هل في تشريع سهم السادة تمييزٌ طبقيٌّ أو قبلي؟!
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وخاتم النبيين، حبيب إله العالمين، أبي القاسم محمد (ص)، وعلى آله الأخيار الأبرار، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا. اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم، وأكرمنا بنور الفهم، وافتح علينا أبواب رحمتك، وانشر علينا خزائن علومك.
قال تعالى في محكم كتابه المجيد:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(1)
صدق الله مولانا العلي العظيم
تحدَّثنا في جلستين سابقتين عن تشريع الخمس، وقلنا إنَّ هذه الآية الشريفة أوضحُ دليلٍ على تشريع الخمس، كما أنّها ظاهرةٌ في أنّ وجوب الخمس ثابتٌ في مطلقِ الغنيمة، والتي تشمل غنائمَ الحرب، وأرباحَ المكاسب، والكنز، والمعدن، وغيرها من الغنائم التي يغنمها الإنسان من قليلٍ أو كثير، ثم أثبتنا ذلك من خلال ما ورد عن رسولِ الله (ص)، وما ورد عن أهلِ بيتهِ (ع)، واتَّضح من مجموع ما ذكرناه أنّ الخمسَ واجبٌ في مطلق الغنيمة، وفي كلِّ ما أفاد الناس من قليلٍ أو كثير.
ونتحدَّث في هذا اليوم عن مصرف الخمس، أين يُصرف؟ وكيف يُصرف؟
طبعًا الآية المباركة أوضحت أنّ الخمسَ يُقسّم إلى ستة أسهم، السهم الأول يكونُ لله -عز وجل-، والسهم الثاني يكون لرسولهِ (ص)، والسهمُ الثالث يكون لذوي القربى وهم أهل البيت (ع) -أعني الأئمةَ المعصومين (عليهم السلام)-، وأما الأسهم الثلاثة الأخرى فهي لليتامى والمساكين وابن السبيل، والمقصود كما يذكر الفقهاء تبعًا للروايات، وبما ثبت من سنَّة رسول الله (ص)، أنَّ المقصود من الآية ليس هو مطلقَ اليتامى، ولا مطلقَ المساكين وليس كلُّ أبناء السبيل هم مصرف الخمس، وإنَّما المقصود من هذه الأصناف هم السادة، يعني المساكين من السادة، واليتامى من السادة، وأبناء السبيل من أبناء السادة -زادهم الله عزًا وشرفًا-، وأما اليتامى والمساكين وأبناء السبيل من غير أبناء السادة فيُصرف لهم من الزكوات، هذه هي الأسهم الستة التي يُقسَّمُ عليها الخمس.
نبدأُ الحديث عن الأسهم الثلاثة الأخرى، وهي أسهم اليتامى والمساكين وأبناء السبيل من أبناء السادة -أعزَّهم الله-، طبعًا ليكن معلومًا أنَّه ليس كلُّ مَن انتسب إلى رسول الله (ص) يستحقُّ الخمس، كما يتوهَّم ذلك البعض، وكما يُروِّج لذلك بعضُ لا خبرة له بفقه أهل البيت (ع) ليس كما يُروِّج هؤلاء أنَّ الخمس لمطلق السادة، الخمس إنَّما يثبت ويُعطى للمنتسب لرسول الله (ص) إذا توفَّرت فيه عددٌ من الشروط:
الشرط الأول: أنْ يكون مؤمنًا:
ما من كان منحرفًا عن خطِّ الله تعالى وعن خطِّ رسول الله (ص)، ومُعتقِدًا غير ما اعتقد به أهلُ البيت (ع) فهذا لا يُعطى من حقِّ السادة حتى وإنْ كانت قرابتُه قريبةً من رسول الله (ص)، هذا هو المراد من الإيمان والذي هو شرط الاستحقاق.
