﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ﴾ .. ليس دليلاً على انَّ الزوجة من أهل زوجِها

المسألة:

قوله: ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ﴾(1).

لماذا كان الاستثناء منقطعاً، ثم ألا تصلحُ الآية المباركة دليلاً على أنَّ الزوجة من أهل زوجِها؟

الجواب:

مدلول لفظ الأهل المضاف الرجل:

إنَّ لفظ الأهل إذا أُضيف إلى الرجل فإنَّ مدلوله اللغوي هو أقرباءُ الرجل، ففي كلّ موردٍ لا تكون ثمَّة قرينة على استعمال لفظ الأهل في الزوجة يكون المُنصرَف والمتبادَر من اللفظ هم الأقارب وذوو النسب.

فكونُ لفظ الأهل المُضاف للرجل حقيقةً في الأقارب وذوي النسب لا يعني عدم استعمال هذا اللفظ في غير ما وُضع له، وفي غير ما هو حقيقة فيه، فإنَّ الاستعمال للفظ قد يكون استعمالاً له في المعنى الموضوع له اللفظ في اللغة، وقد يكون استعمالاً له في غير المعنى الموضوع له في اللغة، والاستعمال بالنحو الثاني يكون من الاستعمال المجازي وهو جائزٌ بلا ريب، غايته أنَّ الاستعمال المجازي يفتقر إلى القرينة الدالَّة على إرادته خلافًا للاستعمال الحقيقي والذي يكفي استعماله للدلالة على معناه الموضوع له دون الحاجة إلى أنْ تُضمَّ إليه قرينةٌ للدلالة على إرادتِه.

ولهذا كان المدَّعي للاستعمال المجازي هو المطالَب بالقرينة الدالَّة على إرادة المجاز.

مُؤيِّدات انَّ الأهل حقيقةٌ في الأقارب:

والذي يُؤيِّد أنَّ لفظ الأهل المُضاف إلى الرجل حقيقةٌ في الأقارب وذوي النسب مضافاً إلى التبادر والذي هو انسباق المعنى إلى الذهن عند إطلاق اللفظ إذا كان مجرَّداً عن كلِّ قرينة، المؤيِّد لذلك أمور:

المؤيِّد الأول: قولُ اللغويِّين بأنَّ المعنيَّ هم الأقارب

ما ذكره أكثرُ اللغويين اللذين تصدّوا لبيان معنى اللفظ وليس موارد استعماله، إذ كثيراً ما يتصدّى اللغويُّون لبيان موارد استعمال اللفظ، وهذا لا دلالة له على أنَّ اللفظ وُضِع لكلِّ تلك الموارد التي استُعمِل فيها، لانَّ الاستعمال أعمُّ من الحقيقة والمجاز.

ولتوثيق هذه الدعوى، وهي أنَّ اللغويِّين أفادوا أنَّ لفظَ الأهل حقيقةٌ في الأقارب نذكر مجموعةً من النماذج:

النموذج الأول: ما ذكره أبو هلال العسكري من أعلام القرن الرابع الهجري في كتابه الفروق اللغويَّة: "الفرق بين الأهل والآل أنَّ الأهل يكون من جهة النسب والاختصاص، فمن جهة النسب: أهلُ الرجل لقرابته الأدنين، ومن جهة الاختصاص: قولك أهل البصرة وأهل العلم"(2).

فالواضحُ من هذا النص أنَّ الأهل إذا أُضيف إلى الرجل كان مفادُه الأقارب من ذوي النسب القريب، وإذا أُضيف إلى غير الرجل كان مفادُه الاختصاص، فأهل البصرة هم مَن نشأوا فيها فكانت وطناً لهم، وأهلُ الطبِّ هم المختصُّون بهذا الفنِّ العارفونَ بدقائقِه.

النموذج الثاني: ما ذكره ابنُ منظور عن ابن سيده قال: أهلُ الرجل عشيرتُه وذوو قرباه، والجمع أهلون وآهال وأهال وأهلات(3).

وقال الفيروزآبادي في القاموس المحيط: أهلُ الرجل عشيرتُه وذوو قرباه(4).

وقال الزُبيدي في تاج العروس: أهلُ الرجل عشيرتُه وذوو قرباه، ومنه قولُه تعالى: ﴿فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا﴾(5) قال وفي المثل: "الأهلُ إلى الأهلِ أسرعُ من السيلِ إلى السهْلِ"(6).

