خمسةٌ لا تُصاحبهم (1)

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي شَرَعَ الإِسْلَامَ، فَسَهَّلَ شَرَائِعَه لِمَنْ وَرَدَه، وأَعَزَّ أَرْكَانَه عَلَى مَنْ غَالَبَه، فَجَعَلَه أَمْناً لِمَنْ عَلِقَه، وسِلْماً لِمَنْ دَخَلَه، وبُرْهَاناً لِمَنْ تَكَلَّمَ بِه، وشَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ عَنْه، ونُوراً لِمَنِ اسْتَضَاءَ بِه، وفَهْماً لِمَنْ عَقَلَ، ولُبّاً لِمَنْ تَدَبَّرَ، وآيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ، وتَبْصِرَةً لِمَنْ عَزَمَ، وعِبْرَةً لِمَنِ اتَّعَظَ ونَجَاةً لِمَنْ صَدَّقَ، وثِقَةً لِمَنْ تَوَكَّلَ، ورَاحَةً لِمَنْ فَوَّضَ، وجُنَّةً لِمَنْ صَبَرَ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهً إِلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ (صلَّى الله عليه وآله).

عباد اللهِ اتَّقُوا اللَّهَ تَقِيَّةَ مَنْ سَمِعَ فَخَشَعَ، واقْتَرَفَ فَاعْتَرَفَ، ووَجِلَ فَعَمِلَ وحَاذَرَ فَبَادَرَ، وأَيْقَنَ فَأَحْسَنَ، وعُبِّرَ فَاعْتَبَرَ، وحُذِّرَ فَحَذِرَ، وزُجِرَ فَازْدَجَرَ، وأَجَابَ فَأَنَابَ، ورَاجَعَ فَتَابَ، واقْتَدَى فَاحْتَذَى، وأُرِيَ فَرَأَى، فَأَسْرَعَ طَالِباً، ونَجَا هَارِباً، فَأَفَادَ ذَخِيرَةً وأَطَابَ سَرِيرَةً وعَمَّرَ مَعَاداً.

أما بعد فقد ورد في المأثورِ عن الإمامِ زينِ العابدين (ع) أنَّه (ع) قال لأحدِ أبنائِه مُوصيَّاً له: يا بُني انظرْ خمسةً فلا تُصاحبْهم ولا تُحادثْهم ولا تُرافقْهم في طريق، قال:" إيَّاك ومصاحبةَ الكذَّاب، فإنَّه بمنزلةِ السرابِ يُقرِّب لك البعيد، ويُبعِّد لك القريب، وإيَّاك ومصاحبةَ الفاسقِ فإنَّه بائعُك بأكلةٍ، وأقلَّ من ذلك، وإيَّاك ومصاحبةَ البخيلِ فإنَّه يخذُلك في مالِه أحوجَ ما تكونُ إليه، وإيَّاك ومصاحبةَ الأحمقِ فإنَّه يُريدُ أنْ ينفعَك فيضرُك، وإيَّاك ومصاحبةَ القاطعَ لرحِمه فإنِّي وجدتُه ملعوناً في كتابِ الله .."(1).

أقول: من المواطنِ التي لُعن فيها قاطعُ الرحِم في القرآن ما ورد في في قولِه تعالى من سورة محمَّدٍ (ص): ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾(2). فقاطعُ الرحِمِ ملعونٌ في كتاب الله، مطرودٌ من رحمةِ الله تعالى، فلا يُنتظرُ منه خير، فهو إذا لم يكن فيه خيرٌ مع ذوي رحِمِه فبالأولى أنْ لا يكونَ فيه خيرٌ مع غيرهم، فهو بقطعِه لرحِمه يُعبِّر عن ضيقِ نفسِه وسوءِ سريرته، فلا يُؤمَنُ حيفُه وظُلمُه لأصدقائِه ومَن يُعاشرُهم، ولعلَّه لذلك حذَّر الأمامُ (ع) من معاشرته.

