كان رائجًا بين عوام الناس أو كان منشأه التصحيف الذي وقع في بعض نُسخ مصباح الزائر، وأمَّا الشيخ عباس القمِّي فقد أورد الفقرتين في كتابه مفاتيح الجنان ولم يكن في مقام التحقيق لما هو الأصح منهما.

 

والمتحصَّل ممَّا ذكرناه أنَّ فقرة (وعرجتَ بروحه) مغلوطة، وليست هي الواردة في متن هذا الدعاء المأثور كما يشهد لذلك المصدر الأم الذي أُخذ منه الدعاء، وهو كتاب محمد بن أبي قرَّة (رحمه الله تعالى).

 

ثم إنَّ هنا قرينةً مؤيدة لتعيُّن ما ذكرناه مِن أنَّ الوارد هو قوله: (وعرجتَ به إلى سمائك) وهذه القرينة هي ما سبق هذه الفقرة وهي وقوله (وسخَّرت له البُراق) إذ أنَّ من الواضح كما هو مقتضى الروايات أنَّ البُراق كان هو وسيلة مادية حُمل عليها النبيُّ الكريم (ص) وعُرج به عليها إلى السماء، فالمناسب لماديَّة الوسيلة هو أنَّ المحمول عليها كان هو بدن النبيِّ الكريم (ص) وإلا لو كان عروجه روحانيًا فحسب لما كان للتنصيص على تسخير البُراق من مبرِّرٍ ظاهر.

 

فالتنصيص على تسخير البُراق له (ص) قبل قوله: (وعرجتَ..) مؤيدٌ لتعيُّن أنَّ الوارد هو هذه الفقرة: (وعرجتَ به إلى سمائك).

 

ثم إنَّ هنا مؤيدًا آخر وهو أنَّه ورد في بعض الأدعية المأثورة عن أهل البيت (ع) ما يطابق هذه الفقرة فقد روى الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد في كيفية صلاة الحاجة عن عاصم بن حميد عن الإمام الصادق (ع) أنْ تدعو بعد صلاة ركعتين وأنت باسطٌ خدَّك الأيمن على الأرض فتقول: (.. اللهم إني أتقرب إليك بنبيِّك وصفيِّك...والزمته حقَّ معرفتك وعرجتَ به إلى سماواتك ..)(4).

 

هذا مضافًا إلى أنَّ فقرة (وعرجتَ به إلى سمائك) هي المتناسبة مع ما هو مقتضى الأدلة القطعية المثبتة لكون العروج إلى السماء كان بروح النبيِّ (ص) وجسده فليكن ذلك مؤيدًا آخر على أنَّ الوارد هو فقرة: (وعرجتَ به إلى سمائك).

 

ثم إنَّه لو تنزَّلنا فلم نبني على تعيُّن أنَّ الوارد هو فقرة: (وعرجتَ به إلى سمائك) فإنَّ ما يترتَّب على ذلك هو التردُّد فيما هو الوارد عن المعصوم (ع) وحينئذٍ لا يكون لفقرة: (وعرجتَ بروحه إلى سمائك) ما يُصحِّح الاحتجاج بها على أنَّ العروج كان روحانيًا فحسب، وذلك لانَّه بعد اختلاف النسخ يكون كلٌّ من الفقرتين ساقطاً على الاعتبار لعدم إحراز الصادر منهما عن المعصوم (ع).

 

على أنَّه لو قبلنا جدلاً بأنَّ الوارد هو فقرة: (وعرجتَ بروحه إلى سمائك) فإنَّ ذلك لا ينفي أنَّ العروج كان بالروح والجسد، لانَّ هذه الفقرة لا تنفي العروج بالجسد وانَّما تُثبت العروج الروحي، وهي ساكتة عن العروج الجسدي، فلا يكون ورود هذه الفقرة في دعاء الندبة مناقضًا لما عليه مذهب الإمامية من أنَّ العروج كان بالروح والجسد.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- المزار -محمد بن المشهدي- ص575.

2- مكيال المكارم -ميرزا محمد تقي الأصفهاني- ج2 / ص86.

3- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج99 / ص105.

4- مصباح المتهجد -الشيخ الطوسي- ص326.