مشروعيَّة الجمعِ بين الصلاتين

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللَّهمَّ صلِّ عَلى محمَّد وَآلِ مُحَمَّد

 

السؤال:

لماذا يلتزمُ الشيعةُ بالجمع بين الصلاتين، وما هو مستندُهم في ذلك من السُنّةِ الشريفة؟

 

الجواب:

الجمعُ بين الصلاتين المترتِّبتيَن كالظهر والعصر جائزٌ بنظر الإماميَّة وليس بواجب، وذلك لورود الرُّخصةِ بالجمع من قِبَل الرسول (ص) كما دلَّت على ذلك الرواياتُ الكثيرة الواردةُ عن أهل البيت (ع) بل وكذلك الرواياتُ المنقولة في كتب أبناءِ السُنَّة والتي أكَّد بعضُها على أنَّ النبيَّ (ص) أرادَ من الرخصةِ بالجمع أنْ لا يُحرجَ أحداً من أُمَّته، وعلى حدِّ تعبير بعض الروايات أراد التوسعةَ على أُمَّته.

 

ونحن هنا سننقلُ لكم بعضَ الرواياتِ الواردةِ من طُرق السنَّة والتي يظهرُ منها جوازُ الجمعِ بين الصلاتين مُطلقاً ومِن غير علَّةٍ في الحَضَر والسَفَر.

 

1- صحيح مسلم: قال: حدَّثنا يحيى بن يحيى قال: قرأتُ على مالك، عن الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: صلَّى رسولُ الله (ص) الظهرَ والعصَرَ جميعاً، والمغربَ والعشاءَ جميعاً في غير خوفٍ ولا سفَر(1).

 

2- صحيح مسلم: قال: حدَّثنا أحمد بن يونس وعون بن سلام جميعاً عن زهير، قال ابن يونس: حدَّثنا زهير، حدَّثنا أبو الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: صلّى رسولُ الله (ص) الظهرَ والعصرَ جميعاً بالمدينة في غير خوفٍ ولا سفَر. قال أبو الزبير: فسألتُ سعيداً: لِمَ فعل ذلك؟ فقال: سألتُ ابن عباس كما سألتني فقال: أراد أنْ لا يُحرج أحداً من أُمَّته(2).

 

3- صحيح مسلم: قال: حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدّثنا أبو معاوية; وحدّثنا أبو كريب وأبو سعيد الأشج -واللفظ لأبي كريب- قالا: حدّثنا وكيع كلاهما عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوفٍ ولا مطرٍ (في حديث وكيع) قال: قلت لابن عباس: لِمَ فعلَ ذلك؟ قال: كي لا يُحرج أُمَّته. وفي حديث أبي معاوية قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يُحرج أُمّته(3).

 

4- صحيح مسلم: قال: حدَّثنا أبو الربيع الزهراني، حدّثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عبّاس أنّ رسول الله (ص) صلَّى بالمدينة سبعاً وثمانياً الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ(4).

 

5- صحيح مسلم: قال: حدَّثني أبو الربيع الزهراني حدَّثنا حمَّاد عن الزبير بن الخرِّيت عن عبد الله بن شقيق قال خطَبنا ابنُ عباس يوماً بعد العصر حتَّى غربتْ الشمس وبدَت النجومُ وجعلَ الناسُ يقولون: الصلاة الصلاة، قال فجاءه رجلٌ من بنى تميم لا يفتُرُ ولا يَنثني: الصلاةَ الصلاةَ، فقال ابنُ عباس: أتعلِّمُني بالسُنَّة لا أمَّ لك؟! ثم قال: رأيتُ رسولَ اللهِ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) جَمعَ بين الظهرِ والعصرِ والمغربِ والعشاءِ، قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري مِن ذلك شيءٌ فاتيتُ أبا هريرة فسألتُه فصدَّقَ مقالتَه "قال مسلم: وحدَّثنا ابنُ أبي عمر حدَّثنا وكيع حدَّثنا عمران بن حدير عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: قال رجلٌ لابن عباس الصلاةَ فسكتَ ثم قال: الصلاةَ فسكتَ ثم قال الصلاةَ فسكت ثم قال: لا أمَّ لك أتعلِّمُنا بالصلاة وكنَّا نجمعُ بين الصلاتين على عهدِ رسولِ الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)"(5).