النموذج الثالث: ما ذكره الفيُّومي في المِصباح: "والأهلُ: أهلُ البيت والأصلُ فيه القرابة وقد أُطلق على الأتباع"(7).

والواضح من عبارة الفيُّومي أنَّ إطلاق الأهل على الأتباع مجازيٌّ، وأمَّا الاصل فهو أنَّ أهل البيت حقيقةٌ في القرابة.

النموذج الرابع: ما ذكره الأزهريُّ في تهذيب اللغة وابنُ منظور في لسان العرب، قال الأزهريُّ: "وروينا عن الشافعي أنَّه سئل عن قول النبيِّ (ص): "اللهمَّ صلِّ على مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّدٍ" مَن آلُ محمد؟ فقال مَنْ قائلٍ آلُه أهلُه وأزواجُه، كأنَّه ذهبَ إلى أنَّ الرجل يُقال له: ألك أهل؟ فيقول: لا، وإنَّما يعني انَّه ليس له زوجة.

قال الشافعي: وهذا معنىً يحتملُه اللسان ولكنَّه معنى كلامٍ لا يُعرف إلا أنْ يكونَ له سببٌ من كلامٍ يدلُّ عليه ولك أنْ يُقال للرجل: تزوّجتَ؟ فيقول: ما تأهلتُ، فيُعرف بأول الكلام أنَّه أراد ما تزوّجتُ، أو يقول الرجل: أجنبتُ من أهلي، فيُعرفُ من الجنابةِ إنَّما تكون من الزوجة.

فأمَّا أنْ يبدأ الرجل فيقول: أهلي ببلدِ كذا فأنا أزورُ أهلي وأنا كريمُ الأهل، فإنَّما يذهبُ الناس في هذا إلى أهلِ البيت له..."(8).

فالأهل كما أفاد الأزهري عن الشافعي لا يُطلق على الزوجة إلا إذا كان الكلام محتفَّاً بقرينةٍ على إرادتِها، وهذا تعبيرٌ عن أنَّ استعمال الأهل في الزوجة استعمالٌ مجازي.

هذه مجموعة من كلمات اللغويِّين تُؤيِّدُ ما ادَّعيناه من أنَّ مَدلول لفظ الأهل المُضاف للرجل هم الأقرباء، وما ورد في كلماتِهم أنَّ الأهل تُطلقُ على الزوجة لا ظهور لها في أنَّ هذا اللفظ وُضِعَ لإفادة معنى الزوجة أو لإفادة معنىً يشملُ الزوجة بل الظاهرُ من كلماتِ أكثرهم أنَّ الزوجة من موارد استعمال لفظِ الأهل كما أنَّ معانيَ أخرى هي أيضاً من موارد استعمال لفظِ الأهل.

فمثلاً قول الجصّاص: "الأهل اسم يقعُ على الزوجة وعلى جميع مَن يشتمل عليه منزلُه وعلى أتباع الرجلِ وأشياعه"(9).

فالأهل على ما أفاده يُطلقُ على الخادم والأَمَة وعلى أنصارِ الرجل وحلفائِه، ولا ريب أنَّ استعمال الأهل في هذه الموارد استعمالٌ مجازي.

وكذلك ما أفاده الطُريحى: "أهل الرجل آلُه، وهم أشياعُه وأتباعُه وأهل ملَّتِه ثم كثر استعمال الأهل والآل متى سمِّي بهما أهل بيت الرجل لأنَّهم أكثرُ مَن يتبعه"(10).

فإطلاق الأهل على الأتباع والأشياع لا إشكال في مجازيَّتِه بنظر العُرف.

المؤيِّد الثاني: اشتقاقُ الآل من الأهل

إنَّ أكثر اللغويِّين أفادوا أنَّ لفظ (آل) مشتقَّة من لفظ (أهل) ولا ريبَ أنَّ لفظ الآل لا يصدقُ حقيقةً على الزوجة وأنَّ إطلاقَه على الزوجة أو ما يشملُها تجوُّزٌ واضح، فحينما يقال: آل فلان فإنَّ معناه هو ذوو قرابته، وقد يُطلقُ على الأتباع تجوُّزاً وهو أي استعمال لفظ الآل في الأتباع تجوزاً أكثر تداولاً من استعمال لفظ الآل في الزوجة تجوُّزاً.

