معنى قوله تعالى: ﴿جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ﴾(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

يتكلَّمُ القران عن جنَّةٍ عرضها السموات والأرض فكم طولها؟ ولماذا لم يذكر الطول في الآيات؟ وأين تقعُ جهنم؟

الجواب:

معنى العرض في الآية:

المراد من العرض في الآية الشَّريفة -كما استظهر الكثيرُ من المفسرين(2)- هو السعة وليس هو العرض المقابل للطول، وعليه يكون معنى قوله تعالى: ﴿جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ﴾(3) أنّ سعةَ الجنَّة هي سعةُ السماوات والأرض طولاً وعرضًا(4).

موقع الجنة والنار:

وليس المراد من الآية أنَّ الجنة يكون موقعها السماوات والأرض حتى يُسأل عن موقع النار، فإنَّ الأرض الدنيوية سوف لن تكون هي بعينها في الآخرة وكذلك السماوات.

وهذا ما يستفادُ من قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾(5)، وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾(6)، وقوله تعالى: ﴿وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾(7)، وقوله تعالى: ﴿إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا / وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا / فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثًّا﴾(8)، وغيرها من الآيات المباركة.

فالآياتُ لم تتصدَّ لتحديد موقع الجنَّة كما أنَّها لم تتصدَّ لتحديد موقع النَّار، ولم نجد في الروايات ما يُمكن الاعتماد عليه في تحديد موقع النَّار.

ولعل منشأ السؤال عن موقع النار هو توهُّم أنَّ الجنَّة إذا كانت تستوعبُ السماوات والأرض فإنَّه لن يبقى موقعٌ تكون فيه النَّار إلا أنَّ هذا التوهُّم خاطئ، لأنَّ قدرة الله جلَّ وعلا مُطلقة لا يحدُّها شيء، فكما خلَقَ السماواتِ والأرض فإنَّه قادر على أنْ يخلق مثلهن قال تعالى: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ / إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ / فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾(9).

والحمد لله رب العالمين

 

من كتاب: شؤون قرآنية

الشيخ محمد صنقور


1- سورة آل عمران / 133.

2- حقائق التأويل للشريف الرضي ص240، تفسير مجمع البيان -الشيخ الطبرسي- ج2 / ص389، معاني القرآن -النحاس- ، أفاد انَّ استعمال العرض في السعة معروف في اللغة واستشهد بما روي عن النبي (ص) انه قال للمهزومين يوم أحد (لقد ذهبتهم فيها عريضة) يعني واسعة وأنشد أهل اللغة (كأن بلاد الله وهي عريضة) ج1 / ص275، تفسير السمرقندي -أبو الليث السمرقندي- ج1 / ص271، تفسير الثعلبي -الثعلبي- ج9 / ص244، تفسير السمعاني -السمعاني- ج1 / ص357، زاد المسير -ابن الجوزي- ج2 / ص29.

3- سورة آل عمران / 133.

4- وثمة جواب آخر أفاده الشيخ الطوسي في التبيان حا صله: انَّ ذكر العرض يُغني عن ذكر الطول، إذ انَّه شبَّه عرض الجنة بعرض السماوات والأرض لغرض التعبير عن عظمة عرضها، ذلك يكشف عن انَّ طولها أعظم بمقتضى الملازمة العادية حيث ان طول الشيء غالبًا ما يكون أكبر من عرضه، لاحظ التبيان لابي جعفر الطوسي ج2 / ص591.

5- سورة إبراهيم / 48.

6- سورة الأنبياء / 104.

7- سورة الزمر / 67.

8- سورة الواقعة / 4-6.

9- سورة يس / 81-83.