مشروعيَّة التبرُّك (2)

التبرُّك بغير آثار النبي (ص):

المحور الثاني: ونوردُ في هذا المحور بعضَ ما وردَ عن النبيِّ (ص) في الحثِّ أو في مشروعية التبرُّك بغير آثاره، كما سنُورد فيه بعضَ ما أفادَه أو فعلَه المسلمون فيما يتَّصل بالتبرُّك، والغرض من ذلك هو التأكيد على أصل مشروعية التبرُّك، وأن ذلك هو مذهبُ عموم المسلمين إلاّ من شذَّ منهم.

 

1- وردتْ رواياتٌ عديدة مفادُها أنَّ غبار المدينة المنوَّرة شفاءٌ من كلِّ داء، وأنَّه ممَّا يُتداوى به من داءِ الجذام.

 

منها: قوله (ص): "غبارُ المدينة يُبرئُ الجذام"(1).

 

ومنها: قوله (ص): "إنَّ في غبارَها شفاءٌ من كلِّ داء"(2).

 

ومنها: قوله (ص): "والذي نفسي بيدِه انَّ تربتَها لمؤمنةٌ وأنَّها شفاءٌ من الجذام"(3).

 

ومنها: قوله (ص): "غبارُ المدينة شفاءٌ من الجذام" وفي رواية "غبار المدينة يُطفئُ الجذام"(4).

 

هذه الروايات الواردة من طُرق العامَّة تُعبِّر عن أنَّ الله تعالى قد جعَلَ لأرضِ المدينة المنوَّرة خصوصيَّةً هي أنَّ ترابها وغبارَها يقي من كلِّ داءٍ ويشفي من الجذام، وهي بذلك تحثُّ على التبرُّكِ بها لتحصيل هذا النفع، فلو أن أحدًا قصدَها وتبرَّك بغبارِها رجاءَ الوقايةِ من الأدواء أو الشفاء من الجذام مُعتقدًا أنَّ تلك خصوصيَّة قد منحتها العنايةُ الإلهيَّة لها وأنَّه ليس لها هذه الخاصيَّة لولا أنَّ اللهَ تعالى قد جعلَ لها ذلك، هل يصحُّ أن نرمي مَن قصدَ ذلك بالشِرك لمجرَّد أنَّه اعتقد وجود هذه الخصوصيَّة في أرضِ المدينة حتّى لو فُرضَ عدم صحَّة هذه الأخبار؟!

 

2- وردت رواياتٌ عديدة تحثُّ على المسح باليد على الحجرِ الأسود والركنِ اليماني والمقامِ وتُخبر أنّ لذلك آثارًا معنويَّة وأخرى مادِّيَّة:

 

منها: ما في الجامع الصغير للسيوطي عن ابن عمر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطا".

 

وصفه الألباني بالصحيح في كتابه صحيح الجامع الصغير ج1 ص 437(5).

 

ومنها: ما في سنن البيهقي بسنده عن عبد الله بن عمرو يقول: قالَ رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): إنَّ الركن والمقام من ياقوتِ الجنَّة، ولولا ما مسَّهما من خطايا بني آدم لأضاءتا ما بين المشرقِ والمغرب، وما مسَّهما من ذي عاهةٍ ولا سقيمٍ الا شفى",

 

قال النووي في كتابه المجموع : ورواه البيهقي باسناد صحيح على شرط مسلم ج8 ص 36(6).

 

ومنها: ما في المُستدرك بسندِه عن عن ابن عمر قال: سمعتُ رسولَ الله (صلَّى الله عليه وآلِه وسلم) يقول: إنَّ مسحَهما كفارةٌ للخطايا" يعني الركنين.

 

قال الحاكمُ النيسابوري: هذا حديث صحيح على ما بينتُه من حال عطاء بن السائب ولم يُخرِّجاه (7).

 

ودلالةُ هذه الروايات على أنَّ الحجرَ الأسود والركنَ اليماني والمقام من المواطن التي جعلَ اللهُ فيها البركة واضحةٌ، كما أنَّ دلالتَها على استحباب قصدها لتحصيلِ الآثار المذكورة أيضًا واضحة، وهذا هو معنى التبرُّك.