فلا يُقال عادة للزوجة أنَّها آل أو من الآل إلا بعنايةٍ واضحة.

فإذا كان لفظ (الآل) والذي هو مشتقٌّ من الأهل لا يصدقُ على الزوجة فهذا مؤشِّر واضحٌ على أنَّ لفظ الآل ليس حقيقةً في الزوجة أو ما يشملُها.

ولتوثيق ما ذكرناه نذكر بعض الأمثلة من كلمات اللغويِّين:

المثال الأول: ما ذكره المبرِّد: "إذا صغَّرت العرب (الآل) قالت: أُهيل، فيدلُّ على أنَّ أصل الآل الأهل، وقال بعضُهم الآل عيدان الخيمة وأعمدتُها وآل الرجل مشبَّهون بذلك لأنَّهم معتمدُه"(11).

المثال الثاني: ما ذكره الراغب الأصفهاني قال: "الآل مقلوبٌ عن الأهل ويُصغَّر على أُهيل إلا أنَّه خُصَّ بالإضافة إلى أعلام الناطقين دون النكِرات"(12).

المثال الثالث: ما ذكره الطبري: "أصل آل: أهل أُبدلت الهاء همزة كما قالوا ماه فأبدلوا الهاء همزة، فإذا صغَّروه قالوا مُويه فردُّوا الهاء في التصغير وأخرجوه على أصلِه وكذلك إذا صغَّروا آل قالوا أُهيل"(13).

المثال الرابع: ما ذكره ابنُ عطيَّة الاندلسي: "(آل) أصلُه أهل قُلِبت الهاء ألفاً كما عُمل في ماء، ولذلك ردَّها التصغير إلى الأصل فقيل أُهيل ومُويه"(14).

هذا ما يتصل بالأصل الاشتقاقي للفظ (الآل) وأمَّا ما ادَّعيناه من أنَّ مدلول لفظ الآل هو الأقرباء فمضافاً إلى أنَّ ذلك هو المُتبادر عرفاً من اللفظ فحين يقال: آل زيد أو آل تغلب أو آل هاشم وآل مضر فإنَّ العُرف لا يفهمُ من ذلك دخول الزوجات اللواتي يكنَّ من قبائل أخرى.

فمضافاً إلى ذلك نذكر ما أفاده بعض اللغويِّين:

الأول: ما ذكره الفيُّومي في المصباح المنير قال: "الآل: أهل الشخص وهم ذوو قرابته، وقد أُطلق على أهل بيتِه وعلى الأتباع"(15).

الثاني: ما ذكره ابن سيده قال: "الآل هم من الرجل قومه الذين يؤول إليهم، وأصلُه أهل وتصغيره أُهيل أو أُويل"(16).

الثالث: ما ذكره أبو هلال العسكري في الفروق اللغويَّة: قال: "الفرق بين الآل والذريَّة: آل الرجل قرابتُه، وذريتُه نسلُه، فكلُّ ذريةٍ آل وليس كل آل بذريَّة، وأيضاً الآلُ يختص بذوي الأشراف وذوي الأقدار بحسب الدين أو الدنيا فلا يقال آل حجَّام أو آل حائك بخلاف الذريَّة"(17).

المؤيِّد الثالث: الصدقُ من الجهتين

انَّ صدق لفظ الأهل على ذوي النسب يتحقَّق من الجهتين، فكما يصدقُ على أبناء الرجل أنَّهم أهلُه كذلك يصدقُ لفظ الأهل على الرجل بالإضافة إلى أبنائِه فيصحُّ لكلٍّ من أبناء الرجل أنْ يُشير إلى أبيه فيقول: إنَّ أبي من أهلي كما صحُّ أنْ يُشير الأب إلى ابنِه فيقول: هو من أهلي، وكذلك يصدقُ لفظُ الأهل على الإخوة وأبناء العمومة من الجهتين فيصحُّ لكلِّ واحدٍ من الإخوة أو أبناء العمومة أنْ يُشير إلى بقية إخوته أو أبناء عمومته فيقول هؤلاءِ أهلي كما يصحُّ للإخوة وأبناء العمومة أنْ يشيروا إلى أخيهم أو ابن عمِّهم فيقولوا هو من أهلِنا.

