تفسير سورة المدّثّر (2)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ الذي رفعَ السماءَ فبناها، وبسَطَ الأرضَ فدحاها، وأثبتَها بالجبالِ فأَرسَاها، وأخرجَ منها ماءَها ومَرعاهَا، الذي تعاظَمَ عن صفاتِ الواصفين، وتَجلَّلَ عن تحبيرِ لغاتِ الناطقين، وجعلَ الجنةَ ثوابَ المتَّقينَ، والنارَ عقابَ الظالمين، وجعل محمَّداً (صلَّى الله عليه وآله) رحمةً للمؤمنين، وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله كلَّما شهِدَ لَه شاهدٌ، وأشهدُ أنَّ محمداً رسولُ الله أرسلَه بالحقِّ وائتمنَه على الوحي، صلَّى اللهُ عليه وآلِه.
عبادَ الله، أُوصِيكم ونَفْسي بِتقوى الله، فإنَّكم في دارِ أمَلٍ، بينَ حياةٍ وأجل، وصحةٍ وعِلل، دارُ زوال، وتَقلُّبُ أحوال، جُعلتْ سبباً للارتِحال، فرحِمَ اللهُ امرءً قصَّرَ مِن أملِه، وجدَّ في عملِه، وأنفقَ الفضلَ من مالِه، وأمسكَ الفضلَ من قُوَّتِه، فقدَّمه ليومِ فاقتِه. يومَ تُحشرُ فيه الأمواتُ، وتَخشعُ فيه الأصواتُ ﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى﴾(1) ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾(2) ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾(3) ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ / وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾(4) ليومٍ تَبطُلُ فيه الأنساب، وتُقطَّعُ الأسباب، ويَشتدُّ فيه على المُجرمينَ الحساب، ويُدفعونَ إلى العذابِ ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾(5).
قال اللهُ تعالى في محكمِ كتابِه المجيد: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ / قُمْ فَأَنذِرْ / وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ / وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ / وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ / وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ / وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾(6) صدق الله مولانا العليِّ العظيم.
قولُه تعالى: ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾(7)
فيه تقديمٌ وتأخير، قُدِّم المفعولُ به وأُخِّرَ الفعلُ، والغرضُ من ذلك هو بيانُ الحصر -فتقديمُ ما حقُّه التأخيرُ، وتأخيرُ ما حقُّه التقديمُ يُفيدُ الحصر-، يعني لا تُكبِّر غيرَ اللهِ تعالى، ليس ثمةَ من كبيرٍ إلا اللهُ عزَّ وجل، ليكنْ ذلك هو ما تستشعرُه في قلبِك عندئذٍ لن تخشى شيئاً، فعندما يكونُ اللهُ تعالى هو الكبيرُ في قلبِك وليس من أحدٍ كبيرٌ في قلبِك، إذن أيَّ شيءٍ تخشاه؟! جبابرةَ قريش، ذؤبانَهم، حربَ قريش، مكرَهم وخداعَهم، كلُّ ذلك لن تخشاه، فهم أحقرُ في جنبِ اللهِ من أنْ ترهبَ حربَهم أو تكترثَ بمكرِهم أو ينتابُك وجَلٌ من كيدِهم وخداعِهم، فإذا كبُرَ اللهُ تعالى في قلبِك فما دونَه مُحتقرٌ في رَوعك، ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾(8) حينئذٍ سوف تسهُلُ كلُّ الصعابِ في نفسِك ولن تعبأَ بجبابرة الأرض كلِّهم وإن تمالؤوا على حربِك ومنابذتِك.
فأنْ يكونَ اللهُ تعالى كبيراً في قلبِك فذلك هو إحدى أهمِّ التحصيناتِ التي ينبغي أنْ يتحصَّنَ بها الداعيةُ إلى اللهِ عز وجل، لذلك خاطبَ اللهُ تعالى بذلك نبيَّه (صلَّى الله عليه وآله) ليتعرَّفَ على ذلك السائرونَ على نهجِه والحاملونَ لرسالتِه، فأولُ صفةٍ ينبغي أنْ يكونَ عليها الدعاةُ إلى الله تعالى هو أنْ يكونَ اللهُ تعالى عظيماً وكبيراً في قلوبِهم فهو متعالٍ في جوانحِهم، فلا يُعلى عليه، ولا يُجارى، وكلُّ ماعداه حقيرٌ في جنبِه.
