مكاتبة (أبي عمرو) .. من هو؟

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

من هو أبو عمر في هذه الرواية: محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى قال: كتب إليه أبو عمر: أخبرني يا مولاي، إنَّه ربَّما أشكل علينا هلالُ شهر رمضانَ ولا نراه ونرى السماء ليست فيها علَّة ويفطرُ الناس ونفطرُ معهم، ويقول قوم من الحُسَّاب قِبلنا: إنَّه يرى في تلك الليلة بعينها بمصر، وإفريقية والأندلس، هل يجوز -يا مولاي- ما قال الحُسَّاب في هذا الباب حتى يختلف العرض على أهل الأمصار فيكونُ صومُهم خلاف صومِنا، وفطرُهم خلاف فطرنا؟ فوقع لا تصومنَّ الشكَّ، أفطر لرؤيتِه وصُم لرؤيتِه" ومن هو الإمام المسؤول؟

الجواب:

المراد من محمد بن عيسى هو العبيدي الثقة الجليل، وقد ورد في التهذيب للشيخ الطوسي في كتاب المكاسب بسنده عن محمد بن عيسى العبيدي قال: كتب أبو عمر الحذاء أبي الحسن (ع) وقرأتُ الكتاب والجواب بخطه يعلمه انه كان يختلف إلى بعض قضاة هولاء وأنه صير إليه وقوفاً ومواريث بعض ولد العباس أحياءً وأمواتاً وأجري عليه الأرزاق وأنه كان يودي الأمانة إليهم، ثم أنه بعد عاهد الله أنْ لا يدخل لهم في عمل وعليه مؤنة وقد تلف أكثر ما كان في يده وأخاف أنْ ينكشف عنهم ما لا يحب أنْ ينكشف من الحال فإنه منتظر أمرك في ذلك فما تأمر به؟ فكتب (ع) إليه: لا عليك ان دخلت معهم الله يعلم ونحن ما أنت عليه"(1).

فهذه قرينة على أنَّ المراد من أبي عمر أو "أبي عمرو" هو الحذَّاء.

وكذلك يُمكن تعزيز الدعوى بأنَّ أبا عمرو في المكاتبة هو الحذَّاء بما ورد في الكافي للكليني بسنده عن أبي عمرو الحذاء قال: ساءتْ حالي فكتبتُ إلى أبي جعفر (ع) فكتب إليَّ أَدِم قراءة ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ﴾(2) قال: فقرأتها حولاً فلم أر شيئا فكتبتُ إليه، أُخبره بسوء حالي وأني قد قرأت ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ﴾ حولاً كما أمرتني ولم أرَ شيئًا قال: فكتبَ إليَّ قد وفى لك الحول فانتقل منها إلى قراءة ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ﴾ قال: ففعلتُ فما كان إلا يسيراً حتى بعث إليَّ ابن أبي داود فقضى عني ديني وأجرى عليَّ وعلى عيالي، ووجهني إلى البصرة في وكالته بباب كلاء وأجرى علي خمسمائة درهم، وكتبت من البصرة على يدي علي بن مهزيار إلى أبي الحسن (ع): اني كنت سألتُ أباك عن كذا...."(3).

هذا مضافاً إلى ما أفاده البرقي والشيخ من انَّ أبا عمرو الحذاء من أصحاب أبي الحسن الهادي (ع) ويظهر من مكاتبته إلى أبي جعفر الجواد (ع) أنه من أصحابه، وقد عدَّه السيد الخوئي ممن روى عن أبي جعفر وأبي الحسن الهادي (ع) فهذ مؤيدٌ آخر على إتحاد صاحب المكاتبة مع الحذَّاء.

وعليه فالمتعيَّن ظاهراً أنَّ أبا عمرو أو "ابا عمر" حسب اختلاف نسخ التهذيب هو الحذَّاء، فلم نجد في من كُنِّي بهذه الكنية في هذه الطبقة ممن كانت له مكاتبات إلى أبي الحسن وكذلك إلى أبي جعفر غيره، وكذلك هو ممن روى عنه العبيدي مكاتبته إلى أبي الحسن حيث صرح فيها بأنه الحذَّاء، فالظاهر هو ان المقصود في المكاتبة الأخرى هو الحذاء أيضاً.

وأما حال الرجل فهو مجهول، إذ لم يرد فيه توثيق ولا تضعيف لكنَّ ذلك لا يضرُّ بصحة الرواية لكونه غيرَ واقعٍ في سندها، غاية ما في الأمر أنَّه هو مَن كتب إلى الإمام وقد ثبت لنا ذلك من إخبار محمد بن عيسى الذي وصل إلينا إخباره من ذلك بطريقٍ معتبر، فكتابته للإمام (ع) محرزة من غيره، وجواب الإمام (ع) محرزٌ أيضاً بإخبار العبيدي حيث هو مَن أخبرنا أنه (ع) وقِّع "لا تصومن الشك، أفطر لرؤيته وصم لرؤيته"(4).

وأمَّا الإمام المسئول في المكاتبة فهو دائر بين أبي جعفر الجواد (ع) وأبي الحسن الهادي (ع).

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- تهذيب الأحكام -الشيخ الطوسي- ج6 / ص336.

2- سورة نوح / 1.

3- الكافي -الشيخ الكليني- ج5 / ص316.

4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج10 / ص297.