وهكذا الحال بالنسبة للبنت بالإضافة إلى أبيها وإخوتها وأبناء عمومتها، فيصحُّ أنْ تُشيرَ إليهم فتقول هؤلاء أهلي كما يصحُّ أنْ يشيروا إليها فيقولوا هي من أهلِنا.

فصدقُ لفظ الأهل يتحقُّق من الجهتين شأنُه شان سائر العناوين الإضافيَّة.

إلا أنَّ ذلك لا نجدُه صادقاً بالنسبة للزوجة بالإضافة إلى زوجها، فلا يصحُّ أن تقول الزوجة لزوجها إنَّه من أهلي، فلو قالت الزوجةُ أسكن في بيت أهلي فأنَّ أحداً لا يفهمُ من ذلك أنَّها تسكن مع زوجِها بل المُتفاهَم عرفاً من هذه الجملة أنَّها تسكن في بيت أبيها أو إخوتها أو أبناء عمومتِها، وهكذا لو قالت: ورثتُ من أهلِي، ولو قالت: ماتَ رجلٌ من أهلي، فإنَّ أحداً لن يتوهَّم أنَّها تقصد زوجها إلا أن تنصب قرينة على إرادة الزوج أو كان الزوج واحداً من أقاربِها.

فعدمُ صدق عنوان الأهل على الزوج بالنسبة لزوجتِه دون قرينة مؤيِّدٌ واضح على عدم صدق عنوان الأهل على الزوجة بالإضافة إلى زوجِها دون قرينة فإنَّ عنوان الأهل من العناوين الإضافيَّة التي يكون صدقُها من الجهتين.

النتيجة المتحصَّلة:

فإذا ثبت أنَّ الزوجة ليست من أهل الرجل بحسب الوضع اللغويِّ وأنَّه لا يُعبَّر عنها بالأهل إلا مجازاً، وهذا يقتضي اشتمال الكلام على قرينةٍ تدلُّ على ذلك، فإذا ثبت ذلك فحينئذٍ لا بدَّ من حمل الاستثناء الوارد في قوله تعالى: ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ﴾(18) على انَّه استثناءٌ منقطع لانَّ المُستثنى وهي الزوجة خارجةٌ موضوعاً عن المستثنى منه فيكون مساقُها مساق قوله تعالى: ﴿فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ / إِلاَّ إِبْلِيسَ﴾(19) فلأنَّ إبليس ليس من الملائكة لذلك فهو خارجٌ موضوعاً عن المستثنى منه ولهذا كان استثناؤه منقطعاً.

ويُمكن تأكيد ما ذكرناه من أنَّ الاستثناء في الآية منقطع بقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ﴾(20) فالآية لم تستثنِ زوجة لوط رغم أنَّها لم تكن في الناجين قطعاً، وهو ما يُؤيِّد أنَّها لم تكن من آل لوط حتى يكون من اللازم الإخبار عن خروجها بالاستثناء، وكذلك يُمكن تأييد ما ذكرناه بقوله تعالى: ﴿إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ / إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ﴾(21) فلفظ الآل أكثر ظهوراً في غير الزوجة من الأهل ورغم ذلك تمَّ استثناء زوجة لوط وذلك يُؤيِّد أنَّ الاستثناء منقطع، وليس من الاستثناء المتصل لأنَّ الاستثناء المتَّصل يقتضي حمل لفظ الآل على المجازيَّة وهو خلاف الأصل.

فالأصل في الاستعمال أن يكون على الحقيقة ما لم تقم قرينةٌ على الخلاف، فإذا كان الاستثناء في هذه الآية منقطعاً فهو كذلك في قوله تعالى: ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ﴾ لأنَّ لفظ الأهل المُضاف للرجل حقيقةٌ في الأقارب فإذا قلنا إنَّ الاستثناء في الآية متَّصل فهذا يقتضي حمل الأهل على المعنى المجازي وهو خلاف الأصل.

دفع إشكال:

فإذا قيل: إنَّ الاستثناء المنقطع أيضاً من المجاز وإنَّ الأصل في الاستثناء هو الاتِّصال فما هو المرجِّح لاعتبار الاستثناء مجازياً دون الأهل.