التكبير يعني التنزيه ويساوق التوحيد:
ثم إنَّ الأمرَ بالتكبيرِ لله تعالى في الآيةِ المباركة يعني كذلك تنزيهَ الربِّ جلَّ وعلا عن كلِّ الصفاتِ التي لا تليقُ بشأنِه وساحةِ قُدسِه، ولا تُناسبُ عظمتَه غيرَ المتناهية كالتحيُّزِ والتجسُّمِ والمشابهةِ والمحدوديَّةِ في القدرةِ والعلمِ والعدلِ والوجودِ وغير ذلك مما يُعبَّرُ عنه في علمِ الكلام بالصفات السلبيَّة، والتكبيرُ يعني أيضاً أنَّه ليس من إلهٍ غيرُه، لأنَّ الإلهَ الحقَّ ينبغي أنْ يكونَ أكبرَ من كلِّ شيء، فإذا إعتقد الإنسانُ انَّ كلَّ شيءٍ فهو دونَ اللهِ عزَّ وجل فهذا هو معنى التكبير، وهو عينُ التوحيد، وذلك هو أساسُ الدينِ الذي بُعثَ الرسولُ الكريمُ (صلَّى الله عليه وآله) للدعوةِ إليه، فالأمرُ بالتكبير يُساوقُ الأمرَ بنبذِ الشِركِ وأنْ يقطعَ الإنسانُ علائقَه بكلِّ الأصنامِ سواءً التي في نفسِه أو التي في الخارجِ من الأوثانِ والمعبوداتِ الوهميَّة، فإذا كان الداعيةُ إلى اللهِ تعالى واجداً لهذا اليقينِ عندئذِ يتأهَّل للتصدِّي للدعوة.
﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ / وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾(9).
ما معنى ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾(10)؟
ذُكرت العديدُ من المعاني لهذه الآيةِ الشريفةِ، ولعلَّ مجموعَ هذه المعاني مقصودةٌ للآيةِ المباركة:
المعنى الأول: تطهير العمل وإصلاحه:
الأول: إنَّ المرادَ من الأمرِ بتطهيرِ الثيابِ هو الأمرُ بالعملِ الصالح، ذلك لأنَّ العربَ كانت تصفُ الرجلَ الصالحَ الذي لم يرتكبْ من الأفعال ما يشينُ تصفُه بطاهرِ الثياب، فالرجلُ الصالحُ في أعمالِه وفي أقوالِه وفي سلوكِه يُنعتُ بهذه الصفةِ وهو أنَّه طاهرُ الثيابِ طاهرُ الذيلِ، نقيُّ الجيبِ، وفي مقابلِ ذلك مَن يكيدُ ويغدرُ، أو يفجُرُ، أو يرتكبُ الشرور، ويفعلُ الفواحش، ويقولُ البذيءَ من الكلام، ويُظاهرُ على المعصية، ويُمالئُ على الظلمِ والبغي، فمثلُه يُنعتُ بدنِسِ الثياب، ولذلك قال الشاعر العربي:
وإنِّي بحمدِ الله لا ثوبَ فاجرٍ لبستُ ولا من غدرةٍ أتقنعُ
فشبَّه الفجورَ بالثوب التي تُلبس، فقوله تعالى: ﴿وثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾(11) يعني أصلِحْ عملَك، وليكنْ مناسباً للحميدِ من الخصالِ كالبرِّ والإحسان وصلةِ الرحم وفعلِ مطلقِ الخير، والطاعات، هذا هو تطهيرُ الثياب وفي مقابلِه تدنيسُ الثياب، وهو أنْ يَرتكبَ الإنسانُ مثلَ الفحشاءِ والمنكرِ والكذبَ وما يسوءُ ويشينُ من الخصال، فالمرادُ من الأمرِ بتطهير الثياب هو تنزيهُ العملِ والسلوكِ عن فعلِ ما يشينُ من الخصال، هذا هو المعنى الأول.