الشرط الثاني: ألا يكون متجاهرًا بالفسق:
سهم السادة لا يُعطى -احتياطا- لمَن يتجاهر بالمعصية، ولمن يصرُّ على الذنب، وإنَّما يُعطى للمنتسب لرسول الله (ص) إذا التزم سلوك رسول الله (ص) وسلوك أهل البيت (ع)، ولم ينحرف عن ما أمر به اللهُ -عزَّ وجل-، ولم يفعل ما نهى عنهُ اللهُ ورسوله (ص)، نعم لو ارتكب معصية غير مصرٍّ عليها، أو كان ذلك عن ضعفٍ غير متجاهرٍ بها، وغير متمادٍ فيها فلا بأس من إعطائه من حقِّ السادة، أما الإنسان الذي يتجاهر بكبائر الذنوب ويتحدى الله ورسوله (ص)، ومن خلع عن نفسه ثوب الحياء، كالزاني، والشارب للخمر، والمرتكب للكبيرة والمصرِّ عليها، فهؤلاء لا يُعطون من حقِّ السادة احتياطًا حتى ولو كانوا من أقرب الناس نسبًا إلى رسول الله (ص).
الشرط الثالث: الفقر:
ما بيَّنت ذلك الآيةُ المباركة، فحقُّ السادة إنَّما يُعطى لليتيم الذي لا يملك قوت سنته، والمسكين الذي لا يملك قوت سنته -وهو الفقير طبعًا-، وكذلك أبناء السبيل وهم مَن انقطع بهم السفر عن أموالِهم وعن أهليهم، بحيث لا يتمكنون من الاستفادة من أموالهم وأهليهم نظرًا لسفرهم، فلو أنَّ أحدًا سافر إلى بلدٍ بعيد وسُرقت أموالُه، أو ضاعت، أو تلفت أو نفدت، ولا يتمكن من العودة إلى أهله، وكان من بني هاشم فإنَّه يُصرف له من حقِّ السادة ما يؤهله للرجوع إلى وطنه.
إذن هذه شروطٌ ثلاثة إذا توفَّرت في المنتسبين لرسول الله (ص) كانوا من المستحقِّين للأسهم الثلاثة التي ذكرناها، طبعًا نريد أن نؤكد على أمر هنا، لندفع وهمًا مثارًا عند البعض، وهو أنَّ سهم السادة وإنْ كان يُعطى لهؤلاء الأصناف الذين ذكرناهم، ولكن إنَّما يُعطون بمقدار ما يسدُّ حاجتهم ليس أكثر، فلا يجوز كما يفتي جميع الفقهاء (رض) لا يجوز أن يُعطى السيد أكثر من مؤنة سنته، بحيث يُصبح ثريًّا، إنَّما يُعطى مقدار ما يسدُّ حاجته، ويكتفي بذلك عن سؤال الناس، فيُعطى -على الأكثر- ما يكفيه لمؤنة سنةٍ كاملة هو وعياله، لا أكثر من ذلك، عينًا كما هو حال الفقير غير المنتسب لرسول الله (ص)، فإنَّه يُعطى من الزكاة ما يسدُّ حاجته، وبمقدار ما يكفيه لمؤنة سنته هو وعياله، غايته هو أن الفقير من المنتسبين للرسول (ص) يُعطى من الخمس، وأما غير المنتسبين فيُعطون من الزكوات، فالفرق بين الموردين يتمحض في مصدر سدّ الحاجة، فمصدر سدِّ الحاجة للمنتسبين للرسول (ص) يكون من الخمس، ولغير المنتسبين يكون من الزكاة، وإلا فلا فرق بين الفقير المُنتسب للرسول (ص)، والفقير غير المنتسب للرسول (ص).