قلنا: إنَّه لو تمّ التسليم بأنَّ الاستثناء المنقطع مجاز فإنَّ قرينته هي ظهور لفظ الأهل في الأقارب، ولو كان البناء في مثل هذا المورد هو حمل المستثنى منه على المجاز حتى يكون الاستثناء متَّصلاً لكان ذلك مقتضياً أنْ لا يكون ثمة استثناء منقطع في كلام العرب.

لأنَّه في كلِّ موردٍ يدور فيه الأمر بين حمل الاستثناء على المنقطع وبين حمل المستثنى منه على المجاز ليكون الاستثناء متَّصلاً يكون من الممكن حمل المستثنى منه على المجاز وبذلك يكون الاستثناء متَّصلاً.

فمثلاً لو قال المتكلم (ضربتُ أولادي كلهم إلا الخادم) فإنَّ من الممكن اعتبار الاستثناء متَّصلاً بأن يُحمل لفظ الأولاد على المجاز وأن المتكلم أراد من الأولاد مطلق العيال ولذلك يكون الخادم داخلاً ضمن الأولاد فيكون استثناؤه متَّصلاً إلا أنَّ ذلك خلاف الظاهر، ولا يقولُ به مَن كان له حظٌّ من العلم بكلام العرب.

وبهذا يتبيَّن أنَّ لفظ الأهل لمَّا كان موضوعاً للأقارب فإنَّ المتعيَّن في الاستثناء هو حملُه على الانقطاع.

دفع توهّم:

ثمّ إنَّه لو لم يتم التسليمُ بأنَّ لفظ الأهل المُضاف للرجل موضوع للأقارب فإنَّ الآية لا تكون بذلك دليلاً على أنَّ الأهل موضوعٌ للأعم من الأقارب والزوجات، وذلك لأنَّ صدق الأهل في الآية المباركة على الزوجة تم استظهارُه بواسطة القرينة، وذلك لا يُعبِّر عن أكثر من استعمال الأهل فيما يشمل الزوجة، والاستعمال أعمُّ من الحقيقة والمجاز.

فليس من أحدٍ يدّعي أنَّ لفظ الأهل المُضاف للرجل لا يُستعمل في الزوجة أو فيما يشملُ الزوجة لكنَّه مجرَّد استعمال دلّت عليه القرينة، فاستثناءُ الزوجة من الأهل بناءً على أنَّه متصل قرينةٌ على استعماله في الأعمِّ من الأقارب والزوجات.

فالذي يصلحُ دليلاً على أنَّ الأهل حقيقةٌ في الزوجة هو الاستعمال المجرّد عن كلِّ قرينة ودون وجدان ذلك في كلام العرب خرطُ القتاد.

والحمد لله رب العالمين

 

من كتاب: شؤون قرآنية

الشيخ محمد صنقور


1- سورة الأعراف / 83.

2- الفروق اللغوية -أبو هلال العسكري- ص84.

3- لسان العرب- ابن منظور- ج11 / ص28.

4- القاموس المحيط -الفيروز آبادي- ج3 / ص331.

5- سورة النساء / 35.

6- تاج العروس -الزبيدي- ج14 / ص35.

7- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير -أحمد بن محمد بن علي الفيومي- ص28.

8- تهذيب اللغة -الازهري- ج5 / ص301، لسان العرب -ابن منظور- ج11 / ص38.

9- أحكام القرآن ج2 / ص286.

10- مجمع البحرين -الشيخ الطريحي- ج1 / ص128.

11- الفروق اللغوية -أبو هلال العسكري- ص85.

12- مفردات غريب القرآن -الراغب الأ صفهانى- ص30.

13- جامع البيان -إبن جرير الطبري- ج1 / ص385.

14- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز -ابن عطية الأندلسي- ج1 / ص139.

15- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير -أحمد بن محمد بن علي الفيومي- ص28.

16- لاحظ ما نقله ابن منظور في لسان العرب ج11 / ص26.

17- الفروق اللغوية -أبو هلال العسكري- ص6.

18- سورة الأعراف / 83.

19- سورة الحجر / 30-31.

20- سورة القمر / 34.

21- سورة الحجر / 59-60.