المعنى الثاني: تزكية النفس:
إنَّ المرادَ من الأمرِ بتطهيرِ الثياب هو تزكيةُ النفس، فالثيابُ هنا أُريد منها صفاتُ النفس، فالنفسُ تارةً تشتملُ وتتدثَّرُ برذائلِ الصفاتِ وأخرى بالحميدِ من الصفات، ولهذا عبَّر القرآنُ عن التقوى باللباس، فقال تعالى: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ﴾(12) فالتقوى من شئوناتِ النفس، والقرآنُ عبَّرَ عنها باللباس، فكلُّ الصفاتِ التي هي من شئوناتِ النفسِ يصحُّ توصيفُها باللباس، والأمرُ بتطهيرِ الثيابِ أمرٌ بتزكيةِ النفس من رذائل الصفاتِ النفسانيَّة كالحسدِ والحقدِ واللؤمِ والخِسَّةِ والكِبر والعُجْب والجشعِ والضِعة، هذا هو المعنى الثاني.
المعنى الثالث: تشْمير الثياب:
المعنى الثالث الذي ذكره المفسِّرونَ للأمر بتطهيرِ الثيابِ هو تقصيرُ الثياب، ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾(13) يعني وثيابَك فقصِّر، وقد ورد عن أهلِ البيت (عليهم السلام) انَّ قوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ يعني وثيابَك فشمِّر(14)، والمرادُ من التشميرِ والتقصيرِ للثياب هو رفعُها عن مستوى الأرض، فالثيابُ على نحوين: فتارةً تكون أذيالُها طويلةً تجرُّ في الأرض، أي تكونُ ملامسة للأرض، وتارةً تكونُ مرتفعةً شيئاً ما، بحيثُ لا يكونُ مشي الإنسانِ بثيابه مفضياً إلى أن تُلامس أذيالُهُ الأرضَ، فالآيةُ المباركةُ تأمرُ بأنْ يرفعَ الإنسانُ ثيابَه عن مستوى الأرض حتى لا تتلوَّث بالقذارات، فسطحُ الأرض كما تعلمون هي مَسقطُ القاذورات والنجاسات والأوساخ، فإذا كانت ثيابُ الرجلِ طويلةً بحيثُ تلامسُ الأرض عند المشي عندئذٍ سوف تكونُ عُرضةً للتلوُّثِ بالنجاسات والقذاراتِ والأوساخ، فالآيةُ تأمرُ بأن يُشمِّرَ الناسُ عن ثيابِهم، وقد وردتْ في ذلك رواياتٌ عديدة تؤكِّدُ هذا المعنى، وأفادت أنَّ من آدابِ اللباس هو إتخاذُ ثيابٍ مرتفعة عن مستوى الأرض حتى لا تتلوَّثَ بالقاذورات، وهذا الذي ينبغي أنْ يتأدَّبَ به المسلمون في ثيابِهم فلا يلبسوا ما يكونُ منافياً لما أمرَ به النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) وأهلُ بيته (عليهم السلام) بل يحرصوا على أن تكونَ ثيابُهم التي يلبسونَها مشمَّرةً ومرتفعة شيئاً ما عن مستوى الأرض.
وهنا أمران ينبغي الإشارةُ إليهما:
الأمر الأول: هو أنَّ عدداً من الروايات أفادت أنَّ أحدَ مناشئِ الأمرِ بالتشمير هو أنَّ جرَّ الثياب يُعدُّ من الكِبر والخيلاء، فالمتكبرون من الناس -خصوصاً فيما سبق من الزمان- فالمتكبِّرون هم الذين يجرُّون أذيالَهم، هكذا كان يفعل الملوكُ وأصحابُ الوجاهات والثراء، فالرواياتُ الآمرة بتشمير الثياب كانت بصدد النهي عن الخيلاء والتشبُّه بالمتكبِّرينَ، وهي رواياتٌ عديدةٌ لا مجالَ لعرضها.
