هل كان أتباع نوح من المغرقين؟!

شبهة مسيحي:

في سورة هود يقول القرآن على لسان قوم نوح: ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا﴾(1) ومنها نعرف أنَّ مَن آمن بنوحٍ هم الأراذل فهم اللذين أتبعوه، ولكن في سورة الصافات نرى أنَّ الرب لم يُنجِّ من الطوفان إلا نوحاً وآله: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾(2) طيب لماذا أغرق الأراذل وهم المؤمنون بنوحٍ ودعوته، أهذا هو جزاؤهم?؟!

الجواب:

لماذا تُطرح مثل هذه الشبهة الواهنة؟!

هذه الشبهة على وهنها تُعبِّر عن أحد أمرين:

إمَّا عن الاستعجال المُفرِط الذي يبتلي به الخصم فيُبادر إلى اقتناص كلِّ فرصةٍ يتوهَّم أنَّها سانحة للوثوب على خصمه ثم لا يلبث حتى يندم، ذلك لأنَّ ماتوهَّمه فرصةً سانحة لم تكن إلا سراباً قد سعى خلفه، فحين بلغه لم يجدْه شيئاً، فيكون قد أخفقَ في مسعاه بعد أنْ فضح نفسه وكشف عن مبْلغِ فهمه ومخبوءِ سريرته المُنطوية على حسدٍ استحكمَ فأعشى بصره وأذهله عن رؤية ما هو في مرمى نظره.

وإمَّا أن يكون إيراد هذه الشبهة قد نشأ عن تعمُّد التضليل، وذلك برجاء أنْ يكون القارئ لها ممَّن لم يقرأ سورة هود ولا غيرها من سور القرآن، ولا تستحثُه الشبهة على المراجعة والتثبُّت لقلةِ اكتراثه بذلك، فتكون مثل هذه الشبهة قد تركت أثرها في نفسه ولا يُزيل هذا الأثر إلا اتفاق الوقوف على ردِّها، ولعلَّ ذلك لا يتَّفق له، مثل هذا القارئ هو الفريسة التي يطمح هذا المثير للشبهة لاقتناصها في شِراكه الموهون، إذ من العسير تمرير مثل هذه الشبهة الواهية على مَن له أدنى اطلاع على آيات سورة هود فضلاً عمَّن يُديم التلاوة لعموم آيات القرآن.

جوابان على الشبهة:

الجواب الأول: تصريح نفس السورة!

وكيفما كان، فأتباعُ نوحٍ (ع) اللذين تباكى عليهم صاحب الشبهة قد صرَّحت سورةُ هودٍ نفسها أنَّهم كانوا فيمَن أنجاهم الله تعالى من الطوفان حيث حملهم نوحٌ (ع) معه في السفينة، قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ / وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(3) أي احمل فيها من كلِّ ذي روحٍ زوجين، واحمل فيها أهلَك إلا من سبق القول من الله تعالى بمنعه وهي زوجته، واحمل فيها مَن آمن بك وكانوا قِلَّة، كلُّ هؤلاء قد أُمر نوحٌ (ع) بحملهم في السفينة، فحين ركبوها جرت على اسم الله تعالى في ذلك الطوفان المهول.

فهذا النصُّ من سورة هود لا يفصله عن الآية التي نقلها صاحب الشبهة إلا آياتٌ محدودة لو أنَّه تريَّث وتأنَّى!! لكنَّها الخصومة الجامحة تُعمي وتُصم.

آياتٌ عديدة تُصرِّح بنفس الأمر أيضاً!

على أنَّ التصريح بنجاة المؤمنين بنوح من الطوفان لا يختصُّ بما ورد في سورة هود (ع) بل قد تصدَّت لبيان ذلك آياتٌ عديدة:

منها: قوله تعالى في سورة الشعراء: ﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ / قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ / فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ / فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ / ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ﴾(4) فكان دعاء نوح (ع) لربِّه أنْ ينجِّيَه الله ومَن معه من المؤمنين فاستجاب اللهُ تعالى له فأنجَّاه ومَن معه في الفلك المشحون وأغرق مَن تبقَّى من قومه ممَّن لم يكن على الإيمان معه.

ومنها: قوله تعالى في سورة الأعراف: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ﴾(5).

ومنها: قوله تعالى في سورة يونس: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ﴾(6).

