الجمعُ بين الصلاتين في رواياتِ أهل البيت (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

هل لدى الشيعة دليلٌ صحيح متَّصل لأحدِ الأئمة (ع) على مشروعيَّة الجمع بين الصلاتين؟ وأيُّهما أفضل الفصل أو الجمع؟

 

الجواب:

نعم وردت رواياتٌ كثيرة ومُسندة عن أهل البيت (ع) -وفيها ما هو معتبرٌ سنداً- تدلُّ على مشروعيَّة الجمع بين الصلاتين:

 

منها: صحيحة عبيد بن زرارة قال: سألتُ أبا عبد الله (ع) عن وقت الظهر والعصر، فقال: "إذا زالت الشمس دخلَ وقتُ الظهر والعصر جميعاً، إلا أنَّ هذهِ قبلَ هذه، ثم أنت في وقتٍ منهما جميعاً حتى تغيبَ الشمس"(1).

 

ومنها: صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (ع) قال: "إذا زالت الشمسُ دخل الوقتان الظهرُ والعصرُ، فإذا غابت الشمسُ دخل الوقتان المغربُ والعشاءُ الآخرة"(2).

 

فمفادُ الروايتين ظاهرٌ جدَّاً في أنَّ زوال الشمس هو مبدأُ وقتِ الفرضين الظهرِ والعصرِ، وهذا يقتضي جواز الإتيان بهما بمجرَّد دخول وقت الزوال، غايتُه أنَّ صلاة الظهر يُؤتى بها قبلَ صلاة العصر، وهكذا فإنَّ غروب الشمس وقتٌ لصلاتي المغربِ والعشاء إلا أنَّ صلاةَ المغرب يُؤتى بها أولاً ثم يُؤتى بصلاة العشاء.

 

وممَّا ورد في ذلك أيضاً ما رواه الكلينيُّ في الكافي بسندٍ -فيه سهل بن زياد وهو مقبول- عن إسماعيل بن مهران قال: كتبتُ إلى الرضا (ع): "ذكر أصحابُنا أنَّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقتُ الظهر والعصر، وإذا غرُبتْ دخل وقتُ المغربِ والعشاء الآخرة إلا أنَّ هذه قبل هذه في السفر والحضر، وإنَّ وقت المغربِ إلى ربع الليل، فكتب: كذلك الوقت غير أنَّ وقت المغرب ضيِّق"(3).

 

وكذلك ما ورد بسندٍ صحيح عن زرارة قال: قلتُ: "لأبي جعفر (ع) بين الظهرِ والعصرِ حدٌّ معروف؟ فقال: لا"(4).

 

وكذلك ما ورد بسندٍ موثَّق عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، عن أبي عبد الله (ع) قال: "صلَّى رسولُ الله (ص) بالناس الظهرَ والعصرَ حين زالت الشمس في جماعةٍ من غير علَّة، وصلَّى بهم المغربَ والعشاءَ الآخرة قبل سقوطِ الشفقِ من غير علَّة في جماعة، وإنَّما فعل ذلك رسول الله (ص) ليتَّسع الوقتُ على أُمَّته"(5).

 

ومن ذلك: ما ورد بسندٍ صحيح عن عبد الله بن سنان عن الصادق (ع): "أنَّ رسولَ الله (ص) جمعَ بين الظهرِ والعصرِ بأذانٍ وإقامتين، وجمع بين المغربِ والعشاءِ في الحضر من غير علَّة بأذانٍ واحد وإقامتين"(6).

 

ومنه: ما ورد بسندٍ صحيحٍ عن عُمر بن أُذينة عن رهطٍ منهم الفضيل وزرارة عن أبي جعفر (ع): "أنَّ رسولَ الله (ص) جمعَ بين الظهرِ والعصرِ بأذانٍ وإقامتين، وجمعَ بين المغربِ والعشاءِ بأذانٍ واحدٍ وإقامتين"(7).

 

والروايات الورادة عن أهل البيت (ع) المقتضية لمشروعيَّة الجمع بين الصلاتين كثيرةٌ إلا أنَّه نكتفي بهذا المقدار خشيةَ الإطالة.

 

وأمَّا ما هو الأفضلُ الفصلُ أو الجمع بين الصلاتين، فجوابُه أنَّ الفصل أفضلُ بمعنى أن يُؤتي بكلِّ صلاة في وقتِها الفضيلي، فالوقتُ الفضيلي للعشاء هو العتمة وسقوطُ الشفق وهو متأخِّرٌ زماناٌ عن مبدأ وقت العشاء إذ أنَّ وقت العشاء يبدأ من الغروبُ بعد أداءِ فريضة المغرب.

 

والوقتُ الفضيليُّ للعصر هو بلوغ الظلِّ الحادثِ مثلَ الشاخص كما هو مبنى المشهور، وهذا الوقتُ متأخِّرٌ زماناً عن مبدأ وقتِ العصر وهو الزوالُ بعد أداء فريضة الظهر.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج4 / ص126.

2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج4 / ص125.

3- الكافي -الشيخ الكليني- ج3 / ص282.

4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج4 / ص126.

5- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج4 / ص138.

6- من لا يحضره الفقيه -الشيخ الصدوق- ج1 / ص287.

7- وسائل الشيعة (الإسلامية) -الحر العاملي- ج4 / ص665.