وبذلك يتَّضح فسادُ ما يُروّجُه البعض خلافًا للقرآن وخلافًا لسنَّة رسول الله (ص) ولسيرته، يقولون إنَّ صرف الخُمس للمنتسبين لرسول الله (ص) تكريسٌ للطبقيَّة، عجب! كيف يكونُ تكريسًا للطبقيَّة؟! هل وجدتم أنَّ أحدًا من أبناء السادة أصبح من الأثرياء المتملّين ومن أصحاب رؤوس الأموال بسبب ما يُعطى له من سهم السادة؟! إنّ من يملك قوت سنته لا يُعطى فلسًا واحدًا من حقِّ السادة، وإن كان أقرب الناس من رسول الله (ص)، هذا هو شرعُ الله، وهذا هو ما ينصُّ عليه أهلُ البيت (ع) وينصُّ عليه فقهاءُ أهل البيت، كلُّ مَن يملكُ قوت سنته من أبناء السادة لا يُعطى درهمًا واحدًا، فكيف تنشأ الطبقية؟! قلنا إنَّ صرف سهم السادة إنَّما يكون لخصوص الفقراء منهم اليتامى والمساكين وأبناء السبيل-، وأما غيرهم فلا يُعطون من حقِّ السادة، على انَّنا أكَّدنا انَّ هذا المسكين وهذا اليتيم إنَّما يُعطى بمقدار ما يسُدُّ حاجته، فكيف تنشأ الطبقية؟! إنَّما تنشأ الطبقية لو كنّا نقول إنَّ سهم السادة بأكمله يُعطى لأبناء الرسول، وللمنتسبين للرسول (ص) بقطع النظر عن ثرائهم أو فقرهم، ثم لا يُحدَّد مقدار ما يُعطون، كلُّ ما هو موجود من سهم السادة يُصرف لهم، ويُعطى لهم، عندئذ تنشأ الطبقيَّة، أو يمكن أن يُدَّعى نشوء الطبقيَّة بذلك. أما إذا كنا نقول إنَّ الفقير من أبناء السادة إنَّما يُعطى ما يسدُّ حاجته وانَّ أكثر مقدارٍ يتقاضاه إنَّما هو مقدار ما يُموّنه في سنةٍ واحدة، عندئذ لا تنشأ الطبقيَّة كما يدّعي هؤلاء.
ثم إنَّ هنا أمرًا تحسنُ الإشارةُ إليه وهو أنَّ أبناء السادة ليسوا معفيِّين من إخراج الخمس، فالمُنتسب لرسول الله (ص) يجبُ عليه تخميس أمواله عينًا كما هو تكليف غيرهم من المسلمين، فليس ثمّة خصوصيَّة لأبناء السادة من هذه الجهة بحيث يُعفون من إخراج الخمس، كما يُعفى المتنفِّذون وأبناء العوائل المرموقة من الضرائب ليس الأمر عندنا كذلك، فأبناءُ السادة كغيرهم، إذا كان لأحدهم أموال ولو كانت قليلة يلزمه أن يُخرج الخمس، ولا يجوز له أن يعطي ذلك أبناءه، ولا أباه، ولا أمه، يجب أن يصرفه على السادة من غير العمودين، من غير من الأبناء والآباء والأمهات، وهذا يؤكِّد أنَّ تشريع الخمس وصرفه على السادة ليس تكريسًا للطبقيَّة كما يدّعون، على أننا لاحظنا أنَّه لو كان الغرض هو تكريس الطبقيَّة فلا فرق بين سيدٍ وآخر، لماذا نقول إنَّ غير المؤمن لا يُعطى؟ وأنَّ مناط الصرف مضافًا إلى الفقر هو الإيمان، وأما المنحرف حتى لو كان قريبًا لرسول الله (ص) فإنَّه لا يُعطى من الحق، ولو كان الغرض هو تكريس الطبقيَّة والروح القبليَّة، لكان كلُّ أحد من أبناء السادة مستحقًا لأن يُصرف له من الخمس، إلا أن الأمر ليس كذلك، فالمنحرف عقائديًا عن الرسول (ص) لا يستحق الخمس، وكذلك قلنا إنَّ المتجاهر? المنحرف سلوكيًا- بالفسق أيضًا لا يُعطى، وهذا ما يُعزِّز قولنا إنَّه ليس في صرف الخمس لأبناء السادة تكريسٌ للطبقيَّة، نعم لو كان يعطى الخمس لمطلق السادة حتى الفسّاق منهم، وغير المؤمنين من المنحرفين، فإنَّه يُمكن أن يُتوهَّم أنَّ هناك تكريسًا للطبقية، إلا أن الأمر ليس كذلك كما أوضحنا ذلك عندما بيّنا شرائط صرف حقِّ السادة.