عودة إلى الحديث الشريف:

ونعودُ إلى وصيَّةِ الإمامِ زينِ العابدين (ع) فقد بدأها بقوله: "يا بُني انظرْ خمسةً فلا تصاحبْهم .."(3) وما يُمكن استفادتُه من ذلك هو أنَّ المؤمنَ العاقلَ لا ينبغي له اتَّخاذَ قرارِ الصداقة لأحدٍ قبلَ التمحيصِ والنظرِ في صفاتِ وسجايا من يُريدُ اتَّخاذَه صديقاً له.

فالصداقةُ والصُحبةُ لها آثارٌ وانعكاساتٌ على الشخصيةِ والسلوك، وقد تكونُ هذه الآثارُ سيئةً وعواقبُها وخيمةً لو كان الصديقُ سيءَ الخُلقِ سيءَ الصفات.

فالإمامُ (ع) في مطلعِ وصيته يُنبِّه على خطأٍ يقعُ فيه الكثيرُ من الناسِ وهو أنَّ صداقاتِهم تنشأُ عن غير نظرٍ وتمحيص بل عن أُلفة ينساقُ الناس إليها فينشأُ عنها توثُّقُ العلائقِ وتكوُّنُ الصدقاتِ، وغالباً ما يكونُ مبدأُ هذه الأُلفة أسباباً اتفاقيةً وغيرَ اختيارية. فالكثيرُ من الصداقاتِ يكونُ سببُها الزمالةَ في الدراسةِ أو العملِ أو يكونُ سببُها الجِيريةَ أو القَرابة.

فلأنَّ هذا الرجلَ اتَّفق له أنْ زاملَ آخرَ في دراسةٍ أو عمل، ونشأتْ عن تلك الزمالةِ أُلفةٌ بينهما فإنَّ أحدَهما يتَّخذُ الآخرَ صديقاً له بناءً على ذلك، أو لأنَّ هذا الرجلَ يسكنُ قريباً من داره كان ذلك سبباً في أن يُصبحَ صديقاً له أو لأنَّه قريبُ النسبِ منه لذلك أصبحَ صديقاً له.

فأكثرُ الصداقات تنشأُ عن أسبابٍ غيرِ اختياريَّة، فهي لم تخضعْ للدراسةِ والتمحيصِ والنظرِ في صفاتِ وسجايا الطرفِ الذي يُراد اتَّخاذُه صديقاً، ولذلك قد تترتَّبُ الكثيرُ من المساوئِ على مثلِ هذه الصداقات.

فلأنَّ هذه الصداقاتِ نشأت عن أسبابٍ اتَّفاقية وغيرِ مخطَّطٍ لها لذلك تكونُ نتائجُها غيرَ مضمونةِ العواقب، فهي تخضعُ للتوفيقِ والمصادفة إذا صحَّ التعبير، فلو اتَّفق أن مَن ألفتُه كان صالحاً عاقلاً فإنَّ ذلك سيُنتج صداقةً ناجحةً ولها انعكاساتٌ إيجابيةٌ ومستحسنَة، ولو اتَّفقَ أنَّ مَن ألفتُه كان سيئاً فإنَّ ذلك سيُنتج صداقةً فاشلة، وقد تكونُ لها انعكاساتٌ كارثيَّة، لذلك ينبغي للمؤمنِ العاقلِ أن لا يتَّخذَ له أصدقاءَ قبل أن يتحرَّى صفاتِهم ويمتحنَ سجاياهم، فليس له أن يُعوِّلَ على مجرَّد الأُلفةِ والمحبة.

نعم تحسنُ المعاشرةُ لكلِّ أحدٍ بالمعروفِ والمخالقة لكنَّ ذلك غيرُ الصداقة.

الأمر الثاني: المُستوحى من وصيةِ الإمام (ع) هو أنَّ مقصودَه من الصُحبةِ التي حذَّر منها هي العِلاقةُ الوثيقة، فهي لا تختصُّ بالصداقة التي تكونُ بين رجلينِ أو بين امرأتين، بل تشملُ مطلقَ العِلاقةِ الوثيقةِ التي تتمظهرُ تارةً بعنوان الزوجيَّة وأخرى بعنوان الشراكة في العمل أو ما تكون من قبيل الصحبة في الأسفار الطويلة، وكذلك هي تشملُ الجليسَ الدائم في المحافلِ الخاصَّة، كلُّ هذه الأنحاءِ من العلائق مشمولةٌ لقولِ الإمام (ع) "انظر خمسة فلا تُصاحبْهم" فلا ينبغي للمؤمن العاقل أن يتَّخذَ له زوجةً واجدةً لواحدةٍ من هذه الصفات أو يكونَ شريكُه أو جليسُه مبتلىً بإحدى هذه الصفات.

