حديث حول آية المودة

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ والنَّهَارَ بِقُوَّتِه، ومَيَّزَ بَيْنَهُمَا بِقُدْرَتِه، وجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدّاً مَحْدُوداً، وأَمَداً مَمْدُوداً، يُولِجُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صَاحِبِه، ويُولِجُ صَاحِبَه فِيه بِتَقْدِيرٍ مِنْه لِلْعِبَادِ فِيمَا يَغْذُوهُمْ بِه، ويُنْشِئُهُمْ عَلَيْه، فَخَلَقَ لَهُمُ ﴿اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيه﴾(1) مِنْ حَرَكَاتِ التَّعَبِ ونَهَضَاتِ النَّصَبِ، وخَلَقَ لَهُمُ ﴿النَّهارَ مُبْصِراً﴾(2) لِيَبْتَغُوا فِيه مِنْ فَضْلِه، ولِيَتَسَبَّبُوا إلى رِزْقِه، ويَسْرَحُوا فِي أَرْضِه، طَلَباً لِمَا فِيه نَيْلُ الْعَاجِلِ مِنْ دُنْيَاهُمْ، ودَرَكُ الآجِلِ فِي أُخْرَاهُمْ، بِكُلِّ ذَلِكَ يُصْلِحُ شَأْنَهُمْ، ويَبْلُو أَخْبَارَهُمْ، ويَنْظُرُ كَيْفَ هُمْ فِي أَوْقَاتِ طَاعَتِه، ومَنَازِلِ فُرُوضِه، ومَوَاقِعِ أَحْكَامِه ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾(3) وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ (ص).

عبادَ اللهِ اتقوا اللهَ واستعينوا على ما أنتم عليه بالورعِ والاجتهادِ في طاعةِ اللهِ، فإنَّ أشدَّ ما يَكونُ أحدُكم اغتِبَاطاً بما هو عَليْهِ لو قد صارَ في حدِّ الآخرةِ، وانقطَعتِ الدنيا عنْهُ، فإذا كانَ في ذلكَ الحَدِّ عَرِفَ أنَّه قد استقبَلَ النَعيمَ والكرامةَ من اللهِ، والبُشرى بالجَنَّةِ، وأَمِنَ ممَّا كان يَخافُ، وأيقنَ أنَّ الذي كان عليْهِ هو الحقُّ، وأنَّ مَن خالفَ دينَهُ على باطلٍ هالكٍ.

قال اللهُ تعالى في محكمِ كتابِه المجيدِ: ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾(4).

نظراً لقربِ ذكرى استشهادِ السيدةِ فاطمةَ (ع) بنتِ رسولِ الله (ص) نتيمَّنُ بالحديثِ حولَ آيةِ المودَّة، وسوف يكونُ الحديثُ في ذلك شديدَ الايجازِ رعايةً للوقتِ. فالبيانُ لمفاد الآية المباركة يقتضي الوقوفَ أولاً على أربعِ مفرداتٍ منها:

الأولى: السؤال.

الثانية: الأجر.

الثالثة: المودة.

الرابعة: القربى.

أما ما هو المرادُ من السؤالِ في الآيةِ المباركةِ فهو الطلبُ، والمرادُ من الأجرِ هو الجَزاءُ والعِوضُ، فالنبيُّ الكريمُ (ص) في هذه الآيةِ ينفي أنْ يكون طالبًا للعِوضِ والجزاءِ مقابلَ ما بذلَه من جُهدٍ في سبيلِ هدايةِ هذه الأمةِ ثم يستدركُ على هذا النفيِ فيقولُ: ﴿إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾. ومعنى ذلك أنَّه يسألُهم ويُطالبُهم بالمودَّةِ في القربى لأنَّ الاستدراكَ بعد النفي يقتضي الإثباتَ سواءً كان الاستثناءُ متَّصلاً أو منقطعاً.

فحيثُ كان السؤالُ بمعنى الطلبِ والمسألةِ كان معنى هذه الفقرةِ منَ الآيةِ المباركةِ بناءً على كونِ الاستثناِء متَّصلاً هو أنَّ النبيَّ (ص) يطلبُ أجرًا عِوضَ هدايتِه لهم، هذا الأجرُ هو المودَّةُ في القربى.

