الادِّهان بما يبقى أثره بعد الإحرام

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل يجوز الادِّهان بما يبقى أثره بعد الإحرام؟

الجواب:

الظاهر من الرويات الواردة عن أهل البيت (ع) هو الجواز، والمحرَّم هو الادِّهان بعد التلبُّس بالإحرام أو الادِّهان قبل الإحرام بالمطيَّب بحيثُ يبقى أثرُ الطيب إلى ما بعد التلبُّس بالإحرام، فإنَّ الظاهر من الروايات هو حرمة التطيُّب للمحرم مطلقًا حدوثًا واستمرارًا، وأما الادِّهان بغير المطيَّب فالمحرَّم منه إنِّما هو الإحداث له بعد الإحرام فاستعماله قبل الإحرام مع بقاء أثره بعده لا يضرُّ وليس هو ممَّا تجب إزالتُه قبل الإحرام كما يظهر ذلك من العديد من الروايات:

منها: معتبرة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) قال: قال له ابنُ أبي يعفور: ما تقولُ في دهنه بعد الغسل للإحرام؟ فقال: "قبل وبعد ومع ليس به بأس.."(1) فإنَّ ظاهر جواب الإمام (ع) أنَّ بقاء أثر الدهن كما هو الغالب لا يضرُّ وليس به بأس. بل المُستظهَر من الرواية هو أنَّ السؤال والجواب كان حول فرضية بقاءِ الأثر إلى ما بعد الإحرام، إذ لا ريب في وضوح جواز الادِّهان قبل الإحرام.

ومنها: معتبرة الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "لَا تَدَّهِنْ حِينَ تُرِيدُ أَنْ تُحْرِمَ بِدُهْنٍ فِيه مِسْكٌ ولَا عَنْبَرٌ مِنْ أَجْلِ رَائِحَةٍ تَبْقَى فِي رَأْسِكَ بَعْدَ مَا تُحْرِمُ، وادَّهِنْ بِمَا شِئْتَ مِنَ الدُّهْنِ حِينَ تُرِيدُ أَنْ تُحْرِمَ، فَإِذَا أَحْرَمْتَ فَقَدْ حَرُمَ عَلَيْكَ الدُّهْنُ حَتَّى تَحِلَّ"(2)

وهذه الرواية أوضح دلالةً على جواز الادِّهان بما يبقى أثرُه من الرواية التي سبقتها، وذلك لظهورها في الترخيص بالادِّهان حين الإحرام الذي يصدق على فرضية وقوع الإحرام بعد الادِّهان مباشرة، وحيث أنَّ مقتضى طبيعة الادِّهان هو بقاء أثره مدة من والوقت لذلك يكون الظاهر قويًّا هو عدم البأس من التلبُّس بالإحرام قبل زوال أثره، ويؤكِّدُ هذا الإستظهار المنع من الادِّهان بما فيه مسكٌ أو عنبر لمكان رائحته التي يبقى أثرُها بعد الإحرام، فالواضح من التعليل الوارد في صدر الرواية هو أنَّ فرضيَّة بقاء الأثر ملحوظةٌ في الرواية. فلو كان بقاءُ الأثر في الادِّهان بغير المطيَّب ضائرًا لكان المناسب هو التنبيه كما وقع في الفرض الأول.

ومنها: معتبرة الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (ع) عَنِ الرَّجُلِ الْمُحْرِمِ يَدَّهِنُ بَعْدَ الْغُسْلِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَادَّهَنَّا عِنْدَه بِسَلِيخَةِ بَانٍ وذَكَرَ أَنَّ أَبَاه كَانَ يَدَّهِنُ بَعْدَ مَا يَغْتَسِلُ لِلإِحْرَامِ، وأَنَّه يَدَّهِنُ بِالدُّهْنِ مَا لَمْ يَكُنْ غَالِيَةً أَوْ دُهْنًا فِيه مِسْكٌ أَوْ عَنْبَرٌ"(3)

وتقريب الاستدلال بالرواية كتقريبه فيما سبق في الروايتين، بل يظهر من هذه المعتبرة أنَّ الادِّهان قُبيل الإحرام بغير المطيَّب ليس مكروهًا لمكان فعل الإمام (ع) نعم ورد في معتبرة محمد بن مسلم أنَّ الإمام أبا عبد الله الصادق (ع): "كَانَ يَكْرَه الدُّهْنَ الْخَاثِرَ الَّذِي يَبْقَى"(4) وظاهر الرواية بمقتضى الجمع بينها وبين الروايات السابقة أنَّ المراد من الكراهة هي الكراهة الاصطلاحية وأنَّ المكروه هو الخاثر من الدهن الذي يبقى طويلًا.

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج2 / ص309، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج12 / ص461.

2- الكافي -الشيخ الكليني- ج4 / ص329.

3- الكافي -الشيخ الكليني- ج4 / ص330، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج12 / ص460-461.

4- الكافي -الشيخ الكليني- ج4 / ص330، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج12 / ص460.