الأمر الثالث: إنَّ تصدِّي الإمام (ع) لايصاءِ ولدِه ومخاطبتِه له بما يوثِّق العلاقة بينهما يُوحي للمؤمنين أنَّ تلك هي إحدى الوسائلِ التي ينبغي اعتمادَها في تربية الأبناء. فالخطابُ يُوحي بأنَّ الأمام (ع) كان مُجالساً لابنه وكان وثيقَ الصلةِ به، ومضمونُ الخطاب يُرشدُ إلى ضرورةِ حُرص الأبِ على نقل تجاربِه لابنه، فكأنَّ الإمامَ (ع) أراد بوصيَّته لابنه إرشادَ الآباءَ إلى ضرورة التصدِّي لتعريف أبنائهم تجاربَهم، فإنَّ ذلك هو وسيلةُ التكامُل في المجتمعات، فالكثيرُ من شئوناتِ الحياةِ قد صادفتِ الآباء، فأكتسبوا منها الفهمَ والحكمة، وتعرَّفوا منها على ما هو صالحٌ وما هو غيرُ صالحٍ، وما ينفعُ وما يضرُّ، وما هو صائبٌ وما هو خاطئ، فلو كان البناء هو الاحتفاظُ بهذه التجارب فإنَّ الأبناء سيقعونَ فيما وقعَ فيه الآباءُ من أخطاءَ ومحاذير، وحينئذٍ لا يُكتبُ التكاملُ لهذه المجتمعات، فالجيلُ اللاحقُ يقعُ فيما وقعَ فيه الجيلُ السابق وهكذا.

ثم إنَّ الملفت في وصايا الإمامِ (ع) انَّها ليست مجرَّد أوامرَ ونواهي يكونُ على الابن تمثُّلها وإنْ لم يُدركْ وجهَ الحكمةِ من الوصيَّة بها بل هي وصايا مشفوعةٌ ببيان مناشئ الإيصاء بها، وفي ذلك إرشادٌ للآباء بأنْ لا تكونَ وصاياهم أوامرَ ونواهي لا يُدرك الأبناءُ مغزاها والحكمةَ من الوصيَّة فإنَّ ذلك قد يمنعُ من تمثُّلِ الأبناءِ لها أو الانتفاعِ بها، وقد يُسيء الأبناءُ الظنَّ بتلك الوصايا فيُصنِّفونها ضمنَ الأوامرِ الناشئةِ عن التعسُّفِ والتحكُّمِ غيرِ المبرَّر، لذلك يحسنُ بالآباء أنْ تكونَ وصاياهم لأبنائهم مشفوعةً ببيان وجهِ الحكمةِ من الوصيةِ بها فإنَّ ذلك أدعى للقبول بها والالتزام بمؤداها.

مصاحبة الكذَّاب:

ثم إنَّ الإمام (ع) بدأ وصيَّته بالكذاب فحذَّر من مصاحبتِه فقال: "إيَّاكَ ومصاحبةَ الكذَّاب، فإنَّه بمنزلةِ السراب، يُقرِّبُ لك البعيدَ ويُبعِّدُ لك القريب"(4).

إنَّ أسوأ صفةٍ يتَّصفُ بها الإنسان هي صفةُ الكذب ?بمعنى أنْ يكونَ الكذبُ سجيةً له- ذلك لأنَّ الآثارَ المترتِّبةَ عن الاتصافِ بالكذب هي من أسوأ ما يترتَّب على الإتصاف برذائلِ الخصال، ولهذا وردَ عن أمير المؤمنين أنَّه قال: "الكذبُ فسادُ كلِّ شيء"(5) و"ولا سوءَ أسوأَ من الكذب"(6) وورد عن الإمام الصادق (ع) انَّه قال: "يُجبلُ المؤمنُ على كلِّ طبيعةٍ إلا الخيانةَ والكذب"(7) وورد عن الإمامِ العسكري (ع) أنَّه قال: "جُعلتْ الخبائثُ في بيتٍ وجُعل مفتاحُه الكذب"(8).