 

وهذا الحديثُ ظاهرٌ في أنَّ رسولَ الله (ص) كان قد جمع بين الصلاتين في مواردَ متكرِّرة كما هو مقتضى التعبير (وكنَّا نجمعُ بين الصلاتين).

 

6- صحيح البخاري: قال: حدَّثنا أبو النعمان قال: حدَّثنا حمَّاد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابرِ بنِ زيد عن ابن عباس: انَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وآلِهوسلَّم صلَّى بالمدينةِ سبعاً وثمانياً الظهرَ والعصرَ، والمغربَ والعشاءَ، فقال أيُّوب: لعلَّه في ليلةٍ مَطيرةٍ؟ قال: عسى"(6).

 

أقول: الروايةُ مطلقةٌ، وأمَّا احتمال أنَّ الجمعَ نشأَ عن علَّةِ المَطر فهو محضُ احتمال من أيُّوب السختياني وممَّن قال: عسى، ولا شاهد على ما احتملاه فلا يكون ثمة موجبٌ لتقييد الحديث.

 

7- صحيح البخاري: قال: حدَّثنا آدم قال حدَّثنا شعبة قال حدَّثنا عمرو بن دينار قال: سمعتُ جابرَ بنَ زيد عن ابنِ عباس قال: صلَّى النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) سبعاً جميعاً وثمانياً جميعاً "(7).

 

8- صحيح البخاري: قال: قال ابنُ عمر وأبو أيُّوب وابنُ عباس صلَّى النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) المغرب والعشاء"(8).

 

أقول: الظاهر من متن الحديث هو أنَّه (ص) جمعَ بين المغرب والعشاء، إذ لا معنى للإخبار عن أنَّه صلَّى المغرب وصلَّى العشاء كما هو واضح.

 

وأمَّا التعليق في كلام البخاري وعدم ذكره للطرق والأسانيد لهؤلاء الصحابةِ الثلاثة فهو لا يعني ان الحديث المذكور غير مسند إلى هؤلاء، ولذلك قال ابنُ حجر في كتابه تغليق التعليق: هذه التعاليق كلُّها مسندة عنده في الجامع وإنَّما حذف أسانيدها طلباً للتخفيف .. أما حديثُ ابن عمر فأسنده في الحج بلفظ "أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم صلَّى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعاً"، وأما حديث أبي أيوب فأسنده في الحج وفي المغازي بلفظ "جمعَ النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في حجَّة الوداع بين المغرب والعشاء"، وأما حديث ابن عباس فأسنده في تقصير الصلاة ج2 ص 260.

 

ومعنى ذلك أنَّ أسانيد هذا الحديث إلى هؤلاء الصحابة قد ذكرها البخاريُّ في المواضع التي أشار إليها ابن حجر ولذلك فالحديث مسند وصحيح وليس معلَّقاً.

 

9- سُننُ الترمذي: حدَّثنا هنَّاد، حدَّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "جمع رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء بالمدينة، من غير خوفٍ ولا مطَر، قال: فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قال: أرادَ أنْ لا يُحرج أُمَّتَه".

 

قال الترمذيُّ: بعد نقل الحديث: حديثُ ابنِ عباس قد رُويَ عنه من غير وجهٍ، رواه جابرُ بن زيد وسعيدُ بن جبير وعبدُ الله بن شقيق العقيلي(9).

 

10- مُسند أحمد بن حنبل: قال: حدَّثنا عبد الله، حدَّثني أبي ثنا يحيى عن شُعبة، ثنا قتادة قال: سمعت جابر بن زيد عن ابن عباس قال: جمع رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بين الظهرِ والعصرِ والمغربِ والعشاءِ بالمدينة في غير خوفٍ ولا مطرٍ، قيل لابنِ عباس: وما أراد لغير ذلك قال أراد أنْ لا يُحرجَ أُمَّته"(10).