 

3- وردت روايات مستفيضة إن لم تكن متواترة تحثُّ على الاستشفاء بماء زمزم والتبرُّك به:

 

منها: ما في السنن الكبرى للبيهقي بسنده عن أبي ذر في حديثٍ قال: فقال رسول الله (صلَّى الله عليه وآلِه) وسلَّميعني زمزم: "إنَّها مباركةٌ إنَّها طعامُ طعِم وشفاءُ سقِم" قال: رواه مسلم في الصحيح عن هذاب بن خالد، ووصف الألباني بأنه صحيح في كتابه صحيح الجامع ج1 ص 478 (8).

 

ومنها: وما في الدرِّ المنثور للسيوطي قال: أخرج الديلمي في مسند الفردوس عن صفية (رضي الله عنها) عن النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلم) قال: "ماءُ زمزم شفاءٌ من كلِّ داءٍ "(9).

 

ومنها: ما في الدرِّ المنثور للسيوطي قال: أخرج الأزرقيُّ عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "التضلع من ماء زمزم براءة من النفاق"(10).

 

ومنها: ما في الدرِّ المنثور للسيوطي قال: وأخرج الدارقطني والحاكم وصحَّحه من طريق مجاهد عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم): ماء زمزم لِما شُرب له، فإنْ شربتَه تشتفي به شفاك اللهُ، وإنْ شربته مستعيذاً أعاذَك اللهُ، وانْ شربتَه ليقطعَ ظمؤك قطعَه اللهُ، وإنْ شربتَه لشبعِك أشبعَك اللهُ، وهي عزيمةُ جبريل وسُقيا إسماعيل (عليهما السلام) قال: وكان ابنُ عباس (رضي الله عنهما) إذا شرِبَ ماءَ زمزم قال: اللهمَّ إنِّي أسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاءً من كلِّ داء"(11).

 

ومنها: ما في الدرِّ المنثور للسيوطي قال: أخرج المستغفري في الطب عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ماء زمزم لما شرب له من شربه لمرض شفاه الله أو جوع أشبعه الله أو لحاجة قضاها الله".

 

قال الألباني في إرواء الغليل: حديث جابر: ( ماءُ زمزمَ لِما شُربَ له ) رواه أحمد وابن ماجة صحيح ج4 ص320(12).

 

تُلاحظون أنَّ هذه الروايات الواردة عن الرسول (ص) صريحةٌ في أنَّ الله تعالى جعل ماء زمزم وسيلةً لتحصيل البركة والنفع ودفع الضرر.

 

4- وردت أكثرُ من روايةٍ في (المُلتزَم) مفادُها أنَّه موضع لاستجابةِ الدعاء.

 

منها: ما أورده المقريزي في الإمتاع بسنده عن عمرو بن دينار قال: سمعت ابن عباس يقول: سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: "ما دعا أحد بشئ في هذا الملتزم إلا استجيب له" قال السيوطي في جامع الأحاديث: أخرجه الديلمى عن ابن عباس(13).

 

ومنها: اما أورده في مجمع الزوائد عن ابن عباس عن النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلم) قال: "ما بين الركنِ والمقام مُلتزَمٌ ما يدعو به صاحبُ عاهة الا برأ ". رواه الطبراني في الكبير"(14).

 

فالملتزَم بحسب هذه الروايات من مواطنِ استجابةِ الدعاء، وذلك يُعبِّر عن وجود خصوصيَّة أودَعها الله عزَّ وجلَّ فيه ومنحها إيَّاه، وهي تقتضي رجحان قصدِه لتحصيل هذا الأثرِ الممنوحِ من قِبَل الله تعالى.

 

وثمّة رواياتٌ أخرى كثيرة نوَّهت ببعض المواطن رأينا الإعراضَ عن ذكرِها خشيةَ الإطالة.

 

5- نقلتِ الكثيرُ من كتب علماءِ السُنَّة ما يُعبِّر عن وجود ارتكازٍ متشرِّعي وسيرة متشرعيَّة دأبَ المسلمون على سلوكِها والجري عليها دون نكير إلا ممَّن شذَّ منهم، هذه السيرة هي التبرُّك بقبور الصالحين والشهداء.