وفي الحديث الشريف عن الرسول الكريم (ص) أنَّ رجلاً قال له: "أنا يا رسول الله أستسرُّ بخلالٍ أربع: الزنا، وشرب الخمر، والسرق، والكذب، فأيَّتُهن شئتَ تركتُها لك، فقال (ص): دعِ الكذب، فلمَّا ولَّى همَّ بالزنا، فقال: يسألُني، فإن جحدتُ نقضت ما جعلتُ له، وإن أقررتُ حددت، ثم همَّ بالسرق، ثم بشرب الخمر، ففكر في مثل ذلك، فرجع إليه فقال: قد أخذتَ علي السبيل كلَّه، فقد تركتُهن أجمع"(9).

فهذه الرواية مبيِّنة لما هو المراد من أنَّ الكذب مفتاحٌ لبيتِ الخبائث، فإنَّه ما من أحدٍ يرتكبُ ذنباً أو فاحشةً إلا واحتاج غالباً إلى الكذب، ولا يسعُه أن يترك الكذبَ إلا بترك هذه الفواحش وهذه الذنوب، وإذا عقد العزمَ على تركِ الكذب فإنَّ ذلك سيدفعُه إلى ترك الكثير من الذنوب والفواحش بل مطلقِ ما يُوجبُ النفص، لأنَّه إنَّما يكذبُ غالباً ليُخفي نقصَه، فإذا عقد العزمَ على أنْ لا يكذبَ فإنَّه سوف لن يفعلَ ما يُوجب نقيصته عند الناس.

وإذا هانَ على الإنسانِ الكذبُ فسوف تهونُ عنده الكثيرُ من الذنوب بل وحتى المُوبِقات لأنَّه إنَّما يتركها خوفاً من العقوبة أو خشيةَ النقيصة فإذا وجد سبيلاً لإخفاء هذه النقائص وهو الكذبُ فسوف يهونُ عليه فعلُ هذه النقائص.

ولعلَّ ذلك هو معنى القول المأثور عن الرسول (ص) "إنَّ الكذبَ يهدي إلى الفجور، وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النار"(10).

ثم إنَّ الإمام (ع) بعد أن حذَّر من مصاحبة الكذَّاب ذكر واحداً من مناشئ هذا التحذير وهو إنَّ الكذَّاب بمنزلةِ السراب، فكما أنَّ السراب لا واقعَ وراءه فكذلك حديث الكذَّاب، وكما أنَّ السراب يقدحُ الوهمَ في النفس فيترتَّبُ عن ذلك الكثير من المتاعب النفسية والجسدية فكذلك حديثُ الكذَّاب يخلقُ الوهم في النفس، إذ ليس لحديثه واقع وليس وراءه حقائق، وهو في ذات الوقت يدفعُ بمَن صدَّقه إلى أن يُرتِّبَ نتائجَ ويتَّخذَ مواقفَ خاطئة وظالمة وقد تُودي بالكثير من علاقاته ومصالحِه.

ثم إنَّ الإمام (ع) ذكر مظهراً من مظاهر التشبيه بين الكذَّاب والسراب وأفاد أن كلاً منهما يُقرِّبُ البعيد ويبعِّدُ القريب.

فالمتَّصفُ بسجيةِ الكذب يتعمَّد غالباً التلبيس في تقييمه فيُوهم مَن يُصدِّقه أن مَن يُحبُّه يبغضُه وأنَّ من يبغضُه يُحبُّه، وأنَّ الميسور من الأمور عسيرٌ وبعيدُ المنال فينبغي اليأسُ منه وعدمُ السعي في تحصيله، وأنَّ العسيرَ من الأمور ميسورٌ وقريبُ المنال ولذلك ينبغي بذلُ الجهدِ في تحصيله، فيدفعُه بذلك إلى جهدٍ لا محصِّلَّ من ورائه أو يُفوِّت عليه مصلحةً كانت في متناولِ يده.