فالآيتان صريحتان في انَّ الله تعالى قد أنجى في الفُلْك مَن كان مع نوح (ع) وإنَّ اللذين غرقوا في الطوفان هم مَن كذَّب بآيات الله تعالى حيث وصف المغرقين في الآية الأولى بالمكذِّبين -أي الكافرين- وأنَّهم كانوا قوماً عمين، وهذا الوصف لا يناسب مَن آمن بنوحٍ (ع)، ووصفهم في الآية الثانية بالمكذِّبين بآيات الله تعالى ثم جعل منهم عبرةً لكلِّ من أراد الاعتبار، وذلك إنَّما يُناسب في المقام اختصاص الغرق بالمكذِّبين دون المؤمنين.

فهذه آياتٌ وثمة أخرى دلَّت على أنَّ مَن آمن بنوحٍ من قومه كان جزاؤهم مضافاً إلى نعيم الآخرة أنَّ الله تعالى أنجاهم من الطوفان فكانوا ممَّن حملهم نوحٌ معه في السفينة.

إثباتُ شيءٍ لا يستلزم نفي ما عداه:

وأمَّا قوله تعالى في سورة الصافات: ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ / وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾(7) فإنَّ أقصى ما يدلُّ عليه هو أنَّ الله تعالى قد أنجى نوحاً وأهله من الغرق وأمَّا أنَّه لم ينجِّ من الطوفان غير نوحٍ وأهله من المؤمنين فذلك ما لم تتصدَّ الآيةُ لإثباته أو نفيه، ولهذا لا تكون الآية من سورة الصافات منافية لما دلَّ من الآيات على أنَّ المؤمنين بنوح كانوا ممَّن نجَّاهم أيضاً من الغرق، وذلك لوضوح انَّ المتكلِّم لو أخبر عن واقعةٍ في مجلسين فكان ما أخبر به في أحد المجلسين مشتملاً على زيادةٍ لم يذكرها في المجلس الآخر لا يكون ذلك مقتضياً للحكم بتناقض الخبرين، إذ لا تكاذب بينهما بعد أنْ لم تكن الزيادة منفيَّة في الخبر الآخر وإنَّما هي مسكوتٌ عن ذكرها لغايةٍ يُقدِّرُها المتصدِّي لبيان الخبر خصوصاً وأنَّه لم يأتِ بما يدلُّ على أنَّه في مقام الإخبار لكلِّ ماوقع أو شاهد.

مثالٌ توضيحي:

فلو قال رجل لأبنائه: اشتريتُ اليوم من السوق خبزاً وعسلاً، وكان قد اشترى مضافا إلى ذلك ثوباً إلا أنَّه سكت عن الإخبار بشرائها لكنَّه في مجلسٍ آخر قال لأبنائه أو لغيرهم: اشتريتُ في هذا اليوم خبزاً وعسلاً وثوباً فإنَّ أحداً لا يجدُ بين خبريه تناقضاً بعد أنْ لم تكن الزيادةُ الواردةُ في الخبر الثاني منافية لشيءٍ مما ورد في الخبر الأول، وبعد أنْ لم يكن الخبر الأول مشتملاً على ما يُعبِّر عن أنَّه كان بصدد الإخبار عن كلِّ ما كان قد اشتراه من السوق.

وكذلك هو الشأن في الآية المباركة من سورة الصافات فإنَّها أخبرتْ عن نجاة نوحٍ وأهله لكنَّها لم تنفِ النجاة عن غيرهم من المؤمنين، ولم تشتمل على ما يُعبِّر عن أنَّها كانت بصدد الإخبار عن كلِّ مَن نجا من الغرق، فهي لم تُخبر أيضاً عن نجاة زوجين من كلِّ صنفٍ من أصناف الحيوانات كما أخبرت بذلك آياتٌ أخرى، لذلك فهذه الآيةُ لا تُنافي الآيات المتعدِّدة التي أخبرت عن نجاة من آمن بنوحٍ من قومه.

وهل كان نوحٌ (ع) وحده في السفينة؟!

ثم إنَّ في القرآن الكريم آيةً أخبرتْ عن نجاة نوحٍ من الغرق ولم تُخبر عن نجاة أهله ولا غيرهم، وهي التي وردت في قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ / فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ / فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ / وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ / وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾(8) فآيةُ: ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ أخبرت عن نجاة نوح (ع) ولم تُخبر عن نجاة غيره، فهل يتوهَّم أحدٌ أنَّ الآية تقتضي نفي النجاة عن غير نوح وأنَّه وحده الذي نجا من الغرق ؟!! إنَّ ما يُجاب به عن هذه الآية من سورة القمر يصلح جواباً عن الآية من سورة الصافات.

الجواب الثاني: حمل كلمة (الأهل) على جميع المؤمنين:

هذا هو الجواب الأول، وثمة جوابٌ آخر مبْتنٍ على التسليم جدلاً بأنَّ الآيةَ من سورة الصافات كانت بصدد الإخبار عن كلِّ مَن تمِّ إنجاؤه من الغرق، وحاصل هذا الجواب إنَّه ونظراً لتصدِّي آياتٍ كثيرة للإخبار عن نجاة كلِّ مَن آمن بنوح (ع) لذلك يتعيَّن حمل كلمة الأهل فى الآية من سورة الصافات على إرادة عموم المؤمنين بنوح (ع) أي إنَّ الآيات الأخرى الدالَّة على نجاة عموم المؤمنين بنوح تكون قرينةً على أنَّ المراد من كلمة الأهل في سورة الصافات هو عموم المؤمنين بنوح (ع).

فكلمةُ الأهل وإنْ كانت بحسب مدلولها الأولي ظاهرةٌ في إرادة الأقارب من ذوي النسب إلا أنَّ استعمال اللفظ في غير مدلوله الأولي ليس عزيزاً بل هو شائعٌ جداً في كلام العرب بشرط قيام القرينة على إرادة المعنى الآخر دون المعنى الأولي للفظ أي أنَّ حدود المعنى الآخر يتحدَّد بالقرينة المكتنفة بالكلام. وحيث إنَّ في المقام قرينةً على أنَّ المراد من كلمة الأهل هم الأتباع لنوح (ع) لذلك يتعيَّن حمل لفظ الأهل في الآية على إرادتهم، فيكون معنى: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ﴾ هو فنجَّيناه وأتباعه المنتسبين إلى دعوته كما هو معنى ما ورد في القرآن من عنوان أهل الكتاب وأهل الاِنجيل وأهل التوراة أي أتباع الكتاب وأتباع الإنجيل وأتباع التوراة .

والمقصود من القرينة القائمة في المقام هي الآيات الكثيرة التي دلَّت صريحاً على أنَّ مَن آمن بنوحٍ كانوا في ضمن مَن نجا مع نوحٍ من الغرق، فإذا فرضنا أنَّ الآية من سورة الصافات كانت بصدد الإخبار عن كلِّ الناجين مِن الغرق وذكرتْ انَّ مَن نجا من الغرق هم نوح وأهله، فذلك يقتضي حمل كلمة الأهل على إرادة عموم المنتسبين لنوح التابعين لدعوته، إذ انَّه بعد أنْ كانت الواقعة واحدة والمتكلِّم واحدٌ والمُفترَض أنَّه عاقلٌ صادقٌ متثبِّت، فإذا كان عاقلاً فالعاقل لا يُناقض نفسه متعمِّداً إلا أنْ يكون كاذباً ونحن فرضناه صادقاً ومَن كذَّبه فذلك شأنُه.

على أنَّ الكاذب العاقل خصوصاً إذا كان صاحب دعوى تقتضي المصداقيَّة لا يُخبر بما ينتهي إلى فضح كذبه، ولا يخفى على عاقلٍ أن الإخبار بنجاة المؤمنين بنوح، والإخبار بغرقهم يكون من التناقض البيِّن الذي لا يُقدم عليه مَن يخشى على نفسه الفضيحة، فلم يبقَ إلا احتمال نسيانه لخبره الأول أي نسيانه لما كان قد أخبر به من نجاة كلِّ مَن آمن من قوم نوح، فحيثُ إنَّه قد نسي ما كان قد أخبر به لذلك جاء خبرُه الثاني مناقضاً لخبره الأول.

وهذا الاحتمال في غاية السقوط بعد افتراض أنَّ المتكلِّم من الأثبات وأنَّ خبره الأول كان قد تقدَّم على الخبر الثاني وتأخَّر عنه أيضاً، فالإخبار بنجاة عموم المؤمنين بنوح قد صدر في سورٍ عديدة نزلت قبل سورة الصافات، وصدر في سورٍ عديدة نزلت بعد سورة الصافات، فكيف يَحتمِل منصفٌ حينئذ نسيان الوحي والنبي (ص) لخبره الأول؟!!