 

منها: ما ورد في المُغني لابن قدامة الحنبلي قال: "يُستحبُّ الدفن في المقبرة التي يكثر فيها الصالحون والشهداء لتنالَه بركتَهم، وكذلك في البِقاع الشريفة"(15).

 

ومنها: ما أفاده الغزالي في كتابه إحياء العلوم: ".. أنْ يسافرَ لأجل العبادة، إما لحجٍّ أو جهاد .. ويدخل في جملته زيارةُ قبورِ الأنبياء وزيارةُ قبور الصحابة والتابعين وسائر العلماء والأولياء، وكلُّ من يُتَبرَّك بمشاهدتِه في حياته يُتبرَّك بزيارتِه بعد وفاتِه .."(16).

 

ومنها: ما أفاده الحاكمُ في المستدرك وابن الجوزي في صفوةِ الصفوة عن قبر أبي أيُّوب الأنصاري قال: يتعاهدونَ قبرَه ويزورونَه ويستسقونَ به إذا قحَطوا(17).

 

ومنها: ما ذكره ابنُ جُبير في رحلتِه: "بلالٌ الحبشي مؤذِّنُ رسولِ الله (ص)، قبرُه بدمشق وفي رأس القبر المبارَك تاريخ باسمِه، والدعاءُ في هذا الموضع المبارَك مستجابٌ وقد جرَّب ذلك كثيرٌ من الأولياء وأهلُ الخير المتبرِّكين بزيارته"(18).

 

ومنها: ما أفاده السمهودي في كتابه وفاء الوفاء عن قبر صُهيب الرومي: "إنَّهم جرَّبوا ترابَ قبرِ صُهيب للحمَّى"(19).

 

6- نقلتِ الكثيرُ مِن كتب السنَّة تبرُّك المسلمين بل والعلماء بآثار الصالحين.

 

منها: ما ذكره في مجمع الزوائد عن ابن عمر أنَّه قال: قلتُ يا رسول الله، أتوضأ مِن جَرٍّ جديد مخمَّر أحبُّ إليك أم من المَطاهر؟ قال (ص): "لا بل من المَطاهر إنَّ دين الله يسَّر الحنيفيَّةَ السمحة" قال: "وكان رسول الله يبعثُ إلى المَطاهر فيؤتى بالماء فيشربُه يرجو بركةَ أيدي المسلمين "(20).

 

قال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثَّقون(21).

 

ومنها: ما حُكي عن العلامة أحمد بن محمد المُقري المالكي في فتح المتعال نقلاً عن ولي الدين العراقي قال: رأيتُ في كلام أحمد بن حنبل في جزءٍ قديم عليه خطُّ ابن ناصر وغيره من الحفَّاظ: أن الإمام أحمد سُئل عن تقبيل قبرِ النبيِّ (ص) ومنبرِه فقال: لا بأسَ بذلك.

 

قال: فأرينا التقي ابن تيميَّة فصار يتعجَّب من ذلك ويقول: "عجبتُ من أحمد عندي جليل .. وقال وأيُّ عجب في ذلك، وقد روينا عن الإمام أحمد أنَّه غسل قميصًا للشافعي وشربَ الماءَ الذي غسلَه به "(22).

 

ومنها: ما ذكره ابنُ الجوزي في صفوة الصفوة أنَّ الحسن البصري حنَّكه عمرٌ بيده، وكانت أمُّه تخدم أمَّ سلمة زوجَ النبيِّ (ص) فربَّما غابت فتعطيه أمُّ سلمة ثدييها تُعلِّله بها إلى أن تجيء أمُّه فيدر عليه ثديها فيشربُه، فكانوا يقولون فصاحته ببركةِ ذلك(23).

 

ومنها: ما ورد في تاريخ بغداد أن الإمام الشافعي كان يقول: إنِّي لأتبركُ بأبي حنيفة وأجيءُ إلى قبرِه كلَّ يوم، فإذا عرضتْ لي حاجةٌ صلَّيتُ ركعتين وجئتُ إلى قبره وسألتُ الله تعالى الحاجةَ عنده فما تبعد أنْ تُقضي(24).

