سبب نزول: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ..﴾

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

قال الله تعالى: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمْ اللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ / ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾(1).

وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾(2). أيُّ الآيتين نزلتْ قبل الأخرى، وما سببُ نزول كلٍّ منهما؟

الجواب:

الظاهر من ملاحظة سببِ نزول قولِه تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ﴾ وسبب نزول قوله: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ..﴾ أنَّ قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ ..﴾ نزلت قبل قولِه: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ..﴾.

فقد ورد عن أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ قال (ع):"وذلك أنَّ رسول الله (ص) خطب على زيد بن حارثة زينب بنت جحش الأسديَّة .. بنت عمته فقالت: يا رسول الله حتى اؤامر نفسي فأنظر فأنزل اللهُ الآية ..، فقالت: يا رسولَ الله أمري بيدِك فزوَّجها إيَّاه .."(3).

وفي روايةٍ أنَّها نزلت بعد أنْ خطب النبيُّ (ص) زينبَ بنت جحش لزيد بن حارثة مولاه فكرهت ذلك وقالت: "أنا بنت عمتِك أتزوِّجني من مولاك؟ وكذلك كرِه أخوها فأنزل اللهُ تعالى هذه الآية: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ﴾ أي عبد الله بن جحش ﴿وَلَا مُؤْمِنَةٍ﴾ أي زينب .."(4).

وأمَّا قولُه تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ﴾ فقيل إنَّها نزلت بعد أنْ تزوَّج النبيُّ (ص) من زينب بنت جحش مطلَّقة زيد بن حارثة حيث استنكر بعضُ المنافقين ذلك وقالوا(5): كيف يتزوَّج النبيُّ (ص) من مُطلَّقةِ زيد، وزيدٌ ابنُه، وقد كان ينهى عن التزويج من زوجات الأبناء، فنزلتْ هذه الآية للردِّ عليهم وبيان أنَّ زيدًا لم يكن ابناً للنبيِّ (ص) نسَباً وإنَّما كان ابناً له بالتبنِّي، فزيدٌ هو ابنُ حارثة، وقد اشتراه النبيُّ (ص) أو كان قد أهدي إليه  ثم اعتقَه فسمَّاه الناس زيدُ بنُ محمد.

فمفادُ الآية أنَّ الله تعالى لم يجعل الأدعياءَ أي الأبناء بالتبنِّي أبناءً حقيقةً، وإنَّما هذا هو قولُ الناس: ﴿قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ﴾ وأمَّا شرعُ الله تعالى فهو أنْ يُدعى الإنسانُ باسم أبيه الحقيقيِّ النسبيِّ فقال: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ﴾.

فلو تمَّ ما قيل في سبب نزول الآيتين لكان ذلك يقتضي أنْ يكون قولُه تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ﴾ نزل متأخِّراً عن قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ﴾.

لانَّ الآيةَ الأولى نزلتْ بعد زواج النبيِّ (ص) من زينب مطلَّقةِ زيد بن حارثة، وهو متأخِّرٌ بطبيعة الحال عن زواج زيدٍ من زينب، وحيث أنَّ الآية: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ﴾ نزلتْ حينما خطبَ النبيُّ (ص) زينبَ لزيد بن حارثة فمقتضى ذلك أنَّ هذه الآية نزلتْ قبل قوله: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ﴾.

والحمد لله رب العالمين

 

من كتاب: شؤون قرآنية

الشيخ محمد صنقور


1- سورة الأحزاب / 4-5.

2- سورة الأحزاب / 36.

3- تفسير القمي -علي بن إبراهيم القمي- ج2 / ص194.

4- تفسير السمعاني -السمعاني- ج4 / ص285.

5- تفسير القمي -علي بن إبراهيم القمي- ج2 / ص172، عمدة القاري -العيني- ج2 / ص84، أسباب نزول الآيات -الواحدي النيسابوري- ص237.