كراهةُ شُربِ سُؤر الحائض

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

لماذا يُكره الشُّرب من سؤرِ الحائض؟

الجواب:

المُرادُ من السُّؤر بحسب الاصطلاح الفقهيِّ هو مُطلق الشَّراب أو الطعام الذي باشره جسدُ إنسانٍ أو حيوان، فإذا شربَ إنسانٌ أو حيوانٌ من شرابٍ فما يفضلُ منه يُسمَّى سؤراً، وهكذا لو أكلَ إنسانٌ أو حيوان من طعامٍ ففضلَ منه شيءٌ فإنَّ هذا الطَّعام يُسمَّى سؤراً، وكذلك لو وضع الإنسان يده في طعامٍ أو شرابٍ فإنَّه يُسمَّى بذلك سؤراً لذلك الإنسان.

شرب سؤر الحائض لم تثبت كراهته:

وأمَّا لماذا يُكرهُ شُربُ أو أكلُ سؤرِ الحائض فجوابُه أنَّ ذلك لم يثبت، فلا كراهةَ في تناول ما يفضلُ من شرابِ أو طعامِ الحائض، والثَّابت إنَّما هو كراهة التَّوضُّأ من سُؤر الحائض إذا لم تكن مأمونةً من جهة الطَّهارة والنَّجاسة، وأمَّا إذا كان التزامُها بالطَّهارة مُحرَزًا فإنَّ الكراهة قد لا تكون ثابتةٍ أيضاً.

ويدلُّ على ذلك ما ورد عن أهلِ البيت (ع) حيث أفادوا التّفصيلَ بين الشُّربِ والوضوء فنفوا البأس عن الشُّربِ، وأفادوا أنَّ التوضأ من سؤر الحائضِ مكروهٌ إذا لم تكن مأمونة.

فممَّا ورد من رواياتٍ في ذلك هو ما رواه الكُلينيُّ بسندٍ معتبرٍ عن الحسين بن أبي العلاء قال: "سألتُ أبا عبد الله عن الحائض يُشربُ سُؤرُها؟ قال: نعم، ولا تتوضَّأ منه"(1).

ومنها: ما رواه الكُلينيُّ بسنده عن عنبسة عن أبي عبد الله (ع) قال: "اشربْ من سُؤر الحائض ولا تتوضَّأ منه"(2).

ومنها: ما رواه الشَّيخ في التَّهذيب بسندٍ مُعتبرٍ عن عليّ بن يقطين عن أبي الحسن (ع) في الرَّجل يتوضَّأُ بفضلِ الحائض قال: "إذا كانتْ مأمونة فلا بأس"(3).

ومقتضى الجمع العُرفيّ بين معتبرة عليِّ بن يقطين ومُعتبرة الحسين بن أبي العلاء هو تقييد كراهةِ التَّوضُّأ من سُؤر الحائض بما إذا كانت غير مأمونة، أمَّا إذا كانت مأمونةً فالكراهةُ منتفية.

نعم ورد في رواية العيص بن القاسم قال: سألتُ أبا عبد الله (ع) عن سؤرِ الحائض فقال: لا توضّأْ منه، وتوضّأْ من سؤرِ الجُنب إذا كانت مأمونةً"(4).

فلو تمَّت هذه الرّواية سندًا فإنَّها تقتضي كراهةَ التّوضُّأ من سُؤر الحائض حتَّى لو كانت مأمونة، وذلك للتَّفصيل الوارد في الرّواية بين سُؤر الحائض وسُؤر الجُنب، والتَّفصيلُ قاطعٌ للشركة بمعنى أنّه لا يُمكن أنْ يكون حكمُ سُؤر الحائض وسُؤر الجُنب واحداً بعد ورود التّفصيل بينهما في الرّواية.

إلاّ أنَّ هذه الرّواية وردتْ في التّهذيب(5) والاستبصار(6) دون لفظ "لا" أي وردت هكذا: "توضّأ منه -أي سؤر الحائض- وتوضّأ من سؤر الجُنب إذا كانت مأمونة".

فلو رجّحنا روايةَ التّهذيب فحينئذٍ لا تكون ثَمّة منافاةٌ بين رواية العيص ومُعتبرة عليِّ بن يقطين، أمّا لو كان التّرجيح بجانب رواية الكُلينيِّ فحينئذٍ تكونُ النَّتيجةُ هي الحكم بكراهة الوضوء من سُؤر الحائض مُطلقًا ولكنّ الكراهة تشتدُّ لو كانت الحائض غيرَ مأمونة.

ولا يبعد أنّ الرَّاجح هو ما ورد في التّهذيب والاستبصار على ما ورد في الكافي للكُلينيِّ وذلك لتماميَّة سند الشَّيخ للعيص بن القاسم وإنْ كان مُشتملاً على عليِّ بن محمّد بن الزّبير، وأمّا سند الكُلينيِّ للعيص بن القاسم فلا يخلو من إشكال.

إلا أنَّه ورغم ذلك فإنَّ الصحيح هو كراهة التوضُّأ من سؤر الحائض مُطلقاً فإنَّ مقتضى الجمع بين مُعتبرة ابن أبي العلاء ومعتبرة ابنِ يقطين ليس هو تقييد النهي عن سؤر الحائض بما إذا كانت مأمونةً بل إنَّ مقتضى الجمع هو البناء على اشتداد الكراهة في فرض كون الحائضِ غيرَ مأمونة وإلا فالتوضُّأ من سؤرها مكروهٌ مُطلقاً، وذلك لأنَّ النهي في معتبرة ابن أبي العلاء لمَّا لم يكن الزاميَّاً فإنَّ ما ورد في معتبرة ابن يقطين لا يصلحُ لتقييده بل هو من تأكيد المطلوب، فالتنزُّه عن التوضؤ من سؤر الحائض مطلوبٌ مطلقاً، ويتأكُّد في فرض كونِها غير مأمونةٍ. هذا هو مقتضى الجمع بين المعتبرتين.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج1 / ص236.

2- المصدر السابق.

3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج1 / ص237.

4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج1 / ص234.

5- تهذيب الأحكام -الشيخ الطوسي- ج1 / ص222.

6- الاستبصار -الشيخ الطوسي- ج1 / ص17.