حوار حول علامات الظهور

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآلِ محمّد

س1:

تداولت الألسن والأقلام موضوع قيام الإمام الحُجَّة (ع)، وإسقاط علامات ظهوره على مكوِّنات عصرنا الحاليّ، فمنهم من ذَهَبَ إلى قُرب المَوعد، ومنهم من ذهب إلى تحديد وَقت الموعد، فما رأي سماحتكم في ذلك حسب اطّلاعكم على الرّوايات؟

 

ج1:

أمّا العلامات العامّة كظُهور الفسادِ وشُيُوعِهِ في عموم المعمورة وتفشِّي الفاحشة وصَيْرورة المعروف منكرًا والمنكر معروفًا وتعطيل الحدود وبسط الظُّلمِ والاستبدادِ وهَيمنته على الأرض وضُمور العدل والصلاح وغيرها من العلامات العامَّة التي ورد في الروايات أنَّها تسبِقُ الظُّهور المُبارك فإنَّه مِمَّا لا مجال للتوقّف في وقوعها خارجًا وإنْ كان من المُحتمل قريبًا أن تتجلّى هذه العلائم بأكثر ممّا هي عليه فعلاً في مستقبل الأيام التي يعلم اللهُ تعالى مداها.

 

وأمَّا العلامات التَّفصيليّة فهي على نحوين:

الأوّل: ما ثبت أنَّه من علامات الظُّهور إمّا بالتَّواتر أو بالرِّوايات المعتبرة، وذلك مثل الصَّيحة وظُهُور السُّفياني فأكثرُهُا بِحَسَب الظَّاهر أنَّه لَمْ يَقَع مِنْها شَيءٌ، وما يُدَّعى من إِسْقاط بعض العلامات المَذكُورة في الرِّوايات على بعض مَا يَقع خارجًا من أحداث لا يخلو عن كونه تخرّصات وتخمينات لا يصحُّ التعويل عليها، فإنَّ العلامةَ لا بدَّ وأن تكون بيِّنةً وإلاّ لم تكن صالحة لأنْ تكون علامة.

 

والثاني: هو ما لم يثبت أنَّه من علامات الظُّهور، وذلك لأنَّ الروايات التي تصدَّت للإخبار عن علاميَّتها فاقدةٌ لشرط الإعتبار، فمثل هذه العلامات لا يصحُّ الإعتداد بها حتى لو اتّفق وقوعها خارجًا، على أنّ ادّعاء وقوع بعضها لا يعدو التخرُّص المُعتمِد غالبًا على الظُّنون أو حتَّى الأوهام.

 

وأمَّا دعوى قُرب الظُّهور فَهُوَ قريبٌ بِلا رَيبٍ نَظَرًا لوقوعِ الكثير من العلامات العامَّة إلا أنَّ هذا القُرب نسبيٌّ بمعنى أنّه لو لاحظنا نسبةَ زمن الظُّهور إلى بداية الغيبة الكُبرى ونسبته إلى زماننا لكانت نسبته إلى زماننا أقربَ منه إلى بداية الغيبة الكبرى.

 

وعليهِ لا يسوغ لأحدٍ التَّوقيت لأنَّه يكون من الرَّجم بالغيب ولأنَّ الرِّوايات التي وردت عن أهل البيت (ع) قد نهت عن التَّوقيت وأفادت أنَّ ظهوره (ع) بغتة وأنَّ الموقِّتين ملعونون.

 

س2:

لا شك أنَّ غِياب الإمام (ع) عن أنظار شِيعته ومُحِبِّيه فَرضَ عليهم سُلوكيَّات وأموراً يتحتَّم عليهم إتَّباعها لِيُمَهِّدوا لظهورِهِ، فما الذي ينبغي بنظر سماحتكم عمله في زمن غيبة الإمام لنكون عند رضاه؟

 

ج2:

ثَمَّةَ رِوَايات كثيرة ومعتبرة أفادت أنَّ من أفضل الأعمال في زمن الغيبة هو انتظارُ الفَرَجِ، والانتظارُ يَعنِي التَّرقُّبَ، والتَّرقُّب لا يَكُون إلاَّ مَعَ استشعار الهَمّ والخشية من عدم إدراك الغاية واستشعار الشَّوق الشَّديد لبلوغ الغاية وهو ما يستلزم الاستعداد الدَّائم لتحصيل اللَّياقة التَّامَّة التي تُؤهِّل الوَاجِدَ لها لأنْ يكون في صفوف المنتصِرين لوليِّ الله الأعظم، فهذا هو معنى الإنتظار للفرج الذي وَصَفَتْهُ الرِّوايات بأنَّه أفضلُ الأعمالِ في عصر الغيبة.

 

ورد عن أبي عبد الله (ع) أنَّه قال: "مَن سَرَّهُ أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالوَرَعِ ومحاسِنِ الأخلاق وهو مُنْتَظِر، فإنْ مَاتَ وقام القائم بعده كان له من الأَجْرِ مثل أجرِ مَن أدْرَكَهُ، فجِدُّوا وانتظروا، هنيئًا لكم أيَّتُها العِصَابة المَرحُومَة"(1).