 

ومنها: ما ورد في تاريخ بغداد، قال: ومقبرة باب الدير وهي التي فيها قبرُ معروف الكرخي أخبرنا بذلك إسماعيل بن أحمد الحيري، قال: أنبأنا محمّد بن الحسين السلمي قال: سمعتُ أبا الحسن بن مقسم يقول: سمعتُ أبا علي الصفار يقول: سمعتُ إبراهيم الحربي يقول: "قبرُ معروف الترياقُ المجرَّب"(25).

 

وورد ذلك عن إبراهيم الحربي في كتاب المقصد الأرشد في ذكر أصحاب أحمد لبرهان الدين إبراهيم بن محمّد بن مفلح(26).

 

التبرُّك بآثار أهل البيت (ع):

المحور الثالث: ونُوردُ في هذا المحور بعضَ ما نقلتْه كتبُ أهل السنَّة من تبرُّك الصحابةِ والتابعين وعمومِ المسلمين بآثار أهلِ البيت (ع) أو بآثار مَن يتَّصل بقرابةٍ إلى رسول الله (ص).

 

منها: ما ذكره السمهودي في كتاب وفاء الوفاء عن مسلم بن أبي مريم وغيره أنَّه كان بابُ بيت فاطمة بنت رسول الله (ص) في المربعة التي في القبر قال سليمان: قال لي مسلم: لا تنسَ حظَّك من الصلاة إليها فإنَّها بابُ فاطمة(ع) الذي كان عليٌّ (ع) يدخلُ عليها منه(27).

 

ومنها: ما ذكره السمهودي أيضًا وهو في صدد الحديث عن أسطوانة المحرس.

 

قال: كان عليُّ بن أبي طالب يجلسُ في صفحتها .. وهي الأسطوانة التي يصلِّي عندها أميرُ المدينة يجعلُها خلف ظهره، ولذا قال الأقشهري: إنَّ أسطوانة مصلَّى عليٍّ (ع) اليوم أشهرُ من أن تخفى على أهل الحرم، ويقصدُ الأمراء الجلوسَ والصلاةَ عندها إلى اليوم، وذكر أنَّه يُقال لها مجلس القادة لشرفِ من كان يجلسُ فيه"(28).

 

ومنها: ما ورد في الطبقات الكبرى قال: لمَّا خرج الحسين بن علي (ع) من المدينة يريد مكة مرَّ بابن مطيع وهو يحفرُ بئرَه، فقال له: أين فداك أبي وأمِّي؟ قال: أردتُ مكة وذكر أنه كتب إليه شيعتُه بالكوفة، فقال له ابنُ مطيع: فداك أبي وأمي متِّعنا بنفسِك ولا تسرْ إليهم فأبى الحسين (ع)، فقال له ابن مطيع: إنَّ بئري هذه قد رشحتُها، وهذا اليوم أوان ما خرج إلينا في الدلو شيء من ماء، فلو دعوتَ الله لنا بالبركة، قال (ع): هات من مائها، فأتى من مائِها فشرب منه ثم مضمضَ ثم ردَّه في البئر فأعذَب وأمهى"(29).

 

ومنها: ما ذكره ابنُ حجر في الصواعق المحرقة، قال: "لما بلغَ الرضا عليُّ بن موسى (ع) نيسابور واجتمع الناسُ حول دابَّتِه أخرج رأسَه من المحمل وشاهده الناس، فهم بين صارخٍ وباكٍ وممزِّقٍ ثوبَه ومتمرِّغٍ بالتراب ومقبِّلٍ لحافر بغلتِه أو مقبِّل حزام بغلتِه"(30).

 

ومنها: ما ورد في تهذيب التهذيب، قال أبو بكر بن محمد بن المؤمل: خرجنا مع إمام أهل الحديث أبي بكر بن خزيمة وعديله أبي علي الثقفي مع جماعةٍ من مشايخنا، وهم إذ ذاك متوافدون إلى زيارة عليِّ بن موسى الرضا بطوس. قال: فرأيتُ من تعظيمِه -يعني ابن خزيمة- لتلك البقعة وتواضعِه لها وتضرُّعه عندَها ما تحيَّرنا"(31).

