هل تجب الخطبتان بعد صلاة العيد؟

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

بناءً على استحباب صلاة العيدين ومشروعيَّة الإتيان بها جماعة، فهل تجب فيها الخطبتان بعد الصلاة أو لا تجب؟ وما هو مدركُ ذلك؟

 

الجواب:

المشهور بين الفقهاء أنَّ الخطبتين بعد الصلاة ليستا واجبتين بعد بنائهم على عدم وجوب أصل الصلاة عند عدم حضور الإمام (ع) فيصحُّ الإتيان بصلاة العيد جماعةً دون خطبتين، فهما ليستا واجبتين بالوجوب الشرطي كما أنَّهما ليستا واجبتين بالوجوب الاستقلالي بل هما مستحبتان كما أنَّ صلاة العيد مستحبةٌ بنحو تعدُّد المطلوب. وقد ادَّعى بعضُ الأعلام كالمحقِّق في المُعتبر الإجماع على ذلك.

 

نعم ذهب صاحب الحدائق (رحمه الله) إلى وجوب الخطبتين كما ذهب إلى وجوب الصلاة مطلقاً حتى في عصر الغيبة، واستند في ذلك إلى ما ورد في الفقه الرضوي عن الإمام الرضا (ع) قال: "فإنَّ صلاة العيدين مع الإمام مفروضة، ولا تكون إلا بإمام وبخطبة"(1).

 

وكذلك أيَّد دعواه بما رواه الصدوق في العيون والعلل بسندٍ معتبرٍ عن الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا (ع) قال: "إنَّما جُعلت الخطبة يوم الجمعة في أول الصلاة وجُعلت في العيدين بعد الصلاة، لأنَّ الجمعة أمرٌ دائم وتكون في الشهر مراراً وفي السنة كثيراً، وإذا كثر ذلك على الناس ملُّوا وتركوا ولم يُقيموا عليه وتفرَّقوا عنه، فجُعلت قبل الصلاة ليحتبسوا على الصلاة ولا يتفرَّقوا ولا يذهبوا، وأمَّا العيد فإنَّما هو في السنة مرتين وهو أعظم من الجمعة والزحام فيه أكثر والناس فيه أرغب، فإنْ تفرَّق بعضُ الناس بقيَ عامَّتُهم، وليس هو كثيراً فيملُّوا ويستخفُّوا به"(2).

 

وقد قرَّب التأييد بما حاصله أنَّ الإمام (ع) أفاد أنَّ علة التأخير للخطبتين في العيدين أنَّ صلاة العيدين إنَّما تجب في السنة مرتين لذلك يرغبُ الناس في الحضور ويزدحمون لذلك، ولا يكون الاِلتزام بالجلوس للاستماع للخطبتين مقتضياً للملالة عندهم، وهذا بخلاف الشأن في صلاة الجمعة التي تجبُ في كلِّ اسبوعٍ مرَّة، فلو كانت الخطبتان فيها بعد الصلاة لتفرَّق أكثرُ الناس بعد انقضاء الصلاة، هذا ما افادته الرواية لبيان العلَّة في التأخير للخطبتين في صلاة العيدين والتقديم في صلاة الجمعة، ولو كانت الخطبتان في العيدين مستحبَّتين لكان الأولى التعليل باستحباب الاستماع بأنْ يُقال إنَّ علة التأخير هو انَّ الاستماع للخطبتين مستحب لأنَّهما مستحبَّتان فمَن شاء جلس للاستماع لهما ومَن شاء انصرف إلا أنَّها لم تُعلَّل بذلك، وهو ما يُوجب ظهور الرواية في الفراغ عن وجوب الخطبتين كما هي واجبة في صلاة الجمعة، غايته أنَّهما في الجمعة تكونان قبل الصلاة وفي العيدين تكونان بعد الصلاة.

 

والدليل الآخر الذي استند إليه صاحبُ الحدائق (رحمه الله) لدعواه الوجوب للخطبتين ما ورد في بيان كيفية صلاة العيد حيث اشتملت الروايات المتصدِّية لذلك على ذكر الخطبتين وهو ما يقتضي استظهار أنَّهما دخيلتان في الماهية المُعتبرة في صلاة العيدين وأنَّ صلاة العيدين لا تتمُّ إلا بهما.

 

إلا أنَّ شيئاً مما أفاده لا يتم، فإنَّ ما ورد في الفقه الرضوي غير معتبَرٍ حيث لم يثبت أنَّه رواية عن الإمام الرضا (ع) ولو ثبت فإنَّه غير معتبرٍ أيضاً للجهل بالسند.