 

س3:

سمعنا أنَّه عند خروج الإمام يُنكِرُهُ أقوام كانوا متمسِّكينَ بِه، ويتَّبِعَهُ آخَرُون لم يكونوا يعرفونه، فكيف يكون ذلك في تصوُّركم؟

 

ج3:

إنَّ مَن سيتنكر للقائم من الشّيعة هو مَن كان إيمانُهُ به مستودَعاً ليس له قرار، وأمَّا أهلُ البصائر فكُلما تمادى الزَّمان إزداد إيمانُهُم به ثباتاً واستحكامًا، فهؤلاء هم من سيكونون في ظِلِّ رايَتِهِ يَأتمِرُون بِأمرِهِ ويَنتهون عند نهيه، عيونُهُم تَرمُقُ أناملَهُ فهم طَوعُ إشارته ورهنُ إرادته لا يشطُّون عنه قيد شعرةٍ يتواثبون على المَوت دُونه، فهم يستمرؤنهُ ويستعذبونه، لأنَّهم يَجِدُونَ فيه رِضَا مَعشُوقِهِم الذي يحرصون على نوالِه حرصَ الوالهِ على نوال ما يصبو إليه.

 

فهؤلاء هم شيعة القائم (ع) الحقيقيون لذلك لا بُدَّ من تمحيصهم وتمييزهم عمَّن دونهم.

 

ورد عن جابر الجعفي قال: "قلتُ لأبي جعفر(ع): متى يكون فَرَجُكُمْ؟ فقال (ع): هيهات هيهات، لا يكون فَرَجُنَا حتى تُغربلوا ثم تُغربلوا ثم تُغربلوا، يقولها ثلاثًا حتَّى يُذهب اللهُ تعالى الكَدَر ويبقى الصّفو"(2).

 

س4:

مِن المَعروف أنَّ الإسلام نزل على رسول الله (ص) وهو المعصوم، وكان المُطَبِّقَ الأوَّل له والصَّائِنَ والحافظ لَهُ مِن أن تَشُوبَهُ شائبة، وانتقلت هذه المهمة إلى الأئمة الطَّاهرين عليهم السَّلام حتَّى غياب الحُجَّة، ثُمَّ إلى رواة أحاديث أهل البيت المتوفرة فيهم الشّروط حتى عصرنا الحاضر، وهم بطبيعة الحال غير معصومين في قرائتهم وفهمهم لتاريخ الأئمة وتعاملهم مع أحكام زمانهم، فهل تجدون أنَّ هناكَ تباينٌ في فَهم الإسلام نَتَجَ عنه خطوط ومناهج إسلامية متباينة؟ وأيُّ فهمٍ ومنهجٍ يَجِبُ أنْ نلتزِمَ بِه؟

 

ج4:

إنَّ غياب الإمام الحجة (ع) كان بعد أكثر من قَرنين مِنَ الزَّمن مَارَسَ فيه الأئمة الإحدى عشر بعد الرَّسول الكريم (ص) التَّبليغ والإيضاح لمعالم الدِّين وتفاصيل الشَّريعة ثم جاء عصرُ الغيبة الصغرى وامتدَّ لما يقربُ من سبعين سنةٍ نهض فيها الإمام القائم(ع) بنفس الدَّور الذي كان يَطَّلِعَ به الأئمة اللذين سبَقوه ولكنَّ ذلك تمَّ بواسطة السُّفراء الأربعة وبعد أن شاءت الإرادة الإلهية أن تبدأ الأُمَّةُ عصراً جديداً هو عصرُ الغيبةِ الكُبرى لم يبقَ شيئٌ من معالِمِ الإسلام وتفاصيل الشَّريعة ممَّا أراد اللهُ إيصالَهُ إلى عباده إلاَّ وقد تَمَّ إِيْصالُهُ.

 

لذلك فالنَّهجُ الذي عليه فقهاؤنا في خطوطه العَّامة وفي معظم تفاصيله هو ما كان عليه الأئمة المعصومون (عليهم السلام) والاختلاف في بعض التفاصيل أمرٌ يقتضيه تطاول الزَّمان وغيابُ بعض النُّصوص واختلافُ الأفهام والاجتهادات، ولكنَّ ذلك لا يَعْدُو الجُزئِيَّات, فهو لا يَمسُّ النَّهجَ، فليس ثَمَّة من تباينٍ في أُصُول العقيدة ولا في الرُّؤية الدِّينيَّة لوقائع الحياة ولا في أَكْثَرِ الفُروعِ الشَّرعية، وإذا كان ثَمَّةَ مِنَ اختلافٍ فَهُوَ لا يَرْقَى لمستوى التَّشْطِير العَقِيدِي أو في المَنْهَج.

 

وهذا الأمر أوضحُ مِنْ أَنْ يَخفى على مَن له أدنى تَأَمُّل فيما عليه واقِعُ الفُقَهَاء الشّيعَة مُنْذُ بِدَايَاتِ عَصْر الغَيبة إِلى يومنا هذا.

 

والحمد لله ربّ العالمين

 

حوار مجلّة المركز الحسيني مع سماحة الشيخ محمّد صنقور حول علامات الظهور

25 رجب 1428 هـ


1- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج 52 ص 140.

2- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج 52 ص 113.