 

ومنها: ما أخرجه الخطيبُ البغدادي بإسناده عن أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي قال: سمعتُ الحسنَ بن إبراهيم أبا علي الخلال شيخ الحنابلة في عصره يقول: ما همَّني أمرٌ فقصدتُ قبرَ موسى بن جعفر فتوسَّلتُ به إلا سهَّل اللهُ تعالى لي ما أُحبُّ"(32).

 

ومنها: ما ذكره السمهودي في كتابه وفاء الوفاء، قال: كان أهلُ البيت (ع) يتبرَّكون بحجرٍ في بيت فاطمة (ع) وعن عليِّ بن موسى الرضا (ع) قال: إنّه ولَدت فاطمة (ع) الحسنَ والحسينَ على ذلك الحجر أو كانت فاطمة تُصلِّي إليها"(33).

 

ومنها: ما حكي عن أنَّ الشبراوي عقَد بابًا كبيرًا في مشهد رأس الحسين (ع) وذكر فيه زياراته وشطرًا من الكراماتِ له وإحياء يوم الثلاثاء بزيارته قال: والبركاتُ في هذا المشهد مشاهدةٌ مرئية، والنفحاتُ العائدةُ على زائريه غيرُ خفيَّة، وهي بصحَّة الدعوى مليَّة والأعمالُ بالنية، ولأبي الخطاب بن دُحية في ذلك جزءٌ لطيف مؤلف، واستفتى القاضي زكي الدين عبد العظيم في ذلك فقال: هذا مكانٌ شريفٌ وبركتُه ظاهرةٌ، والاعتقاد فيه خيرٌ، والسلام(34).

 

ومنها: ما نقله السمهودي عن الزركشي قوله: "ثمّ استثنى في عدم جواز حمل تراب المدينة إلى غيرها -لكونها حرَمًا- تربةَ حمزة (رضيَّ الله عنه)، لإطباق الناس على نقلِها للتداوي ثم قال: حكى البرهانُ بن فرحون عن العالم أبي محمد عبد السلام بن إبراهيم بن مصال الحاحاني قال: نقلتُ من كتاب الشيخ العالم أبي محمد صالح الهرمزي قال: قال صالحُ بن عبد الحليم: سمعتُ عبد السلام بن يزيد الصنهاجي يقولُ: سألتُ ابن بكُّون عن ترابِ المقابر الذي كان الناس يحملونَه للتبرُّك هل يجوز أو يُمنع؟ فقال: هو جائز وما زال الناس يتبرَّكون بقبورِ العلماء والشهداءِ والصالحين، وكان الناسُ يحملون ترابَ قبرِ سيدنا حمزةَ بنِ عبد المطَّلب في القديمِ من الزمان"(35).

 

ومنها: ما ذكره محمّد بن حبَّان في كتابه مشاهير علماء الأمصار: "أنَّ زيد بن علي بن الحسين بن أبي طالب كان مِن أفاضل أهل البيت (ع) وعبّادِهم، قُتل بالكوفة سنة اثنتين وعشرين ومائة، وصُلب على خشبة، فكان العبَّاد يأوُون إلى الخشبة بالليل يتعبَّدون عندها، وبقيَ ذلك الرسم عندَهم بعد أنْ حُدر عنها .. ثمَّ أفاد: قلَّ مَن قصدَها لحاجةٍ فدعا اللهَ عند موضعِ الخشبة إلاَّ استُجيب له"(36).

 

ومنها: ما أورده في أُسد الغابة، قال: وروينا من وجوهٍ عن عمر أنّه خرج يستسقي وخرج معه العباسُ، فقال: اللهمَّ إنا نتقرَّبُ إليك بعمِّ نبيِّك (ص) ونستشفعُ به فاحفظ فيه نبيَّك كما حفظتَ الغلامين لصلاحِ أبيهما .. ثم قال فنشأت طريرةٌ من سحاب فقال الناس: ترون، ثم تلاءمتْ واستتمَّت ومشت فيها ريحٌ هزَّت ودرَّت، فواللهِ ما برحوا حتى أعقلوا الجدر وقلَّصوا المآزر وطفِق الناسُ بالعباس يتمسَّحون أركانَه ويقولون هنيئًا لك ساقي الحرمين(37).

