مسائل حول ابن الزنى

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

من هو ابن الزنى

المسألة:

ما هو الضابط الشرعي الذي يكون معه الولد من أبناء الزنى؟

 

الجواب:

ابن الزنى هو من أُحرز بوسائل الإثبات الشرعية أن تولُّده كان بواسطة السفاح والفجور، أي أنَّ نطفته قد انعقدت في رحم أمه بمعاشرة لم تنشأ عن زواج ولا شبهة وإنما عن سفاح وفجور.

 

ومنه يتضح عدم جواز وصف أحد بأنه ابن زنى لمجرد وصف الناس له بذلك، وكذلك يتضح مما ذكرناه في تعريف ابن الزنى أنه ليس كل لقيط يكون من أبناء الزنى لاحتمال تولُّده بطريق شرعي إلا أن أبويه فقداه أو تعمَّدا تضييع نسبه أو تعمَّد أحدهما ذلك لاعتبارات اجتماعية أو نفسية أو غير ذلك، ولهذا لا يجوز نسبة اللقيط إلى الزنى ما لم يُحرز أنه تولَّد من السفاح.

 

وعلى كل تقدير فاللقيط وابن الزنى لا ذنب لهما ولا يُحمَّلان تبعات أبويهما. وقد قال الله تعالى ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ﴾(1) وورد عن الرسول (ص) أنه قال: "ليس على ولد الزنى من وزر أبويه شيء"(2).

 

تربية اللقيط

المسألة:

لو أن أحدًا وجد ولدًا لايُعرف له أب فأخذه وربَّاه، فهل يجوز له أن ينسبه لنفسه في بطاقة الهوية؟

 

الجواب:

تربية مثل هذا الولد أمر مستحسن ويترتب عليه الثواب الجزيل إلا أنه لا يجوز أن ينسبه لنفسه ويتبنَّاه ويدَّعي أُبوته. قال الله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ / ادْعُوهُمْ لأبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾(3).

 

نعم يجوز له بل يحسن منه أن يضع له اسمًا ويُسمَّي أباه في بطاقة الهويَّة "عبد الله" مثلاً رعايةً لمشاعره وحفاظًا على كرامته، ولا يجوز له تعييره بنسبه أو الإساءة إليه بأي نحوٍ من أنحاء الإساءة، فإن ذلك منافٍ لهدى الإسلام والذي نهى عن الظلم. بل يحسن أن يوصي له من ثلث أمواله.

 

حقوق ابن الزنى

المسألة:

هل حثَّ الدين الاسلامي على احتضان ابن الزنى واعتباره كسائر المؤمنين؟

 

الجواب:

لابن الزنى تمام الحقوق الثابتة للأيتام بنظر الإسلام، فقد أوجب على المجتمع احتضانه ورعايته وتربيته بنحو الوجوب الكفائي، ولو فرَّط المجتمع في هذا الحق وجب على الحاكم الشرعي التصدي لذلك والإنفاق عليه من الزكوات والأموال العامة وتكليف شخص برعاية شئونه إلى أن يكبر ويستقل بتدبير شئون نفسه.

 

وابن الزنى بعد أن يكبر واحدٌ من المؤمنين له ما لهم وعليه ما عليهم، فلا يجوز لأحدٍ انتقاص حقٍ من حقوقه أو الإساءة إليه ولو بكلمة فهو محقون الدم محترمٌ في عرضه وأمواله.

 

فمن تعدى على شيء من ذلك ترتبت عليه الأحكام الشرعية المترتبة على التعدي على غيره.

 

فمن قذفه مثلاً استحق لذلك حدَّ القذف، ومن أهانه كان على الحاكم الشرعي تعزيره وتأديبه -كما هو الشأن لو وقع ذلك من سائر الناس- هذا مضافاً إلى العقوبة الإلهيَّة المترتبة على الإساءة للمؤمن.

 

الحقوق المدنيَّة لابن الزنى

المسألة:

هل يجب حفظ الحقوق المدنية والاجتماعية لابن الزنى كالزواج والعمل وغيرها؟

 

الجواب:

لم يمنع الإسلام من تزويج ابن الزنى أو ابنة الزنى، فللمرأة أن تختار من شاءت من الرجال إذا كان مسلمًا سواءً كان ابن زنى أو لم يكن كذلك، كما أن للرجل أن يختار من شاء من النساء إذا كانت مسلمة بقطع النظر عن منشأ تولُّدها، فاختيار الزوج أو الزوجة شأنٌ يختص به كل من أراد الزواج لذلك ورد عن ابي عبد الله (ع) في الرجل يتزوج ولد الزنى قال: لا بأس .."(4).