ولمزيد من التوضيح نذكر نموذجين لتقريب الكذاب لما هو بعيد وتبعيده للقريب:

النموذج الأول: الزوجةُ الكذَّابة التي تُوغرُ صدرَ زوجها على أبيه وأمِّه وإخوته، فهي تبعِّدُه ممَّن هم قريبون منه.

فهي حينما تُكثر من وصفهم بما ليس فيهم، وتفتري عليهم، وتذكرُ له أقوالاً عنهم لم يتفوَّهوا بها أو لم يقصدوا منها المعنى الذي أوحتْه لزوجِها أو تصفُ له أفعالاً تدَّعي أنَّهم فعلوها وهم لم يفعلوها أو لم يكن فعلُهم لها بالنحو الذي وصفتْه لزوجها، فهي بذلك تخلقُ حاجزاً بينه وبين أبيه وأمِّه وإخوتِه فيعتزلُهم أو يستوحشُ من مخالطتِهم، وبذلك تكونُ هذه الكذَّابة قد أبعدتْه عمَّن ينبغي أنْ يكونوا قريبين منه.

وقد تُزيِّنُ له الاقتراب ممَّن ينبغي أن يكون بعيداً منهم -لكونِهم مِن غير أهل الدين والصلاح- فتصفُهم بأحسن الصفات وهم أبعدُ ما يكونون عن تلك الصفات، وقد تخبرُه بما يُوحي له أنَّهم يُحبِّونَه ويَحرصون على مصلحته، وهم ليسوا كذلك، فتوقعُه في علاقةٍ هي أقرب إلى ضرره منها إلى نفعه.

وقد تنعكس الحال فيكونُ الزوج كذَّاباً وتكونُ الزوجة ضحيةً لكذبِه، ذلك لأنَّها توهَّمت نتيجة كذبِه أن مَن يُحبُّها من أرحامها وصديقاتها يُبغضُها فينشأُ عن ذلك انفصامُ علائقَ كانت وشيجة. وهذا هو معنى قول أمير المؤمنين (ع): "الكذبُ يُوجبُ الوقيعة"(11).

النموذج الثاني: المتنسِّكون الممتهنونَ للكذب الذين يُصغي الناس إلى أحاديثهم، فهولاءِ المجردَّون من كلِّ ورعٍ وتقوى يُحبِّبون إلى الناسِ الفجَّارَ فيذكرون لهم محاسنَ ليست فيهم ويجعلونَ منهم أولياء، وفي ذاتِ الوقت ينتقصون من أولياءِ الله ونجبائه والذين اصطفاهم اللهُ لدينه.

فهؤلاء الكذَّابون قد قرَّبوا إلى قلوبِ الناس من أَمرَ الله بالبراءةِ منهم، وأوغروا صدورهم على من أمرَ الله بمودَّتِهم والإقتداءِ بهم. لذلك فهم أسوأُ الناس وأشدُّهم خطراً على أمة الرسول الكريم (ص).

وسوف نستكمل الحديث فيما بعد إن شاء الله تعالى.

﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ / إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ / وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا / فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾(12)

خطبة الجمعة - الشيخ محمد صنقور

5 من ذي القعدة 1436هـ الموافق 21 أغسطس 2015م

جامع الإمام الصادق (عليه السلام) - الدراز


1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 12 ص 32.

2- سورة محمد / 22-23.

3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 12 ص 32.

4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 12 ص 32.

5- عيون الحكم والمواعظ -علي بن محمد الليثي الواسطي- ص 44.

6- التوحيد -الشيخ الصدوق- ص 74.

7- الاختصاص -الشيخ المفيد- ص 231.

8- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج 69 ص 263.

9- شرح نهج البلاغة -ابن أبي الحديد- ج 6 ص 357.

10- كنز العمال -المتقي الهندي- ج 3 ص 345.

11- عيون الحكم والمواعظ -علي بن محمد الليثي الواسطي- ص 30.

12- سورة النصر.