 

11- موطأ مالك: قال: حدَّثنا أبو مصعب، قال: حدثنا مالك، عن أبي الزبير المكي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنَّه قال: صلَّى رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم) الظهرَ والعصرَ جميعاً، والمغربَ والعشاءَ جميعاً في غيرِ خوفٍ ولا سفر"(11).

 

12- سُنن أبي داود: قال: حدَّثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس قال: "صلَّى رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآلِه وسلَّم) الظهرَ والعصرَ جميعاً والمَغربَ والعشاءَ جميعاً في غيرِ خَوفٍ ولا سفَرٍ" قال أبو داود: ورواه حمَّاد بن سلمة نحوه عن أبي الزبير(12).

 

13- سُنن أب داود: قال: حدثنا سليمان بن حرب ومسدد، قالا: ثنا حماد بن زيد، وثنا عمرو بن عون، أخبرنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، قال: "صلَّى بنا رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بالمدينة ثمانياً وسبعاً: الظهرَ والعصرَ، والمغربَ والعشاءَ، ولم يقل سليمان ومسدد "بنا".

 

قال أبو داود: ورواهُ صالح مولى التوأمة عن ابن عباس قال: في غيرِ مطر.(13).

 

14- السُنن الكبرى للنسائي: قال: أنبأ قتيبةُ بن سعيد عن مالك عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "صلَّى رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم) الظهرَ والعصرَ جميعاً، والمغربَ والعشاءَ جميعاً من غيرِ خوفٍ ولا سفرٍ"(14).

 

15- السُنن الكبرى للنسائي: قال: أنبأ محمد بن عبد العزيز قال أنبأ الفضل بن موسى أبو عبد الله عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن بن عباس أنَّ النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كان يُصلِّي بالمدينة يجمعُ بين الصلاتين الظهرَ والعصرَ والمغربَ والعشاءَ من غير خوفٍ ولا مطرٍ، قيل له: لم؟ قال: لئلا يكونَ على أُمَّته حرجٌ "(15).

 

أقول: هذا الحديثُ ظاهرٌ في أنَّ الجمع بين الصلاتين كان في مواردَ عديدة كما هو مقتضى التعبير بالفعل المضارع (يُصلِّي) المدخول لكان حيثُ هو ظاهرٌ في التجدُّد والاستمرار. وكما هو مقتضى التعبير بالفعل المضارع (يجمعُ) حيثُ إنَّ ظاهر ذلك هو التجدُّد والاستمرار.

 

16- المصنَّف للصنعاني: قال: عن داود بن قيس، عن صالح مولى التوأمة، أنَّه سمع ابنَ عباس يقول: "جمعَ رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بين الظهرِ والعصرِ والمغربِ والعشاءِ بالمدينةِ في غير سفرٍ ولا مطرٍ" قال: قلتُ لابن عباس: لِمَ تراهُ فعلَ ذلك؟ قال: أراهُ للتوسعةِ على أُمَّتِه"(16).

 

والحديثُ ظاهرٌ في الرُّخصةِ وأنَّ مِلاكها التوسعة على الأُمَّة.

 

17- المصنَّف للصنعاني: عبد الرزاق، عن الثوري، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر بالمدينة في غير سفر ولا خوف ». قال: قلت لابن عباس: ولم تراه فعل ذلك؟قال: أرادَ أنْ لا يُحرج أحداً مِن أُمَّتِه" (17).

 

18- المصنَّف للصنعاني: عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب قال: قال عبد الله: "جمع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيما غير مسافر بين الظهر والعصر والمغرب»، فقال رجل لابن عمر: لم ترى النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك؟قال: لأن لا يحرج أمته إن جمع رجل"(18).

 

الرواية صريحةٌ في جواز الجمع بين الصلاتين وأنَّ مِلاك الجوازِ هو عدمُ إيقاع الأُمّة في الحرج.

 

19- شرح معاني الآثار: قال: حدَّثنا محمد بن خزيمة وابن أبي داود وعمران بن موسى الطائي قالوا: حدثنا الربيع بن يحيى الأشناني قال: حدَّثنا سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: جمعَ رسولُ اللهِ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بين الظهرِ والعصرِ والمغربِ والعشاءِ بالمدينة للرخص من غير خوفٍ ولا علَّةٍ (19).

