أخذ الجزية ليس إكراهاً على الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

لقد ورد في القران الكريم ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾، إذن لماذا أخذ الجزية من الذين لم يُسلموا؟

الجواب:

الجزية ضريبة مالية:

الجزية ضريبة مالية فرضها الإسلام على أهل الذمة الذين يكونون ضمن رعايا الدولة الإسلامية، وتتولى الدولة حمايتهم ورعاية مصالحهم، فهم يعيشون ضمن الوطن الإسلامي ويستفيدون من مرافقه العامة التي تقوم الدولة على تشييدها وصيانتها كالشوارع والقناطر -الجسور- وشق الأنهار وحفر الآبار وغيرها، كما أنَّ الدولة تتولى حماية رعاياها من كل خطرٍ قد يداهمها، لذلك فهي تفرض على كلِّ رعاياها ضرائب مالية لغرض صرفها على موظفي الدولة وجيشها ومطلق المصالح العامة.

غايته أنَّ الضرائب المفروضة على أهل الذمَّة تُسمَّى جزية، والضرائبُ المفروضة على المسلمين تُسمَّى زكاة ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾(1).

ويقول تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾(2).

النبي (ص) لم يقسر أحداً على الإسلام:

فالنبيُّ (ص) لم يفرض على أحدٍ الدخول في الإسلام كما يشهد لذلك التاريخ، وإنَّما فرض على مَن كان ضمن الرقعة التي بسط الإسلامُ عليها يده دفع الجزية للغرض المذكور، وألزم المسلمين احترام أتباع الديانات الأخرى وعدم مضايقتهم في طقوسهم ومعايشهم، فلم يأمر بهدم كنائسهم ودِيَرهم بل نهى عن التعرُّض لها بسوء مادام أهلُ الذمَّة ملتزمين بشروط الذمَّة.

فالمراد من أنَّهم أهل الذمَّة هو أنَّهم في عهدة وليِّ أمر المسلمين وذمَّته، فهو المسئول عن حماية مصالحهم.

ولتوثيق ما ذكرناه نذكر بعض النصوص الواردة عن الرسول (ص) وأهل بيته (ﻉ):

النص الأول: ما رُوي عن النبيِّ (ص) أنَّه كتب إلى أهل اليمن: "من كره الاسلام من يهوديٍّ أو نصراني فإنَّه لا يُحوَّل عن دينه، وعليه الجزية .."(3).

النص الثاني: ما رُوي عن الرسول (ص): "من يكن على يهوديَّته أو على نصرانيَّته فلا يُفتتن عنها، وعليه الجزية"(4).

قوله (ص): "فلا يُفتتن عنها" يعني أنَّه لا يُقهر على ترك يهوديَّته أو نصرانيَّته، ولا يسوغ للمسلمين إيذاؤه فيضطر إلى ترك دينه. 

النص الثالث: ما روي عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: "مَنْ أَقَرَّ بِالْجِزْيَةِ لَمْ يُتَعَدَّ عَلَيْه ولَمْ تُخْفَرْ ذِمَّتُه، وكُلِّفَ دُونَ طَاقَتِه"(5).

قوله (ع): "ولَمْ تُخْفَرْ ذِمَّتُه، وكُلِّفَ دُونَ طَاقَتِه" معناه ولم يُنقض عهده بل يتعيَّن الوفاء بعهد الذمة التي بينه وبين المسلمين، ولا يكلَّف من الجزية إلا بما هو دون طاقته فلا يؤخذ منه ما يُرهقه ويوجب الاجحاف بحاله.

النص الرابع: ما روي عن النبيِّ (ص): "من ظلم معاهداً أو كلَّفه فوق طاقته أو انتقصه أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفسِه فأنا حجيجُه يوم القيامة"(6).

النص الخامس: ما رُوي عن الامام عليٍّ (ع): "انَّما بذلوا الجزية لتكون أموالُهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا"(7).

النص السادس: ما روي عن الامام عليٍّ (ع): "الجزية على أحرار أهل الذمَّة الرجال البالغين، وليس على العبيد منهم، ولا على الاطفال، ولا على النساء جزية"(8).

النص السابع: ما روي عن الامام الصادق (ع): "جرت السنَّةُ أنْ لا تُؤخذ الجزية من المعتوه، ولا مِن المغلوب عقله"(9).

النص الثامن: ما ورد في كتاب النبيِّ (ص) الى نصارى نجران: "هذا كتاب محمَّدٍ النبيِّ (ص) لنجران وحاشيتها .. ولنجران وحاشيتها ذمَّةُ الله، وذمةُ رسولِه على دمائهم وأموالهم وملَّتهم وبِيعَهم ورهبانيهم وأساقفتهم وشاهدهم وغائبهم، وكلُّ ما تحتَ ايديهم من قليلٍ أو كثير .."(10).

والحمد لله رب العالمين

 

من كتاب: شؤون قرآنية

الشيخ محمد صنقور


1- سورة التوبة / 103.

2- سورة النور / 56.

3- المحلى -ابن حزم- ج7 / ص348، السيرة النبوية -ابن هشام الحميري- ج4 / ص1010.

4- السنن الكبرى -البيهقي- ج1 / ص195، تاريخ الطبري -الطبري- ج2 / ص381.

5- الكافي -الشيخ الكليني- ج5 / ص3، وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج15 / ص12 / باب 1 من كتاب الجهاد / ح8.

6- سنن أبي داود -ابن الأشعث السجستاني- ج2 / ص45، معرفة السنن والآثار -البيهقي- ج7 / ص130.

7- شرح نهج البلاغة -خطب الإمام علي (ع)- لابن ابي الحديد ج17 / ص148، تذكرة الفقهاء (ط.ج) -العلامة الحلي- ج9 / ص268.

8- دعائم الإسلام -القاضي النعمان المغربي- ج1 / ص280، مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج11 / ص121 / باب 56 من أبواب جهاد العدو / ح1.

9- الكافي -الشيخ الكليني- ج3 / ص567، وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج15 / ص65 / باب 18 من أبواب جهاد العدو / ح3.

10- فتوح البلدان -البلاذري- ج1 / ص77، تفسير مقاتل بن سليمان -مقاتل بن سليمان- ج1 / ص211، الطبقات الكبرى -محمد بن سعد- ج1 / ص288.