هل قطع الأكبر رأس ابن غانم!!

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

شيخنا الكريم يتناقل الخطباء خبرًا تأريخيًّا وهو أنَّ الشهيد عليَّ بن الحسين الملقَّب بالأكبر برز له رجلٌ يوم كربلاء يُقال له بكر بن غانم وكان رجلاً شجاعًا قويًّا فكانت بينه وبين عليّ الأكبر جولات انتهت بسقوط الرجل قتيلًا، وحينها نزل الأكبر واحتزَّ رأس الرجل وحمله على رمحٍ كان عنده وعاد به إلى الحسين (ع)، فهل هذا الخبر ثابت وصحيح أم لا؟

الجواب:

بعد البحث في المصادر المعتمدة والمقاتل التي كتبها المؤرِّخون من الفريقين لم نجد لهذا الخبر عينًا ولا أثراً، فلعلَّ الخطباء اعتمدوا في نقله على ما يكتبه القصَّاصون الذين غالبًا ما ينسجون الأخبار من مخيَّلتهم.

والمضعِّف الآخر للخبر المذكور هو اشتماله على ما يُنافي مقام الشهيد عليِّ بن الحسين الأكبر (ع) فقطعُ الرأس وحمله من أجلى مصاديق المُثلة والتي ثبت بالضرورة الفقهيَّة حرمتها.

فلا يُمكن أنْ نقبل بدعوى صدور هذا الفعل من مثل الشهيد عليٍّ الأكبر، وذلك لمعرفتنا بجلالة قدره وسعة علمه وفقهِه خصوصًا وأنَّ الخبر المذكور تضمَّن دعوى أنَّ الأكبر قد حمل الرأس إلى الحسين (ع) فلو فرضنا إمكانيَّة صدور هذا الفعل من الأكبر فإنَّ من غير المُمكن القبول بعدم ردع الإمام الحسين (ع) عن هذا الفعل وإظهاره الرضا به كما هو مقتضى لحن الخبر المذكور، فعصمةُ الإمام الحسين (ع) ومسؤوليته الدينية تُحتِّم عليه الردع أو التعبير عن عدم الرضا لو اتَّفق صدور الفعل من أحد أنصاره فضلاً عن صدوره من أحد أبنائه.

نعم، يمكن احتمال صدق الخبر لو قيل إنَّ سقوط الرأس نشأ عن ضربات عليٍّ الأكبر لعنق الرجل أثناء المنازلة إلا أنَّ الخبر المذكور لم يكن كذلك، ولعلَّ أصل الخبر كان بهذا النحو إلا أنَّ الكاتب أضفى عليه من مخيَّلته ما أنتج وصوله إلينا بهذه الصورة.

على أنَّ ثمة مبعِّدًا آخر لوقوع الحدث المذكور، وهو أنَّ من غير المتعارف عليه في الحروب قطع الرؤوس إلا بعد أنْ تضع الحرب أوزارها، وذلك لأنَّ النزول للمعركة لقطع رأس مقاتلٍ والحرب قائمة يعني حتميَّة الهلاك أو على أقل تقدير فيه مظنَّة الهلاك خصوصًا في مثل واقعة الطف حيث لم يكن بين الجيشين تكافؤ، فالنزول لقطع رأس مقاتلٍ يعني الذهول عن المعركة ولو لوقتٍ يسير، وهو يكفي لأنْ يُباغته أحدُ المقاتلين بضربةٍ أو طعنة أو يطيش سهم فيقعُ في مقتلٍ من مقاتله.

وافتراض وجود حمايةٍ كافية حين نزول الأكبر لقطع رأس الرجل يُبعِّده الوقوف على التفاوت الهائل بين الجيشين في العدد والعُدة. على أنَّ الحادثة وقعت -بحسب ما يسوقه الخبر- بعد أن لم يبقَ من أنصار الحسين(ع) سوى عددٍ يسير من الهاشميين.   

ولو تجاوزنا كلَّ ذلك فإنَّ الخُلُق الرفيع وسموُّ الذات الذي كان يمتاز به أهل البيت (ع) يحول دون الوثوق بوقوع الحدث المذكور، فلا يسعنا إلا أنْ نقول بسقوط هذه الخبر عن الاعتبار، وبأنَّ نقله إساءةٌ لمقام الشهيد عليِّ بن الحسين الأكبر (ع) والذي شيَّعه أبو عبد الله الحسين حين أراد النزول للمعركة بقوله: "اللهمَّ اشهد على هؤلاءِ القوم فقد برزَ إليهم غلامٌ أشبهُ الناس خَلقاً وخُلُقاً ومنطقاً برسولك (ص)(1).

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور

 


1- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج45 / ص43.