 

وهذه الرواية صريحة أيضاً في جواز الجمع وأنَّ الغرض منه هو البيان للرخصة حتى في موارد عدم الخوفِ والعلَّة.

 

20- حلية الأولياء: قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، قال: ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود، ثنا حبيب بن يزيد الأنماطي، قال: ثنا عمرو بن هرم، عن جابر بن زيد، أن ابن عباس: "جمع بين الظهر والعصر، وزعم أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر والعصر " 20).

 

21- حلية الأولياء: قال: حدثناه، الحسن بن محمد بن كيسان، قال: ثنا موسى بن هارون، قال: ثنا داود بن عمرو، قال: ثنا محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت أبا الشعثاء، يقول: قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني ركعات جميعا، وسبع ركعات جميعا من غير مرض ولا علة "، رواه معمر، وروح بن القاسم، وحماد بن زيد، عن عمرو مثله(21).

 

22- كشف الأستار للهيثمي: حدثنا الحسن بن أبي زيد، ثنا عثمان بن خالد، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين في المدينة من غير خوف"(22).

 

23- نيل الأوطار للشوكاني: قال: أخرجَ الطبراني في الأوسط والكبير، عن ابن مسعود: جمَع رسولُ الله (ص) بين الظهرِ والعصرِ، والمغرب والعشاء، فقيل له في ذلك فقال: صنعتُ ذلك لئلا تُحرَج أُمَّتي(23).

 

في هذه الرواية يُفصِحُ الرسولُ الكريم (ص) عن مِلاك الجمع وأنَّه صنعَ ذلك لئلا تقعَ الأُمةُ في حرج.

 

هذا بعضُ ما ورد في صِحاح ومسانيد المحدِّثين من علماء السُنَّة، وهي -كما تلاحظون- صريحةٌ أو ظاهرةٌ في جواز الجمع بين الصلاتين، فلا مجال بعدئذٍ للتشنيع على الشيعة في أخذهم بالرُّخصة التي جاءتْ من عند رسولِ الله (ص).

 

وأمَّا عدمُ عملِ مشهور فقهاء السُنَّة بمفاد هذه الروايات فذلك شأنُهم وقد نشأ عن اجتهادهم وهو ليس حجَّةً على غيرهم، إذ لا يصحُّ لمجتهدٍ أن يفرضَ اجتهادَه على مُجتهدٍ آخر، ونحن هنا لسنا بصدد مناقشة صوابيَّة اجتهادِهم وعدم صوابيَّتِه.

 

والذي هو موردُ اهتمامِنا هو أنَّ لنا ما نتمسَّكُ به من السُنَّة الشريفة في الحكم بجواز الجمعِ بين الصلاتين، وهي رواياتٌ تفوق حدَّ التواتر إذا ضممنا إليها الرواياتِ الواردة من طريقِ أهل البيت (ع).

 

والجديرُ بالذكر في المقام أنَّ الحكم بجواز الجمع بين الصلاتين لا يختصُّ به فقهاءُ أهل البيت (ع) بل إنَّ جمعاً من علماءِ السُنَّة ذهبوا إلى جواز الجمع كما أفاد ذلك ابنُ رشد في كتابه الشهير (بداية المجتهد).

 

قال: "وأمَّا الجمعُ لغير عذرٍ فإنَّ مالكاً وأكثرَ الفقهاء لا يُجيزونَه، وأجاز ذلك جماعةٌ من أهل الظاهر، وأشهبُ من أصحابِ مالك، وسببُ اختلافِهم، اختلافُهم في مفهوم حديث ابن عباس، فمنهم من تأوَّله على أنَّه كان في مطرٍ كما قال مالك، ومنهم مَن أخذ بعمومِه مطلقاً، وقد خرَّج مسلم زيادةً في حديثه، وهو قوله (ص): "في غير خوفٍ ولا سفرٍ ولا مطر" وبهذا تمسَّك أهلُ الظاهر"(24).