 

وأمَّا الجواب عن تأييده دعواه برواية الصدوق فهو أنَّها:

أولاً: ليست ظاهرة في انحصار علَّة التأخير فيما أفادته الرواية فيمكن أنْ تكون العلَّة المذكورة هي إحدى علل التأخير وتكون العلَّة الأخرى هي استحباب الخطبتين، واقتصارُ الإمام (ع) على بيان العلَّة المذكورة كان لكفايتها في الإقناع بالجعل الشرعي.

 

وثانياً: فإنَّ الرواية ليست ظاهرة في أكثر من أنَّها بصدد البيان لعلَّة جعل الخطبتين بعد الصلاة، والجعل الشرعي ينشأ دائماً عن علَّة سواءً كان الجعل بنحو الوجوب أو الاستحباب، وعليه فأيُّ مانعٍ من أنْ تكون الرواية متصدِّية لبيان علَّة الجعل الاستحبابي.

 

وكون الخطبتين في الجمعة واجبتين لا يستلزم وجوبهما في صلاة العيدين لمجرَّد السؤال عن التقديم والتأخير في سياقٍ واحد، إذ يصحُّ السؤال عن ذلك في سياقٍ واحد لمكان التشابه في أصل الجعل وكونهما خطبتين في كلا الصلاتين وكونهما مقترنتين في كلا الموردين بالصلاة فيسوغ لذلك عُرفاً السؤال عن منشأ الحكم بتقديم الخطبتين في الجمعة وتأخيرهما في العيدين.

 

على أنَّ الرواية لو كانت ظاهرة في وجوب الخطبتين في كلا الموردين فإنَّ ذلك مبنيٌّ على وجوب صلاة العيدين لاِكتمال الشرائط المعتبرة في الوجوب، فلا ظهور للرواية في أنَّها بصدد بيان حكم الخطبتين لصلاة العيدين حتى عند عدم اكتمال شرائط وجوبها.أي أنَّ الرواية ليست ظاهرة في الوجوب للخطبتين حتى في فرض عدم وجوب أصل الصلاة لعدم توفُّرها على شرائط الوجوب.

 

وأمَّا ما أفاده من أنَّ ذكر الخطبتين ضمن بيان كيفية صلاة العيدين ظاهر في أنَّهما دخيلتان في الماهية المُعتبرة لصلاة العيدين فجوابه:

 

إنَّ الكثير من الروايات المتصدِّية لبيان كيفيَّة صلاة العيدين خالية من ذكر الخطبتين وهو ما يُعبِّر عن أنَّ الخطبتين مطلوب آخر في عرض مطلوبيَّة الصلاة، فخلوُّ العديد من الروايات -وهي الأكثر- من ذكر الخطبتين قرينةٌ على تعدُّد المطلوب وأنَّ الخطبتين ليستا دخيلتين في الماهية المُعتبرة في صلاة العيدين أي أنَّهما ليستا جزءً من الصلاة ولا هما واجبًا شرطياً فيها، وعليه فلو التزم المكلَّف بالصلاة وترك الخطبتين فإنَّه لا يكون قد ترك الصلاة بل إنَّه ترك الخطبتين، فإنْ كانت الخطبتان واجبتين فإنَّه يكون قد ترك واجباً وامتثل بآخر، ولو كانت الخطبتان مستحبتين فإنَّه يكون قد ترك مستحباً وامتثل واجباً لو كانت الصلاة واجبة.

 

على أنَّ الروايات المشتملة على ذكر كلٍّ من الصلاة والخطبتين ظاهرة في التصدِّي لبيان أنَّ ظرف الخطبتين بعد الصلاة وليس قبلها كما في الجمعة، فهذه الروايات فارغة عن أصل الجعل للخطبتين ومتصدِّية لبيان ظرفها، فهي لا تُثبت ولا تنفي أنَّ هذا الجعل كان بنحو الوجوب أو الاستحباب بل مفادها انَّ الخطبتين بقطع النظر عن وجوبهما أو استحبابهما محلُّهما بعد الصلاة.

 

وعليه لم يقم دليلٌ على الوجوب الشرطي للخطبتين بعد صلاة العيدين، فتكون أصالة البراءة هي الجارية في المقام، وما أفاده صاحب الحدائق( رحمه الله) من امتناع جريان البراءة بعد معهودية الالتزام بالخطبتين ليس تاماً، فإنَّ الالتزام بالفعل ليس أمارةً على الوجوب، فلا مانع من جريان البراءة.

 

والمتحصَّل أنَّ الخطبتين ليستا واجباً شرطياً لصلاة العيدين كما أنَّهما ليستا واجبتين استقلالاً بعد البناء على استحباب الصلاة في عصر الغيبة، نعم لو كانت الصلاة واجبة لأمكن البناء على وجوب الخطبتين أيضاً.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- الحدائق الناضرة -المحقق البحراني- ج10 / ص212.

2- عيون أخبار الرضا (ع) -الشيخ الصدوق- ج1 / ص118.