فمنشآنِ إذن للنهي عن جرِّ الثياب في الأرض:
الأول: هو أنَّها تكون عرضةً للتلوَّث بالقاذارات والنجاسات.
الثاني: هو أنَّ جرَّ الثياب من أفعال المتكبرين.
والأمر الثاني: الذي نودُّ الإشارةَ إليه هو أنَّ الأمرَ بتشميرِ الثِيابِ وإنْ كان وارداً عن الرسول الكريم (صلَّى الله عليه وآله) وعن أهل بيتِه (عليهم السلام) ولكنْ ليس بالمعنى الذي يَتوهَّمُه البعضُ من انَّ السنَّة هي رفعُ الثيابِ إلى منتصف الساق فيكونُ الفاعلُ لذلك مَعرَضاً للتندُّرِ والتهكُّمِ والسخريةِ من قِبل الناس، ليس ذلك هو المقصودُ ممَّا أمرَ به النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) وأهلُ البيتِ (عليهم السلام)، فالنبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) وإنْ كان قد أمرَ برفعِ الثيابِ عن مستوى الأرض، وكذلك أمر عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأهلُ البيتِ (عليهم السلام) والسلفُ الصالح من الصحابة الكرام إلا انَّ ذلك ليس بالمعنى المُباين للثقافةِ الاجتماعية السائدةِ التي يعيشُ المسلمُ في وسطِها، فأنْ تلبسَ ثياباً تكونُ منشأً للتندُّرِ والتهكُّم فذلك ما لا يَرتضَيهِ الشرعُ الحنيف، فالمسلمُ ينبغي أنْ يلبسَ ما يلبسُه الأسوياءُ من الناس ولكن مع المحافظة على الآداب الإسلامية .
نذكرُ لكم أيُّها الإخوة روايةً، وهي انَّ الإمامَ عليَّاً (عليه السلام) في أيام خلافتِه أراد يوماً شراءَ ثيابٍ له بثلاثةِ دراهم فذهبَ إلى بائعِ الثياب، فاشترى قميصاً، وإزاراً، ورداءً، فلبسَ القميصَ الذي إختاره فوصلَ إلى نصفِ ساقِه ولبسَ الإزارَ وشمَّره -يعني رفعه عن مستوى الكعب-، ولبسَ الرداءً فما تجاوز الفخدين، وقد علَّقَ الإمامُ الصادق(عليه السلام) على ذلك -كما يُروى عنه- بما حاصله انَّه: "ينبغي للمسلمين أنْ يلبسوا مثل هذا اللباس ولكن لو لبسه أحدٌ من الناس في هذا الوقت -وقت الصادق (عليه السلام)- لقالوا أنَّه مجنون أو هو مُراءٍ"، فالإمامُ الصادق (عليه السلام) يريدُ من ذلك الإشارة إلى أنَّه لابدَّ من ملاحظة ما هو المتعارفُ والسائدُ الوسطِ الإجتماعي، ففي زمن الإمامِ عليٍّ (عليه السلام) كان ما لبسَه هو المتعارف، غاية ما في الأمر أنَّ الإمام علي هذَّبه بحيثُ يتناسبُ مع الأدب الإسلامي، فلم يلبسْ ما يُوحي بالبذخ ثمَّ انَّه رفعه عن مستوى الأرض، والإمامُ الصادق (عليه السلام) أفاد أنَّه ينبغي أن يكون اللباسُ كذلك، بمعنى أن يكون مرتفعاً عن مستوى الأرض وأن لا يكون فيه بذخ، وأما الهيئة التي كان عليها قميصُ وإزارُ ورداءُ الإمام (عليه السلام) فلم يكن مناسباً لعصر الإمام الصادق (عليه السلام) فضلا عن هذا العصر، فما يدَّعيه البعض من ضرورة أن يتزيَّا المسلمً بالزيِّ الذي كان عليه السلف الصالح فيلبس مثل لباس أبي ذر بل ويزيدُ على أبي ذر حتى انَّ بعضَّهم يلبسُ الثوب فلا تكادُ تُغطِّي ركبتيه فذلك من سوء الفهم للسنَّةِ النبويَّة الشريفة، فالإسلامُ لم يأمر بذلك، فهو لا يأمرُ بأنْ يكون لباسُ المؤمن سبباً للتندُّر والسخرية بالدين، فحين أوصى النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) بتشمير الثياب فذلك معناه انْ لا تكون الثيابُ من الطول بحيثُ تجرُّ في الأرض فتكونُ معرضاً للتلوُّث بالقذارات والأوساخ، هذا هو معنى ما ورد عن الرسول (صلَّى الله عليه وآله)، أما أنْ تلبسَ ثياباً تكون بها في معرض التهكُّم والسخريةِ عليك من الناس، فهذا تشويهٌ لصورة المسلمين، فلذلك تجدُ المجتمعَ الغربي إذا أرادوا الإشارة إلى المسلم والتعريفِ به رسموا رجلاً يلبسُ ثوباً لا تتجاوزُ أعلى الساق كأنَّهم يُوحون بذلك إلى حماقة المسلمين.
