معنى الطعام في قوله تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ﴾

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

لماذا كان حكم اللحوم المذكَّاة من قِبل أهل الكتاب هو الحرمة مع إنَّ الله تعالى يقول: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ﴾(1)؟

الجواب:

معنى الطعام في الآية:

المرادُ من الطعام في الآيةِ المباركة هو الحبوب وشبهه كما أفادت ذلك الرواياتُ الشريفة الواردةُ عن أهلِ البيت (ﻉ) والمتصدِّية لتفسير معنى الآيةِ المباركة.

فمن هذه الروايات معتبرة قُتيبة الأعشى قال: سألَ رجلٌ أبا عبد الله (ع) وأنا عنده فقال له: "الغنم يُرسلُ فيها اليهوديُّ والنصرانيُّ فتعرضُ فيها العارضة فيُذبح أنأكلُ ذبيحته؟ فقال (ع): لا تُدخِلْ ثمنَها مالَك ولا تأكلْها، فإنَّما هو الإسم ولا يُؤمَن عليه إلا مُسلِمٌ فقال له الرجل: قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ﴾(2) فقال أبو عبد الله (ع): كان أبي يقولُ: إنَّما هي الحبوبُ وأشباهُها"(3).

ومعنى قوله (ع): "فانَّما هو الاسم، ولا يُؤمَن عليه إلا مُسلِم" هو أنَّ الذبيحة يُعتبر في تذكيتِها ذِكْرُ إسم الله بمقتضى قولِه تعالى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ﴾ ولا يُؤمَن على ذكر اسم الله تعالى إلا مُسلِمٌ.

ثم إنَّ الرواية صريحةٌ في أنَّ المراد من الطعام في الآيةِ الشريفة إنَّما هو الحبوبُ وأمثالُه، فلا يشملُ اللُّحوم التي يقوم بتذكيتِها أهلُ الكتاب أو تُؤخذُ من أيديهم دون العلم بكيفيَّة تذكيتِها.

ومنها: ما ورد بسندٍ معتبر عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) في قول الله تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ﴾ فقال (ع): "العدس والحمص وغير ذلك"(4).

ومنها: ما رُوي عن أبي الجارود قال سألتُ أبا جعفرٍ الباقر (ع) عن قول الله عزَّ وجلَّ ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ﴾ قال (ع): "الحبوبُ والبقول"(5).

ورواياتٌ أخرى عديدة قريبةٌ من هذا المضمون، وعليه فلا يُمكن الاستدلال بالآية الشريفة على جواز الأكل من ذبائح أهلِ الكتاب بعد أنْ أفاد أهلُ البيت (ﻉ) أنَّ المراد من الطعام في الآيةِ الشريفة غيرُ شاملٍ للذبائح بل هو مختصٌّ بمثل الحبوب، وأهلُ البيت (ﻉ) أعلمُ الناس بمعاني آياتِ الله جلَّ وعلا ومقاصدها.

الطعامُ في لغة الحجاز:

هذا مضافًا إلى ما أفاده العديدُ من اللُّغويِّين، فقد ذكر الخليلُ بن أحمد الفراهيدي (إنَّ الغالب في كلام العرب إنَّ الطعام هو البُرُّ خاصَّة)(6).

وأفاد الزُبيدي في تاج العروس: إنَّ الطعام إذا أطلقه أهلُ الحجاز عَنوا بهِ البُرُّ خاصَّة، وبه فُسِّر حديثُ أبي سعيد في صدقةِ الفِطر (صاعاً من طعام) أي صاعًا من بُرٍّ(7).

وأفاد أحمد بن فارس في كتابه معجم مقاييس اللَّغة: إنَّ بعض أهلِ اللغة يقول: "الطعام هو البُرُّ خاصَّة"(8).

وفي لسان العرب لابن منظور: (وأهلُ الحجاز إذا أطلقوا اللفظ بالطعام عنوا به البُرّ خاصَّة .. وقال الخليل: العالي في كلام العرب إنَّ الطعام هو البُرُّ خاصَّة ..)(9).

والظاهر إنَّ مرادَه من قولِه: "إذا أطلقوا اللفظ بالطعام" إنَّ لفظ الطعام إذا لم يكن مضافًا إلى شيءٍ ولم يكتنف بقرينةٍ لفظيَّة أو مقاميَّة فإنَّ مرادَهم يكون من لفظ الطعام هو البُرُّ خاصَّة.

وبهذا الذي نلقناه عن بعض اللغويِّين يتأيَّد ما ورد عن أهل البيت (ﻉ) من تفسير الطعام في الآيةِ الشريفة بالبُرِّ وشبهه، فلا يكون شاملاً لذبائح أهل الكتاب.

على أنَّه لو سلَّمنا بأنَّ لفظ الطعام يشملُ بحسب وضعِه اللَّغويِّ اللحوم إلا أنَّ ذلك لا يقتضي إرادتَه كلَّما استُعمل لفظ الطعام، فقد يُستعمل اللفظ العام ويُراد منه الخاص، غايتُه انَّه لا يُصار إلى استظهار إرادةِ الخاص إلا مع قيام الدليل المُعتبَر، وحيث قام الدليلُ في المقام على إرادة الخاصِّ من لفظ الطعام فحينئذٍ يتعيَّنُ اعتمادُه، إذ أنَّه بعد قيام الدليل القطعيِّ على عصمة أهل البيت (ع) فيما يُبيِّنونه من مُرادات آياتِ الكتاب، وبعد قيام الدليل القطعي على حجيَّة ما يثبتُ صدورُه عنهم بدليلٍ معتبر، وبعد أنْ ثبَت بالدليل المُعتبَر أنَّهم فسَّروا الطعام في الآيةِ الشريفة بالحبوب وأشباهِها، فالنتيجةُ هي لزوم البناء على أنَّ ذلك هو مُراد القرآن من لفظ الطعام في الآية الشريفة، فلا يصحُّ التمسُّك بها لإثبات حليَّة ذبائحِ أهلِ الكتاب.

والحمد لله رب العالمين

 

من كتاب: شؤون قرآنية

الشيخ محمد صنقور


1- سورة المائدة / 5.

2- سورة المائدة / 5.

3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج24 / ص48 / باب 26 من أبواب الذبائح.

4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج4 / ص205 / باب 51 أبواب الذبائح.

5- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج24 / ص204 / باب 51 من أبواب الذبائح / ح3.

6- كتاب العين -الخليل الفراهيدي- ج2 / ص25.

7- تاج العروس -الزبيدي- ج17 / ص437.

8- معجم مقاييس اللغة -أبو الحسين أحمد بن فارس زكريا- ج3 / ص410.

9- لسان العرب -ابن منظور- ج12 / ص364.