شرحُ روايةٍ في إيمان أبي طالب (ع)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

رُوي أنَّه سُئل الإمام السجاد (ع) عن إيمان أبي طالب فاستند في إثبات إيمانه إلى بقاء فاطمة بنت أسد -والتي هي من السابقات للإسلام- على ذمّته، فلو كان كافرًا لفرَّق النبيُّ (ص) بينهما، إذ لا ريب في عدم جواز إقرار المسلمة على نكاح الكافر كما نصَّ على ذلك القرآن؟

 

والسؤال: هو قد يستشكلُ البعض بأنّ آياتِ عدم إقرار المسلمة على نكاح الكافر مدنيَّة، وعليه فقد يكون عدمُ تفريق النبيِّ (ص) بينهما نشأ عن عدم حرمة إقرار المسلمة على نكاح الكافر في العهد المكي، ولو فُرض أنَّ الآيات كانت مكية فقد يكون عدم التفريق نشأ عن عدم قدرتِه على التفريق بينهما، إذ لا سلطان له في مكة، فما هو ردُّكم على ذلك؟

 

الجواب:

الروايةُ المشارُ إليها مرويَّةٌ في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد قال: رُويَ أنَّ عليَّ بن الحسين (ع) سُئل عن هذا -إيمان أبي طالب- فقال (ع): "واعجبا إنَّ اللهَ تعالى نهى رسولَه أنْ يُقرَّ مسلمةً على نكاحِ كافر، وقد كانت فاطمةُ بنتُ أسدٍ من السابقات إلى الاسلام، ولم تزلْ تحت أبى طالب حتى مات"(1).

 

فالإمامُ (ع) -لو تمَّت هذه الرواية- لم يستدلَّ بالأيات المانعةِ من إقرار المسلمة على نكاح الكافر حتى يُقال إنَّ الآيات مدنيَّة، وإنَّما أفاد (ع) أنَّ اللهَ تعالى نهى رسولَه (ص) عن إقرار المسلمة على نكاح الكافر، ونهيُ اللهِ تعالى رسولَه (ص) يكونُ بالقرآن ويكون بغيرِه، فالكثيرُ من نواهي اللهِ تعالى قد تلقَّاها الرسولُ (ص) عن ربِّه بغير القرآن المجيد. فالحكم بحرمة إقرار المسلمة على نكاح الكافر ثابتٌ في شريعة الاسلام -بمقتضى هذه الرواية- قبل نزول الآياتِ بذلك.

 

ولتوضيح مفاد الرواية نقول:

إنَّ الإمامَ استدلَّ على إيمان أبي طالب بمقدِّمتين إحداهما بمثابة صغرى القياس المنطقي وهي أنَّ فاطمةَ بنتَ أسد كانت من السابقات إلى الإسلام، فكان إسلامُها في أوائل الدعوة، وظلَّت في عهدة أبي طالب إلى أنْ مات في السنةِ العاشرة من البعثة النبويَّة وقد أقرَّ النبيُّ (ص) زوجيَّتها له إلى أن رحل أبو طالبٍ إلى ربِّه.

 

والمقدِّمة الثانيَّة والتي هي بمثابة كبرى القياس المنطقي هي حرمة إقرار المسلمة على نكاح الكافر. فتكونُ النتيجة هي إسلامَ أبي طالب، لأنَّه لو لم يكن مسلمًا لما أقرَّ النبيُّ (ص) نكاحَ فاطمةَ منه.

 

ودعوى أنَّ النبيِّ (ص) غيرُ قادرٍ على التفريقِ بينهما حيثُ لا سلطةَ له في مكةَ جوابها:

 

أولًا: إنَّ النبيِّ (ص) وإنْ لم تكن له سلطة في مكة ولكنَّه قادرٌ على أنْ يأمرَ فاطمة بنت أسد باعتزال أبي طالب وطلبِ الطلاق منه، فهي مسلمة وتمتثلُ أوامر النبيِّ (ص) وحيثُ لم يفعل فذلك يكشفُ عن إسلام أبي طالب.

 

وثانيًا: وهو الأهم أنَّ الإمام (ع) لم يستدلَّ بعدم التفريق حتى يُقال بأنَّه لم تكن للنبيِّ (ص) سلطةٌ على أحدٍ في مكة وإنَّما استدلَّ الإمامُ بإقرار النبيِّ (ص) لهذا النكاح، وإقرار النكاح وعدمُه لا يفتقرانِ إلى سلطة، إذ أنَّ معنى إقرار النكاح هو اعتبارُه صحيحًا وقائمًا والتعاطي معه على أنَّه صحيحٌ وقائمٌ، وهذا لا يفتقرُ إلى أنْ تكونَ للنبيِّ (ص) سلطةٌ على أحد.

 

فالإمامُ يستدلُّ على إسلام أبي طالب بفعل النبيِّ (ص) وأنَّه كان يتعاملُ مع فاطمةَ بنتِ أسد طيلة عشر سنين على أنَّها زوجةٌ لأبي طالب وأنَّه لم يطرأ على زواجِهما ما يستوجبُ الفسخَ والبينونة، ولم يكن للنبيِّ (ص) أنْ يفعلَ ذلك لولا أنَّ أبا طالب (ع)  كان مسلمًا.

 

هذا هو مفاد الرواية المنسوبة للإمام زين العابدين (ع).

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- شرح نهج البلاغة -ابن أبي الحديد المعتزلي- ج14 / ص69.