وحيثُ إنَّ الأُجرةَ والعِوضَ المستحقَينِ لا يصحُّ التفريطُ في أدائِهما والوفاءِ بهما إلا أن تكونَ رخصةٌ من ذي الحقِّ لذلك كان الوفاءُ بالعِوضِ لازمًا على هذه الأمةِ نظرًا لعدمِ ترخيصِ الرسولِ (ص) في إغفالِه والتفريطِ في أدائه.

إذن فطلبُ الأجرِ والعوضِ وهو المودةُ في القربى أمرٌ لازمٌ في عُهدةِ هذه الأمَّةِ. وأما بناءً على كونِ الاستثناءِ منقطعاً فهو طلبٌ ابتدائيٌّ من ذي الأمرِ بلزومِ المودَّةِ في القربى، فهو أمرٌ بالأمرِ أي أنَّه أمرٌ من اللهِ تعالى للرسولِ (ص) بأنْ يأمرَ الناسَ بالمودَّةِ في القربى، فالآيةُ دالةٌ على لزومِ المودَّةِ في القربى على كلا الاحتمالينِ. والوجوب للمودَّة هو ما فهمَه الصحابةُ من الآيةِ المباركةِ كما يظهرُ ذلك من سؤالِهم للنبيِّ (ص) قالوا: يا رسولَ اللهِ مَن قرابتُك هؤلاءِ الذين وجبتْ علينا مودَّتُهم؟

وأما المرادُ من المودَّةِ فهو المرتبةُ الشديدةُ من الحبِّ، فالحبُّ له مراتبُ تَشتدُّ وتضعُفُ، والمطلوبُ ليس هو الحبَّ ولو كان في أضعفِ مراتبِه وإنَّما هو الحبُّ البالغُ من الوَثاقةِ والاشتدادِ حدَّ المودَّةِ المقتضيةِ للانجذابِ القلبيِّ نحو المحبوبِ، والمقتضيةِ أيضًا للحرصِ على الإرضاءِ والتودُّدِ في مقامِ العملِ والسلوكِ.

معنى القربى في الآية

وأما ما هو المرادُ من القربى فهو يحتمِلُ معنيَينِ:

الاحتمال الأول: هو أنْ يكونَ المرادُ من القُربى هم كلَّ قرابةِ الرسول (ص) ومَن يتَّصلُ بهم نسبًا من جهةِ الأبِ والأمِّ.

وهذا الاحتمالٌ ساقطٌ قطعًا، فثمة أقرباءُ للرسولِ (ص) كانوا من أشدِّ الناسِ كفرًا كأبي لهبٍ الذي كان من أقربِ النَّاسِ نسبًا للرسولِ (ص) أيصحُّ أنْ نتعقلَ اعتبار مودَّتِه أجرًا للرسالة؟! وقد قالَ اللهُ تعالى: ﴿لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾(5).

وفي أقرباءِ الرسولِ (ص) المتخاذلُ الذي لم يكنْ قد هاجرَ مع رسولِ اللهِ (ص) أو انتصرَ له، وفيهمُ الفاسقُ شديدُ الفِسقِ، وفيهم المنافقُ بل فيهم من مردَ على النفاقِ، وفيهم مَن لا تميُّزَ له عن سائرِ الناسِ في دينِه وجهادِه وهدْيه وخُلُقِه.

وحينئذٍ كيف يصحُّ القبولُ بفرضِ مودَّةِ مثلِ هؤلاء لمجرَّد انتسابِهم للرسولِ (ص) وكيف يصحُّ أنْ نقبلَ على رسولِ اللهِ (ص) أنْ يفرُضَ بأمرِ اللهِ تعالى مودَّةَ أحدٍ محاباةً ولمجرَّدِ القرابةِ النسبيَّةِ، إنَّ الإسلامَ ورسولَ الإسلام أعلى شأناً من أنْ يَفرُضَ على الأمةِ أمرًا منشأُه المحاباةُ والنزعةُ النسبيَّةُ، إذن فهذا الاحتمالُ غيرُ واردٍ أصلاً.

الاحتمال الثاني: هو أنْ يكونَ المرادُ منَ القُربى أفرادًا مخصوصينَ من قرابةِ الرسولِ (ص) وهذا الاحتمالُ هو المتعيِّنُ، إذ أنَّه بعد القطعِ بعدمِ نشوءِ فرضِ المودَّةِ عن المحاباةِ والنزعةِ النسبيَّةِ يتعينُ أنْ يكونَ لهؤلاءِ الأفرادِ تميُّزٌ على سائرِ المسلمينَ في هديِهم ووعيِهم لمعارفِ الدينِ والتزامِهم به، فذلك هو ما نَشأَ عنه فرضُ مودَّتِهم ليكونوا بذلك امتدادًا لخطِّ الرسالةِ التي صدعَ بها الرسولُ الكريمُ (ص). فليس وراءَ هذه الفريضةِ بحثٌ عن الجاهِ والحياطةِ للعائلةِ كما هو شأنُ الملوكِ والأُمراءِ وإنَّما هو الحياطةُ للدينِ وخطِّ الرسالةِ.

هذا وقد نصَّتِ الرُواياتُ المتواترةُ الواردةُ عن الرسول (ص) من طُرقِنا وطُرقِ العامَّةِ على أنَّ المرادَ من القربى في الآيةِ المباركةِ هم عليٌّ وفاطمةُ والحسنُ والحسينُ (ع) وهم أهلُ البيت في لسانٍ آخر من الرُوايات، وهم آلُ محمد (ص) في لسانٍ ثالثٍ، وأكَّدت الرُواياتُ الواردةُ من طرقِنا أنَ الأئمةَ المعصومينَ من ذريَّةِ الحسينِ (ع) مشمولونَ لآيةِ المودَّةِ.

فمِمَّا وردَ من طرقِ العامَّةِ ما رواه في ذخائرِ العقبى بسندٍ معتبر عن ابنِ عباس قال: لما نزلتْ ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ قالوا: يا رسولَ اللهِ من قرابتُك هؤلاءِ الذي وجبتْ علينا مودَّتُهم قال (ص): "عليٌّ وفاطمةُ وابناهما". قال: أخرجه أحمد في المناقب(6). ورواه كذلك الهيثمي في مجمع الزوائد(7) وابنُ حجر في الصواعق وقال: أخرجه أحمدُ والطبراني وابنُ أبي حاتم والحاكمُ عن ابنِ عباس(8).

وذكر السيوطي في الدرِّ المنثور قال: أخرجَ ابنُ المنذر وابنُ أبي حاتِمٍ والطبراني وابن مردويه من طريقِ سعيدِ بن جبيرٍ عن ابنِ عباس قال: لمَّا نزلت ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ قالوا: يا رسولَ اللهِ مَن قرابتُك هؤلاءِ الذين وجبتْ علينا مودَّتُهم، قال (ص): "عليٌّ وفاطمةُ وولداهما"(9).

آية المودَّة ومرجعيَّة أهل البيت (ع)

هذا أولاً وثانياً:

إنَّ المُلفتَ للنظرِ والذي يدعو للوقوفِ والتأمُّلِ هو أنَّ القرآنَ الكريمَ حكى عن عددٍ من الأنبياءِ أنَّهم كانوا يؤكِّدونَ لأقوامِهم أنَّهم لا يبتغونَ من تبليغِهم ودعوتِهم للدينِ والتوحيدِ أجراً وجزاءً وأنَّهم يبتغونَ الأجرَ والثوابَ من اللهِ تعالى وحدَه.

قال تعالى على لسانِ نوحٍ (ع): ﴿وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ﴾(10).

وقال تعالى على لسانِ هودٍ (ع): ﴿لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾(11).

وقال تعالى على لسانِ شعيبٍ (ع): ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾(12).

