إبليس يحب علياً (ع)؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

اطلعتُ في أكثر من موقع على روايةٍ مفادُها: إنَّ إبليس يُحبُّ عليَّاً (ع) وانَّه ادَّخر حبَّه ليوم القيامة وأنَّه يعلمُ لعليٍّ (ع) اسماً لا يعلمُه إلا الله والراسخون في العلم ادَّخره عنده لينتفعَ به، فهل هذه الرواية صحيحة؟ وإذا صحَّت فهل ينفع إبليسَ حبُّ عليٍّ (ع)؟

الجواب:

1- الرواية المُشار إليها هي: أنَّه رُويَ عن أمير المومنين (ع): "إنَّ إبليس مرَّ به يوماً فقال له أميرُ المومنين: يا أبا الحارث ما ادَّخرت لمعادِك؟ فقال: حبَّك، فاذا كان يوم القيامه أخرجتُ ما ادَّخرتُ مِن اسمائك التي يعجزُ عن وصفها واصفٌ، ولك اسمٌ مَخفيٌّ عن الناس ظاهرُه عندي، قد رمزَه اللهُ في كتابه لا يعلمُه إلا الله والراسخون في العلم، فإذا أحبَّ اللهُ عبداً كشف الله عن بصيرتِه وعلَّمه إيَّاه، فكان ذلك العبدُ بذلك السرِّ غير الأمة حقيقة .."(1).

هذه الرواية ضعيفةٌ بل هي في غاية الضعف فمضافاً إلى أنَّها مُرسَلة حيثُ لم يُذكر لها سندٌ فإنَّ مُرسِلَها وهو الحافظُ البرسي وهو إن كان ممدوحاً في نفسِه إلا أنَّه ليس ممَّن يُعتدُّ بما يتفرَّدُ به، ولذلك أفاد العلامة المجلسي في الفصل الأول مِن مقدمة البحار قال: "أو كتاب مشارق الأنوار وكتاب الألفين للحافظ رجب البرسي، ولا أعتمدُ على ما يتفرَّدُ بنقلِه لاشتمال كتابيه على ما يُوهِم الخبْط والخلْط والإرتفاع .."(2)، وقال الحرُّ العامليُّ (رحمه الله): "إنَّ في كتاب البرسي إفراطاً، وربَّما نُسب إلى الغُلو .."(3).

فالروايةُ ساقطة عن الاعتبار، ولو غضضنا الطرف عن ذلك فإنَّه لا دلالة فيها على ثبوت ما ادَّعاه إبليس من حبَّه لعليِّ بن أبي طالب (ع) بل مِن المقطوع به أنَّه كاذبٌ في دعواه لو كان قد صدر منه ذلك، فإنَّ الكذِبَ هو شأنُه كما قال الله تعالى: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا﴾(4)، هذا مضافاً إلى أنَّ إبليس عدوٌّ للإنسان كما صرَّح بذلك القرآن الكريم في موارد عديدة قال تعالى: ﴿وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾(5)، قال تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾(6)، وقال تعالى: ﴿وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾(7)، بل إنَّ عداوة الشيطان للإنسان تشتدُّ كلّما كان الإنسان أكثر قربًا من الله تعالى، لذلك فعداوتُه للأنبياء والأولياء كأمير المؤمنين (ع) أشدُّ منها لسائر بني الإنسان.

2- لا ينجِّيه ذلك من عذاب جهنَّم، فقد أخبر القرآن الكريم عن أنَّ ذلك هو مصيره يوم القيامة في آياتٍ عديدة منها: قوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ / فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ﴾(8).

على أنَّ مِن المقطوع به أنَّ إبليس لا يُحبُّ عليًا (ع) فقد ثبتَ عن الفريقين برواياتٍ مستفيضة، وفيها ما هو صحيحُ الإسناد أنَّ عليَّاً (ع) لا يُحبُّه كافرٌ جاحد، وليس من أحدٍ أشدُّ كُفراً وجُحودًا من إبليس.

فمِن هذه الروايات ما وردَ عن عليٍّ (ع) أنَّه قال: قضاءٌ مقضيٌّ على لسان النبيِّ الأُمِّي: "إنَّه لا يبغضُك يا عليُّ مؤمن ولا يُحبُّك كافر، وقد خابَ مَن افترى"(9).

ومنها: ما رواه أحمد في المُسند بسندِه عن مُساور الحميري عن أُمِّه قالت: سمعتُ أُمَّ سلمة تقول: "سمعتُ رسول الله (ص) يقولُ لعليٍّ لا يبغضُك مؤمنٌ ولا يُحبُّك منافق"(10).

ومنها: ما رواه الترمذي في سُنَنِه عن عديِّ بن ثابت عن زرِّ بن حُبيش عن عليٍّ (ع) قال: "لقد عهد إليَّ النبيُّ الأمِّي (ص) أنَّه لا يُحبُّك إلا مؤمن ولا يبغضُك إلا منافق" قال عدي بن ثابت: أنا من القرن الذين دعا لهم النبيُّ (ص). هذا حديث حسن صحيح(11).

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- مشارق أنوار اليقين -الحافظ رجب البرسي- ص250.

2- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج1 / ص10.

3- الفصول المهمة في أصول الأئمة -الحر العاملي- ج1 / ص39.

4- سورة النساء / 120.

5- سورة البقرة / 36.

6- سورة فاطر / 6.

7- سورة الزخرف / 62.

8- سورة الحشر / 16-17.

9- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج34 / ص51.

10- مسند احمد -الإمام احمد بن حنبل- ج6 / ص292.

11- سنن الترمذي -الترمذي- ج5 / ص306.