 

وأفاد الإمام النووي: "ويُستسقى بالخيار من أقرباء رسول الله (ص) لأنَّ عمر استسقى بالعباس وقال: اللهمَّ إنَّا كنَّا إذا قحطنا توسَّلنا إليك بنبيِّنا فتسقينا، وإنَّا نتوسَّلُ إليك بعمِّ نبيِّنا فاسقِنا، فيُسقَون"(38).

 

وقال ابنُ حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري: "يُستفادُ من قصَّة العباس استحبابُ الاستشفاع بأهلِ الخيرِ والصلاحِ وأهل بيت النبوَّة "(39).

 

هذا بعض ما ورد في كتبِ علماء العامَّة فيما يرتبط بالتبرُّك بآثارِ أهل البيت (ع) ومن يتَّصل بقرابةٍ إلى رسول الله (ص).

 

وبمجموع ما ذكرناه يتبيّنُ فسادُ دعوى أنَّ التبرُّك بآثار النبيِّ (ص) وأهل بيتِه (ع) من الشِرك.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

14 ربيع الأول 1427 هـ


1- كنز العمّال للمتّقي الهندي 34829.

2- كنز العمّال للمتّقي الهندي 34828.

3- وفاء الوفاء: 1/67.

4- كنز العمّال للمتّقي الهندي 34830.

5- كنز العمّال للمتّقي الهندي 34732.

6- كنز العمّال للمتّقي الهندي 34742.

7- كنز العمّال للمتّقي الهندي 34757.

8- كنز العمّال للمتّقي الهندي 34769.

9- كنز العمّال للمتّقي الهندي 34777.

10- كنز العمّال للمتّقي الهندي 34778.

11- كنز العمّال للمتّقي الهندي 34775.

12- كنز العمّال للمتّقي الهندي 34776.

13- كنز العمّال للمتّقي الهندي 34758.

14- كنز العمّال للمتّقي الهندي 34759.

15- المغني لابن قدامة المقدسي.

16- إحياء العلوم للغزالي.

17- مستدرك الصحيحين: 3/518، صفوة الصفوة لابن الجوزي: 1/407.

18- رحلة ابن جبير: 251.

19- وفاء الوفاء للسمهودي: 1/69.

20- مجموع الزوائد: 1/214.

21- مجمع الزوائد 1/214، كنز العمّال: 18231.

22- مناقب أحمد لابن الجوزي: 609، البداية والنهاية لابن كثير: 10/365 حوادث لسنة 241.

23- صفوة الصفوة لابن الجوزي: 3/47.

24- تاريخ بغداد 1/123 باب ما ذكر في مقابر بغداد.

25- تاريخ بغداد: ج1/122.

26- المقصد الأرشد في ذكر أصحاب أحمد لبرهان الدين إبراهيم بن محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مفلح: ج3/37.

27- وفاء الوفاء للسمهودي: 2/450.

28- وفاء الوفاء للسمهودي: 2/448.

29- الطبقات الكبرى لابن سعد: 5/107.

30- الصواعق المحرفة لابن حجر: 310.

31- تهذيب التهذيب: 7/339.

32- تاريخ بغداد: 1/120.

33- وفاء الوفاء للسمهودي: 1/572.

34- تذكرة الحفّاظ: 1/121.

35- وفاء الوفاء للسمهودي: 1/69.

36- مشاهير علماء الأمصار لابن حبَّان: ج1/63.

37- أسد الغابة: 3/167 ترجمة عبّاس بن عبد المطّلب رقم 2797، صحيح البخاري باب صلاة الاستسقاء 2/32 ح 947.

38- المجموع شرح المهذب للإمام النووي: 5/68 كتاب الصلاة باب الاستسقاء.

39- فتح الباري في شرح صحيح البخاري: 2/299.