﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ما معنى السُحت في قولِه تعالى: ﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾(1)؟

الجواب:

المراد من السُحت في الآية هو الكسب المحرَّم، فالسَُحتُ وصفٌ للمال المُكتَسب من الحرام كالرشوة والربا والسرقة، وقد ورد في آيةٍ أخرى التشنيع على اليهود لأكلِهم السُحت أي لأكلِهم المالَ الحرام، قال تعالى: ﴿لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾(2).

والأصلُ اللغويُّ لكلمة السَُحت هو الاِستئصال والهلاك كما في قوله تعالى: ﴿قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ﴾(3) أي فيستأصلكم بعذاب، وإنِّما سُمِّي المالُ الحرام بالسُُحت لأنَّ عاقبة مَن اعتاد الأكل للمال الحرام هو الهلاك في الآخرة، ولعلَّه لذلك ورد في الحديث أنَّ: "كلَّ لحمٍ نبَتَ على السَُحت فالنارُ أولى به"(1).

وقيل إنَّ منشأ توصيف المال الحرام بالسَُحت هو أنَّه يسحتُ البركة أي أنَّه يمحقُها، أو أنَّه يمحقُ الدِّين، فكأنَّ المُتعاطي للمال الحرام غيرُ متديِّنٍ بدين الله تعالى، وقد نُسب إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي أنَّ السَُحت في اللَّغة هو كلُّ كسبٍ يجرُّ على صاحبه العار لقبحِه(2) وعليه يكون منشأُ إطلاق السَُحت على المال الحرام هو أنَّ المُتعاطي له يكون مفضوحاً ومنبوذاً في وسطِ المتديِّنين، فالأكلُ للمال الحرام يسحتُ ويمحقُ مروءةَ فاعلِه عند أهل الدين والشرف.

هذا وقد تصدَّت الرواياتُ الورادة عن أهلِ البيت (ع) لتعداد مواردَ للسُحت لعلَّه للتعبير عن غلظةِ التحريم لها أو لعلَّ منشأَ ذلك هو البيانُ لعدم اختصاص السُحت بموردٍ من مواردِ الكسب المحرَّم.

فمِن ذلك ما ورد في معتبرة السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: "السُّحْتُ ثَمَنُ الْمَيْتَةِ، وثَمَنُ الْكَلْبِ، وثَمَنُ الْخَمْرِ، ومَهْرُ الْبَغِيِّ، والرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ، وأَجْرُ الْكَاهِنِ"(4).

ومنها: صحيحة عمَّار بن مروان قال: قال أبو عبد الله (ع): "كلُّ شيءٍ غُلَّ من الامام فهو سُحتٌ، والسحتُ أنواعٌ كثيرة، منها ما أُصيب من أعمالِ الولاةِ الظلمةِ، ومنها أُجورُ القضاةِ، وأُجورُ الفواجر، وثمنُ الخمرِ والنبيذِ المُسكر، والربا بعد البيِّنة .."(5).

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيح محمد صنقور


1- سورة المائدة / 42.

2- سورة المائدة / 63.

3- سورة طه / 61.

4- الكافي - الكليني- ج5 / ص126.

5- الوسائل - الحر العاملي- ج17 / ص95.