هذه الآياتُ وغيرُها تحكي عن الأنبياءِ أنَّهم كانوا يؤكِّدون لأقوامِهم أنَّهم لا يأملونَ ولا يبتغونَ أجراً مقابلَ ما يبذلونَه من جُهدٍ في سبيلِ هدايتِهم وأنَّهم يحتسبونَ عناءَهم عندَ اللهِ تعالى، وأنَّ عملَهم متحِّمضٌ وخالصٌ للهِ تعالى وحدَه، فهم لا يرجونَ من أقوامِهم مالاً ولا جاهاً ولا محاباةً لهم ولعوائلِهم وأقربائِهم، فكيف كان ذلك مِن نبيِّنِا الكريمِ (ص) وهو أفضلُهم على الإطلاقِ؟ ألا يدعو ذلك للتأمُّلِ؟ ثمّ ألا ينتهي التأمُّلُ بعدَ الفراغِ عن عصمتِه وكمالِ خلوصِ نيتِه لله تعالى إلى الإذعانِ بأنَّ فرْضَ مودَّةِ القربى لم يكنْ إلا لوقوعِه في سياقِ خطِّ الرسالةِ التي أرادَ لها اللهُ تعالى الخلودَ نظراً لكونِها الرسالةَ الخاتمةَ.

ومِن هنا نفهمُ معنى قولِه تعالى على لسانِ الرسولِ (ص) في آيةٍ أخرى: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ﴾(13).

فالنفعُ المنتظَرُ من مودَّةِ القربى إنَّما يعودُ للأمِّةِ كما هو مفادُ هذه الآية المباركة، ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ﴾ وحينئذٍ نقولُ كيف يُمكنُ تصوُّرُ عودِ النفعِ للأمَّةِ من مودَّةِ القربى لولا أنَّ مودَّتَهم تعني الارتباطَ بهم والأخذَ عنهم والرجوعَ إليهم المقتضي كلُّ ذلك لضمانِ استقامتِهم على خطِّ الرسالةِ.

وبذلك يتَّضحُ أنَّ مساقَ آيةِ المودَّةِ هو مساقُ حديثِ الثقلينِ المتواتر، والذي ورد فيه: "إنِّي مخلِّف فيكم الثقلينَ كتابَ اللهِ وعترتي أهلَ بيتي .. ما إنْ تمسكتم بهما لن تضِلُّوا بعدي أبداً"(14).

وهي كذلك تُساوقُ معنى حديثِ السفينةِ الصحيحِ والمستفيضِ حيثُ قالَ الرسول (ص): "أهلُ بيتي فيكم كسفينةِ نوحٍ من ركبَها نجى ومن تخلَّفَ عنها هوى وغرِق"(15).

فهذا هو معنى عودُ النفعِ للأمةِ من مودَّة أهلِ البيتِ (ع).

ويمكنُ تأكيدُ ذلك من آيةٍ أخرى وهي قولُه تعالى: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾(16). فحينما نجمعُ بين هذه الآيةِ المباركةِ والآيةِ السابقةِ وآيةِ المودَّةِ يتبينُ أنَّ الآياتِ الثلاثِ تُعطي معنىً واحداً هو أنَّ مودَّةَ القربى وسبيلُ اللهِ تعالى الذي من أرادَ الهدايةَ والاستقامةَ سلَكَه هما شيءٌ واحدٌ وأنَّ سلوكَه يعودُ بالنفعِ للأمَّةِ وليس للرسولِ (ص) ولا لقرابتِه (ع).

وقبل أنْ نختمَ الحديثَ حولَ آية المودَّة أرى من المناسبِ أنْ نتيمَّنُ بنقلِ روايَتَين عن الرَّسولِ (ص) وردتْ من طُرقِ العامَّة وورد ما هو قريبٌ منهما مستفيضاً من طرقنا:

1- أورد ابنُ عساكر في تاريخِ دمشقَ والحاكمُ الحسكاني في شواهدِ التنزيلِ وغيرُهما -واللفظ للأول- بأكثر من طريق عن أبي أمامة الباهلي أنَّ رسولَ الله (ص) قال: "إنَّ اللهَ خلقَ الأنبياءَ من أشجارٍ شتَّى وخلقني وعليَّاً من شجرةٍ واحدةٍ، فأنا أصلُها وعليٌّ فرعُها وفاطمةُ لِقاحُها والحسنُ والحسينُ ثمارُها .. فمَن تعلَّق بغُصنٍ من أغصانِها نجا، ومَن زاغَ هوى .. ثُمّ تلا: ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾"(17).