 

وعليه فإذا ما قَبِل الرجل مثلاً بابنة زنى زوجةً فحينئذٍ يتعين عليه رعاية جميع الحقوق الزوجية معها وكذلك العكس، فلا يجوز إنتقاص شيء من حق الزوجة أو الزوج لمجرد تولُّده من الزنى.

 

وأما الحقوق المعبَّر عنها بالمدنية فهي ثابتة لابن الزنى على حدِّ ثبوتها لغيره ولهذا ورد عن أبي عبد الله الصادق (ع) انه قال: ولد الزنى يُستعمل إن عمل خيرًا جُزي به وإن عمل شرًا جُزي به"(5).

 

فلابن الزنى حق التملُّك وحق التكسب والعمل والمواطنة، وله حق الميراث من زوجته وأولاده ومن يتقرب بهما. نعم لا يحق له أن يرث من أبيه الزاني كما أن الزاني لا يرث منه أيضًا.

 

النصوص الدينية في ابن الزنى

المسألة:

هل يُسمح لابن الزنى بالحج والحضور في المساجد ومراقد الأئمة (ع) دون تحفظ؟

 

الجواب:

نعم، الحج فريضة على كلِّ مسلم مستطيع، ولا صلة في ذلك بمنشأ تولُّده، وأمَّا الكون في المساجد والعتبات المقدسة فهو أمرٌ راجح ومستحب لكلِّ مسلم بقطع النظر عن منشأ تولده.

 

ولعلَّ منشأ هذا السؤال هو توهُّم نجاسة ابن الزنى، وهو توهمٌ خاطئ، فابنُ الزنى إذا كان مسلمًا فهو طاهر بإجماع الفقهاء، ولهذا كان له حق الدخول لكلِّ موقعٍ من المواقع الإسلاميَّة المقدسة.

 

وأمَّا دعوى انتقاص النصوص الدينية لابن الزنى فهو ليس صحيحًا وقد تقدَّم منا نقلُ ما ورد عن الرسول (ص) من أنَّه: "ليس على ولد الزنى من وزر أبويه شيء".

 

نعم وردت بعض النصوص تُعبِّر عن أنَّ ابن الزنى غالباً ما يكون فاسقاً وعدوانيًّا ذلك لأنَّه يستشعر النقص والضِّعه فينعكس ذلك على سلوكه ومعتقده، ولأنَّ المجتمع غالًباً ما يُسيء المعاملة لابن الزنى ويخدش في مشاعره وكرامته لذلك فهو ينشأ انتقاميًّا قاسيًا يُضمر الكيد والحقد لكلِّ أبناء المجتمع خصوصًا المتميِّز منهم ممَّن يملك مقامًا ساميًا أو كفاءة عالية فيجد أنَّ أكثر شيء يُساهم في تنفيس احتقانه وتبريد غليله هو أن يتعدَّى على ذوي الشأن من الناس، وتلك شيمة كلِّ ذوي العقد النفسيَّة المبتلون بمركب النقص.

 

فالنصوص الدينية التي تصف ابن الزنى بالوضاعة والخسَّة والعدوانية إنَّما تحكي واقعًا أنتجته الثقافة الاجتماعية وطبعية السلوك الذي يمارسه المجتمع مع ابن الزنى، فإذا كان في ذلك من جناية فالذي يتحمَّلها الزاني من الأبوين بالدرجة الأولى والمجتمع بالدرجة الثانية حيث لم يلتزم بهدي الإسلام الذي نهى عن الإساءة لابن الزنى.

 

وأمَّا حرمانه من بعض المناصب الشرعية كالقضاء وإمامة الجماعة فمنشأه ظاهرًا ما ذكرناه من أنَّ ابن الزنى ونظرًا لاستشعاره النقص فإنَّه ينشأ عدوانيًّا غالبًا أو فاقداً للاتِّزان، ومثل هذه المناصب لا تُعطى محاباةً، فالإسلام لا يُجازف بأغراضه رعايةً لمشاعر يمكن تقويمها بتفهم الملاكات التي ينطلق عنها الدين.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- سورة فاطر / 18.

2- المستدرك -الحاكم النيسابوري- ج4 / ص100.

3- سورة الأحزاب / 4-5.

4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج20 / ص443.

5- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج20 / ص442.