هذا مضافاً إلى انَّ هذه الآيات لم تكن مسطورة في قرطاسٍ مهمَل فيكون مَن كتبها قد نسيَ مضمونها، فالآيات الدالَّة على نجاة مَن آمن بنوح وكذلك آية الصافات كانت تُتلى ليلَ نهار في محافل المسلمين وفي صلواتهم اليوميَّة، وكان النبيُّ (ص) يحضُّ المسلمين على تلاوتها وتدوينها وحفظها ويَعدُهم على ذلك بالثواب الجزيل، فكيف يُتعقَّل أنَّه قد نسيَ ما أخبر به أولاً؟!!.

إذن فلا النسيان متعقَّل ولا الإخبار بالنقيضين رغم الاِلتفات وعدم النسيان والحرص على المصداقيَّة متعقَّل فيتعيَّن البناء على أنَّ الآية من سورة الصافات متَّحدة المفاد مع الآيات الأخرى والكثيرة الدالَّة على نجاة عموم المؤمنين بنوح، وهذا يقتضي حمل كلمة الأهل على إرادة عموم الأتباع لنوحٍ (ع) إذا تمَّ الإصرار على أنَّ الآية من سورة الصافات كانت بصدد الإخبار عن كلِّ مَن تمَّ إنجاؤه مع نوح من الغرق.

إبن نوح (ع) ليس من أهله!

ويمكن تأييد إرادة الأتباع المنتسبين لدعوة نوح من كلمة الأهل في سورة الصافات -مضافاً إلى شيوع هذا الاستعمال- بما ورد في سورة هود حين سأل نوحٌ ربَّه عن ابنه الذي كان كافراً فقال تعالى: ﴿يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾(9) فنفى عن ابن نوح أنَّه من أهله رغم أنَّه من أقاربه وهو ما يُعبِّر عن أنَّ القرآن أراد من نفي ابن نوح عن أهله هو نفيه من أتباعه المنتسبين لدعوته، فيكون قد استعمل الأهل في الأتباع وليس في الأقارب، ولذلك علَّل النفي بما يُناسب استعمال الأهل في الأتباع المنتسبين لدعوة نوح فقال: ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾، فكأنَّ الآية أرادت الإشارة إلى أنَّ أهلك يا نوح هم الصالحون المؤمنون بدعوتك وأنَّ مَن كفر بدعوتك فهو ليس من أهلك وإنْ كان من ذوي قرابتك.

الخلاصة:

والمتحصَّل ممَّا ذكرناه أنَّ القرآن صريح في أنَّ الله تعالى قد كافأ اللذين آمنوا بنوح بأنْ أنجاهم من الغرق، هذا مضافاً إلى ما ينتظرهم من نعيم الآخرة. وأمَّا الآية التي وردت في سورة الصافات فهي ليست منافية للآيات الكثيرة الدالة على نجاة عموم المؤمنين بنوح، وذلك لأنَّ أقصى ماتدلُّ عليه هو أنَّ الله تعلى قد أنجى نوحاً وأهله وأمَّا أنَّه قد أغرق أتباع نوحٍ أو أنجاهم فذلك مسكوتٌ عنه في الآية المباركة، فهي لا تنفيه ولا تثبته وبذلك لا تكون منافية للآيات المُثبِتة لنجاتهم.

ومع البناء على أنَّ الآية من سورة الصافات كانت بصدد الإخبار عن كلِّ من تمَّ إنجاؤهم من الغرق فحينئذٍ يتعيَّن حمل لفظ الأهل الوارد في الآية على عموم أتباع نوح (ع) وذلك بمقتضى الجمع العرفي بين الآية من سورة الصافات والآيات الأخرى الكثيرة المُثبِتة لنجاة كلِّ مَن آمن بنوح (ع) فيكون معنى قوله تعالى: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ﴾ أنَّه قد نجَّيناه وأتباعه المنتسبين لدعوته، وبذلك تكون الآية متَّحدة المفاد مع الآيات الأخرى المُثبتة لنجاة كلِّ مَن آمن بنوح (ع).

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور

من كتاب شبهات مسيحيَّة


1- سورة هود / 27.

2- سورة الصافات / 76.

3- سورة هود / 40-41.

4- سورة الشعراء / 116-120.

5- سورة الأعراف / 64.

6- سورة يونس / 73.

7- سورة الصافات / 75-76.

8- سورة القمر / 9-13.

9- سورة هود / 46.