هويَّة السيدة شاه زنان؟

المسألة:

ورد في الزيارة: "أَشْهَدُ أَنَّكَ كُنْتَ نُوراً فِي الاَصْلاَبِ الشَّامِخَةِ، وَالاَرْحَامِ الْمُطَهَّرَةِ، لَم تُنَجِّسْكَ الْجَاهِلِيَّةُ بِأَنْجَاسِهَا، وَلَمْ تُلْبِسْكَ مِنْ مُدْلَهِمَّات ِثِيَابِهَا".

كيف نوفِّق بين هذا النص وبين ما هو معروف من إنَّ مولانا الإمام السجاد (ع) كانت والدتُه الشريفة هي شاه زنان بنت كسرى ملك الفرس، وإن الفرس يدينون بالديانة المجوسية وقرأت إن ملوك كسرى يزوجون الإخوة لأخواتهم للحفاظ على عرقهم؟ فكيف تكون أمُّ الإمام المعصوم (ع) كانت تدين بغير دين التوحيد وذلك على عكس أمهات باقي الأئمة (ع) كان بعضهن من الإماء ولكنَّهم من أرحام طاهرة؟

أرجو إيضاح ذلك جزاكم الله خيرا

الجواب:

لا ريب أنَّ الإمام الحسين (ع) إنَّما تزوج السيدة شاه زنان بعد إسلامِها، فهي حين حملت بالإمام السجاد (ع) كانت مسلمة.

وأما أنَّها كانت من أصلٍ مجوسي فإنَّ ذلك لا يخدش في مقامِها الشامخ فإنَّ صفيَّة زوجة النبيِّ (ص) كانت من أصلٍ يهودي وكلُّ زوجات النبيِّ كان أباؤهم مشركين وكذلك أكثر الصحابة.

وأمَّا أنَّ المجوس كانوا يُجيزون الزواج من المحارم فإنَّ ذلك لا يقتضي أنْ تكون والدةُ الإمام (ع) قد تولَّدت من زواج المحارم، فليس معنى جواز الزواج من المحارم عندهم أنَّ كلَّ زيجاتهم كانت من قبيل الزواج بالمحارم، فالسنَّة مثلاً يُجيزون الزواج من اليهوديَّة والنصرانيَّة، ولكن ذلك لا يعني أنَّ كلَّ مولود من أبناء السنَّة تولَّد من مسيحيَّةٍ أو يهودية، والشيعة يُفتون بصحة الزواج المنقطع لكنَّ ذلك لا يعني أن كلَّ شيعيٍّ قد تولَّد من هذا الزواج، فالمجوسُ وإنْ كانوا يُجيزون الزواج من المحارم لكنَّ ذلك لا يعني أن كلَّ زيجاتهم كانت بالمحارم بل ولا يقتضي ذلك أنَّ غالب زيجاتهم كانت بالمحارم، فلا ملازمة بين كون الرجل والمرأة من أصلٍ مجوسي وبين كونه متولِّداً من زواج المحارم.

وعليه فنفسُ هذا النص المذكور في الزيارة الشريفة وكذلك الروايات الكثيرة الواردة عن أهل البيتِ (ع) تدلُّ على أنَّ والدةَ الإمام السجاد (ع) لم تكن قد تولَّدت من زواج المحارم وإنْ كان آباؤها من المجوس بحسب النقل.

وأما دعوى أنَّ ملوك كسرى يُزوِّجون الإخوة لأخواتهم للحفاظ على عِرقهم فهي دعوى جزافيَّة لا دليل عليها، على أنَّ الحفاظ على العِرق يمكن أنْ يتمَّ بالزواج من ذوي العمومةِ كما هو المتعارف في القبائلِ العربيَّة، وعلى فرض أنَّ عادتهم قد جرت على تزويج الإخوة من الأخوات فإنَّ ذلك لا يعني أنَّهم لا يتزوجون بغير الأخوات مع الزواج بالأخوات. فتكون للرجل زوجاتٌ متعددة بعضهنَّ من أخواتِه والبعض الآخر من غير محارمِه.

إذن ليست هناك ملازمة بين كون السيدة شاه زنان من بنات ملوك كسرى وبين كونِها قد تولَّدت من زواج المحارم.

والمتحصَّل أنَّ النصوص الواردة عن أهل البيت (ع) تُثبت أنَّ السيدة شاه زنان لم تكن قد تولَّدت من زواج المحارم، وكونُها من أصلٍ مجوسي لو ثبت فإنَّه لا ينفي هذه الروايات كما اتَّضح ذلك ممَّا ذكرناه.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور