الجمعُ بين حديث الكساء وآية ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ ..﴾

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

كيف نستطيع الجمع بين حديث الكساء وآية: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾؟

الجواب:

حديث الكساء ثابتٌ ومتواتر وقد رواه الفريقان إلا انَّ المقدار المتواتر منه هو انَّ النبيَّ (ص) جمَعَ عليَّاً وفاطمة والحسن والحسين (ع) تحت الكساء وأفاد انَّ هؤلاء هم أهل بيتي فأذهِب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وقرأ عليهم آية التطهير، وأما بعض التفاصيل المذكورة في حديث الكساء المُتداول فهو غيرُ واردٍ بطريقٍ معتبر أي من حيثُ السند، ورغم ذلك فهو غيرُ منافٍ للآية المباركة، فمفادُ بعض فقرات حديث الكساء هو انَّ اللهَ تعالى خلق السماوات والأرض لأصحاب الكساء وذلك لانَّهم أكملُ بني الإنسان، وقد أفاد القرآن الكريم في آياتٍ عديدة انَّ اللهَ تعالى خلق الأرض وما فيها والسماوات للإنسان.

قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾(1).

وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ / يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾(2).

وقال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾(3).

وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾(4).

وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا﴾(5).

وقال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ / وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾(6).

وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ..﴾(7).

والآيات في ذلك كثيرة ومفادها جميعاً هو أنَّ الله تعالى خلق السماوات وما فيها والأرض وما فيها لينتفع بها الانسان، فهذه هي أهمُّ غايةٍ من خلْقِها وحيثُ إنَّ أصحاب الكساء (ع) هم أكملُ بني الإنسان وأعبدُهم لله تعالى وأوفاهم بالغاية التي من أجلها خُلق الإنسان -وهي العبوديَّة لله عزَّ وجل- وأخلصهم في الدعوة إلى تحقيق الغاية من خلق الإنسان وهي العبوديَّة لذلك كانوا عند الله تعالى هم أقصى الغاية من خلْقِ السماوات والأرض.

ولتوضيح هذا المعنى نذكر مثالاً لرفع الاستيحاش وهو أنَّ الأب عندما يشتري مُؤَناً من لباسٍ وطعامٍ وسكن لأبنائه فإنَّ نظره الأولي وباعثه الأقوى هم أبناؤه البارُّون له المتودِّدون له المطيعون لأوامره، وأما مَن سواهم من أبنائه العصاة وغيرهم فهم وإنْ كانوا مقصودين من هذه المؤن إلا أنَّ باعثه على تموينهم بذلك ليس كباعثه على تموين البررةِ من أبنائه.

والمتحصَّل انَّ الغاية من خلق الجن والإنس بما فيهم أصحاب الكساء (ع) هي العبوديَّة لله تعالى كما أفاد القرآن الكريم بقوله: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾(8)، وأما الغاية من خلق السماوات والأرض فهو الإنسان، وأكملُ بني الإنسان هم الرسولُ (ص) وأهلُ بيته (ع) لذلك فهُم أقصى الغاية من خلق السماوات والأرض. 

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- سورة البقرة / 10-11.

3- سورة النحل / 12.

4- سورة النحل / 14.

5- سورة الأنعام / 97.

6- سورة إبراهيم / 32-33.

7- لقمان / 20.

8- الذاريات / 56.