2- أورد الزّمخشري في الكشّاف والثعلبي في تفسيره(18)، ونقلها الفخر الرّازي(19) والقرطبي(20) وغيرهم واللفظ للزمخشري: أن الأنصارَ قالوا: فعلنا وفعلنا كأنَّهم افتخروا، فبلغَ ذلك رسولَ اللهِ (ص) فأتاهم في مجالسِهم فقال: يا معشرَ الأنصارِ ألم تكونوا أذلَّةً فأعزَّكمُ الله بي؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ، قال: ألم تكونوا ضُلَّالاً فهداكم اللهُ بي؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ، قال (ص): أفلا تُجيبونني؟ قالوا: ما نقولُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: ألا تقولونَ ألم يُخرجْك قومُك فآويناك؟ أولم يُكذِّبوكَ فصدَّقناك؟ أولم يَخذلوكَ فنصرناك؟ قال: فما زالَ يقولُ حتى جثوا على الرُكَبِ وقالوا: أموالُنا وما في أيدِينا للهِ ولرسولِه، فنزلت الآية: ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ (ص): "من مات على حبِّ آلِ محمّدٍ ماتَ شهيدًا، ألا ومَن ماتَ على حبِّ آلِ محمَّدٍ ماتَ مغفورًا له، ألا ومَن ماتَ على حبِّ آلِ محمَّدٍ ماتَ تائبًا، ألا ومَن مات على حبِّ آلِ محمَّدٍ ماتَ مؤمنًا مَستكمِلَ الإيمانِ، ألا ومَن ماتَ على حبِّ آلِ محمَّدٍ بشَّره ملكُ الموتِ بالجنّةِ ثُمّ منكرٌ ونكيرٌ، ألا ومَن ماتَ على حبِّ آلِ محمَّدٍ جعلَ اللهُ قبرَه مزارَ ملائكةِ الرّحمةِ، ألا ومَن ماتَ على حبِّ آلِ محمَّدٍ ماتَ على السُّنّةِ والجماعةِ، ألا ومَنْ ماتَ على بُغضِ آلِ محمَّدٍ جاءَ يومَ القيامةِ مكتوبٌ بين عَيْنيِهِ آيسٌ مَن رحمةِ اللهِ، ألا ومَن ماتَ على بغضِ آلِ محمَّدٍ لم يشمَّ رائحةَ الجنّة"(21).

﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ / إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ / فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ / إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾(22)

خطبة الجمعة - الشيخ محمد صنقور

10 من جمادى الأولى 1437هـ - الموافق 19 فبراير 2016م

جامع الإمام الصّادق (عليه السّلام) - الدّراز


1- سورة النمل / 86.

2- سورة النمل / 86.

3- سورة النجم / 31.

4- سورة الشورى / 23.

5- سورة المجادلة / 22.

6- ذخائر العقبى -أحمد بن عبد الله الطبري- ص25.

7- مجمع الزوائد -الهيثمي- ج7 / ص103.

8- الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة -أحمد بن حجر الهيتمي المكي- ص170.

9- الدر المنثور في التفسير بالمأثور -جلال الدين السيوطي- ج6 / ص7.

10- سورة هود / 29.

11- سورة هود / 51.

12- سورة الشعراء / 109.

13- سورة سبأ / 47.

14- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج2 / ص100.

15- "أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق" وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج27 / ص34.

16- سورة الفرقان / 57.

17- تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج41 / ص335، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل -الحاكم الحسكاني- ج2 / ص203.

18- الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسير الثعلبي) -الثعلبي- ج8 / ص312.

19- تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن أبي حاتم) -ابن أبي حاتم الرازي- ج10 / ص3277.

20- الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) -القرطبي- ج16 / ص24.

21- الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل -الزمخشري- ج3 / ص466.

22- سورة الكوثر.