نعم، نحن لا نقبلُ ما يفعلُه الشبابُ والأولادُ من التقليد الأعمى للآخرين، فالمؤمنُ أيُّها الأخوة ينبغي أن يكونَ لباسُه محتشماً، فالمؤمنُ وقورٌ ومُحتشِم، وأبرزُ شيءٍ يُعبِّر عن وقارِ الإنسانِ وحشمته هي ثيابُه، فإذا أردت أن تعرف أحداً فانظر إلى ثيابه فإنْ كانت محتشمة ووقورة فصاحبها ينطوي غالباً على قلبٍ وقور وعقلٍ وقور، فالعقلُ يكونُ وقوراً ومتَّزناً ويكونُ خفيفاً ومتأرجحاً وكذلك القلب يكون وقوراً ويكون مضطرباً، فصاحبُ القلبِ الوقور والعقلِ الوقور يكون لباسُه وقوراً، ومشيُه وقوراً، وحديثُه وقوراً، فالسلوكُ يعكسُ المشاعر، ويعكس مستوى العقل، ولذلك تلاحظون أنَّ الثياب المطرزة والمصبَّغة بالألوان الفاقعة أو الزاهية أو التي تظهرُ منها السُّرةُ والظهر أو الكتف مثل هذه الثياب يلبسُها الأطفال، لأنَّ الطفل لا يُنتظرُ منه وقاراً ولا حشمة، لكنَّ المسيءَ والمؤسفَ أن ترى رجلاً كبيراً وهو يرتدي مثل هذه الثياب غير المحتشمة وغير الوقورة أو ترى إمرأةً راشدة وهي تلبسُ غير المحتشم من اللباس.
وخلاصة الكلام إنَّ قوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾(15) لا يفرضُ على المؤمن لباساً خاصاً أو زيَّاً معيَّناً وإنَّما هو بصدد بيانِ الضابطة التي ينبغي أنْ يكون عليها اللباس، فالضابطةُ التي يُوصي بالتزامها هي أن يكونَ اللباسُ طاهراً، نظيفاً، لا يجرُّ في الأرض، ومحتشماً، وقوراً لا يستهجنه الأسوياءُ من الناس، هكذا ينبغي أن يكون لباسُ المؤمن.
خطبة الجمعة - الشيخ محمد صنقور
16 من شهر رمضان 1436هـ - الموافق 3 يوليو 2015م
جامع الإمام الصادق (عليه السلام) - الدراز
1- سورة الحج / 2.
2- سورة النور / 25.
3- سورة آل عمران / 30.
4- سورة الزلزلة / 7-8.
5- سورة آل عمران / 185.
6- سورة المدثر / 1-7.
7- سورة المدثر / 3.
8- سورة المدثر/ 3.
9- سورة المدثر / 3-4.
10- سورة المدثر / 4.
11- سورة المدثر / 4.
12- سورة الأعراف / 26.
13- سورة المدثر / 4.
14- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 5 ص 38.
15- سورة المدثر / 4.