المشيُ على الجَمْر

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

شيخنا هل تُؤيدون ما يفعلُه بعضُ الأخوة من المشي على الجمر مواساةً لأطفال الحسين (ع) ونسائه ليلة الحادي عشر من شهر محرَّم؟

 

الجواب:

نحن وإنْ كنا نتفهَّم المشاعرَ الصادقة التي ينبعثُ عنها هؤلاءِ الأخوة إلا أنَّ ذلك لا يُبرِّر لنا تصحيح هذا العمل، فهو عملٌ مرجوح ومُسيء ويُساهم في إدخال الوهن على المذهب الشريف، فالكثيرُ من الناس إنَّما يحكمون على التشيُّع من خلال المظاهر التي يُمارسُها المعتنقون لهذا المذهب ولا شأن لهم بجوهره، ولذلك ينبغي علينا أنْ لا نُقدِّم لهم الذرائعَ للنيل من مذهبنا أو إساءة الظنِّ فيه وذلك من خلال القيام ببعض الممارسات غير المبرَّرة عقلائيًّا، نعم لو كان ثمةَ من عملٍ ثبتَ عن أهل البيت (ع) أنَّهم دعوا إليه وأمروا به فإننا نلتزم بذلك وإنْ لم يتفهَّمه الناس إلا أنَّ الأمر فيما يرتبط بمثل المشي على الجَمر ليس كذلك، فلم يأمرْ به أهلُ البيت (ع) لا بنحوٍ الخصوص ولا هو داخل تحت بعض الأوامر العامَّة.

 

فالأمرُ بإقامة الحِداد والجزع على الإمام الحسين (ع) وإن كان عامًّا إلا أنَّه مقيَّد بقيدٍ لبِّي مفادُه أنْ لا يكون مصداقُ الحداد والجزع منتجًا لنقيض الغرض.

 

فإذا كان الغرض من الأمر بإقامة العزاء والحداد على الإمام الحسين (ع) هو تخليد نهضته في ذاكرة الأمة ليتمثَّل الناس بقيَمِها ومبادئها فمعنى ذلك أنَّ كلَّ ما يُساهم في التشويش على هذه النهضة المباركة أو توهينِها أو التقليلِ من تأثيرها يكون خارجًا عن عموم الأمر بإقامةِ العزاء والحِداد على الإمام الحسين (ع).

 

بل يُمكن أنْ نستفيدَ من بعض وصايا الإمام الحسين (ع) للسيِّدة زينب (ع) ما يؤيد عدم إرادة العموم من الأمر بالجزع والحِداد على سيد الشهداء (ع).

 

روى الشيخ المفيد في الإرشاد أنَّ الإمام الحسين (ع) قال للسيدة زينب (ع): ".. إني أقسمتُ عليك فأبرِّي قسمي، لا تَشقِّي عليَّ جيبًا ولا تخمشي عليَّ وجهًا، ولا تدعي عليَّ بالويل والثبور"(1).

 

وروى السيد ابن طاووس في اللهوف وكذلك غيره انَّ الإمام (ع) قال للسيدة زينب (ع): "لا تشمتي القوم بنا"(2).

 

فالرواية الثانية تُعبِّر عن أنَّ لرؤية الآخرين اعتباراً في رجحان الفعل أو مرجوحيته، فالفعل الذي يكون مباحًا في نفسِه قد يُصبح مرجوحًا لو ترتَّب على القيام به السخريةُ أو الشماتة، نعم لو ثبت استحبابُ شيءٍ أو وجوبه شرعًا فإنَّ شأنَه حينئذٍ يكون مختلفًا إلا أنَّ ما نحن بصدد الحديث عنه ليس كذلك.

 

وأمَّا الرواية الأولى فهي تُؤيد أنَّ الجزع المأمور به على الإمام الحسين (ع) ليس هو مطلق الجزع، والقدر المتيقَّن الخارج عن عموم الأمر بالجزع هو المنافي لملاك الأمر بالجزع على الحسين الشهيد (ع).

 

ختامًا أدعو الأخوة ومن منطلق المسئوليَّة الدينية أنْ لا ينساقوا وراءَ عواطفِهم ومشاعرِهم رغم صدقِها فيغفلوا عمَّا حولهم وعن الحكمة من إقامة العزاء على سيد الشهداء (ع) فإنَّ أسوأ شيءٍ يفعله المُحب لمَن أحبَّ هو أن يُسيء إليه من حيثُ يتوهَّم أنه يُحسِن.

 

أخذ اللهُ بأيدينا وأيديكم إلى ما فيه الخيرُ والصلاح.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج2 / ص451-452.

2- اللهوف في قتلى الطفوف -السيد ابن طاووس- ص55.