المُشتبه بين المطلق والمضاف أو المباح والمغصوب

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

لماذا لا يسوغُ التيمم إذا اشتُبه بين الماءِ المطلقِ والمضاف؟ بينما يسوغ التيممُ في فرض الاشتباه بين النجسِ والطاهر أو بين المغصوب والمباح؟

الجواب:

أما لماذا لا يسوغ التيممُ لو كان لدى المكلَّف إناءان أحدهما فيه ماء مضافٌ والآخر فيه ماء مطلق، ولا يعلم أيَّهما المطلق، فجوابُه انَّ عدم جواز التيمم في هذا الفرض ناشئ عن أنَّ المكلَّف واجدٌ للماء الذي يسوغ شرعاً رفع الحدث به، غايته أنَّه لا يعلم منطبَقه وهل هو الإناءُ الاول أو الثاني، فلو أنَّه توضأ بكلا المائين فإنَّ الحدث سيرتفعُ بذلك قطعًا، لأنَّه لو كان الإناء الاول هو المشتمل على الماء المطلق فإنَّه قد توضَّأ به بحسب الفرض، ولو كان في الإناء الثاني فهو قد توضَّأ به أيضاً.

فعدمُ انتقالِ وظيفة المكلَّف في هذا الفرض للتيمم نشأ عن أنَّه واجدٌ للماء المطلَق الذي يسوغ التوضُّأ به، وإنَّما وجب عليه الإتيان بوضوءين لأنَّه بذلك يُحرز التوضأ بالماء المطلق، فأحدُ الوضوءين لا بعينه كان مقدمةً علميَّةً لإحراز التوضأ بالماء المطلق.

وأمَّا لماذا يسوغُ التيمم لو كان لدى المكلَّف ماءٌ مشتَبه بين إناءين أحدهما مشتمل على النجس والآخر مشتمل على الطاهر فلورود النصِّ كمعتبرة سماعة قال: سألتُ أبا عبدالله (ع) عن رجلٍ معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيَّهما هو، وليس يقدر على ماءٍ غيره؟ قال: "يُهريقهما جميعاً ويتيمم"(1).

فالرواية صريحة في جواز التيمم في هذا الفرض، ولعلَّ منشأ الأمر بإهراق الماءين هو التثبُّتُ من تحقُّق موضوع التيمم وهو فقدان الماء، لأنَّه مع وجود الماءين يُمكن أنْ لا يصدق الفقدانُ للماء في بعض الصور، وتفصيل ذلك لا يُناسب المقام.

وأما لو كان للمكلَّف إناءان أحدهما مغصوب والآخر مباح، ولا يعلم أيَّهما المباح منهما ففي مثل هذا الفرض يحرم على المكَّلف التوضوء بهما أو بأحدهما، وذلك لأنَّ العلم الإجمالي بغصبيَّة أحدهما يُوجب تنجُّز حرمة التصرُّف فيهما معاً، وحينئذٍ لا يقع الوضوء صحيحاً لأنَّه إذا كان التصرُّف في كلا الإناءين محرَّماً بمقتضى العلم الإجمالي بغصبية أحدهما فذلك يقتضي فساد الوضوء، لأنَّ الوضوء يكون في هذا الفرض مصداقاً للمحرَّم، والمحرم لا يقعُ مصداقاً للمأمور به.

وبتعبيرٍ آخر: الماء المعلوم الغصبيَّة بالعلم التفصيليِّ أو الأجماليِّ يحرم التصرُّف فيه بأيِّ نحوٍ من أنحاء التصرُّفات ومنها التصرُّف الوضوئي، فإذا كان التصرُف الوضوئي وهو غسل الوجه واليدين محرَّماً فمقتضى ذلك أنْ لا يكون مصداقاً للمأمور به، وبهذا يتعيَّن التيممُ في حقِّ من اتَّفق له ذلك لكونه في حكم الفاقد للماء أو لأنَّه بتعبيرٍ آخر عاجزٌ عن استعمال الماء الرافعِ للحدث.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج1 / ص151.