ثم إنَّ هنا أمرًا آخر نريد أنْ نُلفت النظر إليه أيضًا، نُعزِّزُ به ما ذكرناه، وهو أنَّ أبناء السادة محرومون من الزكوات، وإنَّما يُعطون من الخُمس بدلًا عن الزكاة، فليس للهاشمي أنْ يأخذَ من زكاة الأموال، ولا من زكاة الفطرة، فهو محروم من الزكاة، وفي ذات الوقت هو مُطالبٌ شرعًا بإخراج الزكاة كما هو شأنُ بقية المسلمين، فهو ليس معفيًّا عن إخراج الزكاة، كما هو ليس معفيًّا عن إخراج الخمس، كلُّ ذلك يؤكِّد ما ذكرناه من فساد دعوى أنَّ صرف الخمس لأبناء السادة هو تكريس للطبقية، نعم إنَّما أراد اللهُ تعالى من تشريع الخمس وصرفه على أبناء السادة إكرام الرسول (ص)، أليس يستحقُّ رسولُ الله أن يُكرَّم؟ وإنَّما يُحفظُ المرءُ في ولده، إذا أردت أنْ تكرم أحدًا، فهناك عدد من الوسائل لإكرامه، منها أن تُكرم أولاده، وقد أكّدت الروايات أن الزكوات هي أوساخ الناس، فلا يليق بشأن رسول الله (ص) أنْ يُعطى أبناؤه من أوساخ الناس، لذلك أكرمَ اللهُ تعالى رسوله (ص) أن جعل لفقراء أبنائه موردًا آخر، فليس لهم جميعًا وإنَّما لفقرائهم، ولضعفائهم، ولمساكينهم، وليتاماهم، أكرم اللهُ تعالى رسوله (ص) من طريق ما شرَّعه لأبنائه من الخمس، فالغرض إنَّما هو إكرام للرسول (ص)، وليس إكرامًا لأبنائه بصفتهم الخاصة، وإنما هو باعتبارهم أبناء لرسول الله (ص).
على أنَّ ثمة ما يمنع من تكريس روح القبلية وهو ما أكدت عليه الروايات التي وردت عن الرسول (ص) أهل بيته (ع) من أنَّه لامقام لأحدٍ عند الله ولا تميُّز له على أساس النسب وإنَّما هي التقوى والطاعة لله تعالى، يقول الإمام زينُ العابدين (ع) فيما يُروى عنه: "إنّما خُلِقت النّار لمَن عصى الله ولو كان سيّدا قرشيّا، والجنّة لمن أطاع الله ولو كان عبدا حبشيّا"(2)، فلا فرق بين المنتسبين لرسول الله (ص) وغير المنتسبين من جهة الكرامة، ومن جهة القرب من الله -عز وجل-، "أقربُكم أطوعُكم لربِّه"، ﴿إنَّ أكرمَكم عندَ اللهِ أتقاكم﴾(3)، لا فرق بين الهاشمي و غير الهاشمي حسابهم سواء، من عصى فهو في النار يستحقُّ العقوبة، ويُقام عليه الحدُّ، ولا تميّز له بين الناس، فلا يُعطى منصبًا لأنَّه منتسبٌ إلى رسول الله (ص)، وأما إعطاؤه من الخمس فهو للمناط والملاك الذي ذكرناه، وكذلك يُعطى من الخمس من الأسهم الثلاثة الأولى غير الهاشمي من المؤمنين لسدِّ عوَزهم ورفع ضروراتِهم كما سنبيُّن ذلك فيما بعد إنْ شاء الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
29 / يونيو / 2010م
1- سورة الأنفال / 41.
2- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة -حبيب الله الهاشمي الخوئي- ج9 / ص97، مناقب آل أبي طالب -ابن شهر آشوب- ج3 / ص292.
3- سورة الحجرات / 13.