 

وذكر الآلوسي في كتابِه روح المعاني: في تفسير قوله تعالى ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾(25) قال: "مذهبُ جماعةٍ من الأئمة جوازُ الجمع في الحضر للحاجةِ لمَن لا يتَّخذُه عادة، وهو قولُ ابن سيرين وأشهب من أصحابِ مالك وحكاه الخطَّابي عن القفَّال الشاشي الكبير من أصحاب الإمام الشافعي، وعن أبي إسحاق المروزي وعن جماعةٍ من أصحاب الحديث، واختاره ابنُ المنذر، ويُؤيِّده ظاهرُ ما صحَّ عن ابن عبَّاس، ورواه مسلمٌ أيضاً، أنَّه كما قال: جمَعَ رسولُ الله (ص) بين الظهرِ والعصرِ، والمغربِ والعشاءِ بالمدينة في غير خوفٍ ولا مطر، قيل له: لِمَ فعل ذلك؟ فقال: أراد أنْ لا يُحرجَ أحداً من أُمَّتِه. وهو من الحرج بمعنى المشقة فلم يُعلِّله بمرضٍ ولا غيرِه.

 

ويُعلم -الكلام للآلوسي- ممَّا ذكرنا أنَّ قول الترمذي في آخر كتابه: ليس في كتابي حديثٌ أجمعت الأمةُ على ترك العمل به إلا حديثُ ابن عباس في الجمع بالمدينةِ من غير خوفٍ ولا مطرٍ وحديثُ قتل شارب الخمر في المرَّةِ الرابعة، ناشئٌ من عدم التتبُّع "(26).

 

وبما نقلناهُ لك يتبيّنُ أنَّ المسألة على أحسن تقاديرها اجتهاديّة يختلفُ فيها أهلُ مذهبٍ واحد فلا مسرحَ للتشنيع على مَن لا يقولُ بمفاد اجتهادِ غيره.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

 

  مقتبس من كتاب: تساؤلات في الفقه والعقيدة

الشيخ محمّد صنقور

19 ذي الحجة 1426 هـ


1- صحيح مسلم باب الجمع بين الصلاتين في الحضر ح49.

2- صحيح مسلم باب الجمع بين الصلاتين في الحضر ح50.

3- صحيح مسلم باب الجمع بين الصلاتين في الحضر ح54.

4- صحيح مسلم باب الجمع بين الصلاتين في الحضر ح56.

5- صحيح مسلم باب الجمع بين الصلاتين في الحضر ح57.

6- صحيح البخاري ج1 / ص110 / باب تأخير الظهر إلى العصر من كتاب الصلاة.

7- صحيح البخاري ج1 / ص113 / باب وقت المغرب من كتاب الصلاة.

8- صحيح البخاري ج1 / ص113 / باب ذكر العشاء والعتمة.

9- سنن الترمذي ج1 / ص354 / ح187 / باب ما جاء في الجمع في الحضر.

10- مسند أحمد ج1 / ص223.

11- موطأ مالك ج1 / ص144 / باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر / ح4.

12- سنن أبي داوود: ج2 / ص6 ح1210 / باب الجمع بين الصلاتين.

13- سنن أبي داوود ج2 / ص6 / ح 1214 / باب الجمع بين الصلاتين.

14- سنن النسائي ج1 / ص290 / باب الجمع بين الصلاتين في الحضر.

15- سنن النسائي ج1 / ص290 / باب الجمع بين الصلاتين في الحضر.

16- المصنَّف-لعبد الرزاق- ج2 / ص556 / ح4434.

17- المصنَّف -عبد الرزاق- ج2 / ص556 / ح4435.

18- المصنف -عبد الرزاق- ج2 / ص556 / ح4437.

19- معالي الآثار ج1 / ص161.

20- حلية الأولياء ج3 / ص90.

21- حلية الأولياء ج3 / ص90.

22- مسند البزار ج1 / ص283 / ح421.

23- المعجم الكبير ج10/ ص269 / ح10525.

24- بداية المجتهد ج1 / ص251.

25- سورة الإسراء / 78.

26- روح المعاني -الآلوسي- ج15 / ص133-134.