إطالةُ الثيابِ منافٍ للسُنَّة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآل محمد

المسألة:

هل من المكروه لبسُ الملابس الطويلةِ جداً؟ وما هي الروايات التي تتحدَّث عن هذا الموضوع؟ وهل هناك مقياس للملابس الطويلةِ فمثلاً هي التي تلامسُ الأرض أو هي التي تُخفي تمام القدمين؟

الجواب:

الثابتُ من السُنَّة الشريفة هو مرجوحيَّة لبس الثيات الطويلةِ للرجال، فقد ورد في رواياتٍ عديدة أنَّ المراد من الأمر بالتطهير في قولِه تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾(1) هو طلبُ التشميرِ للثياب وتقصيرِها.

فمِن هذه الروايات: ما رواه الكلينيُّ في الكافي بسندٍ صحيحٍ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) في قوله عزوجل ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ قال: "فشمِّر"(2).

ومنها: ما رواه الكلينيُّ أيضاً بسنده عن أبي الحسن موسى بن جعفر(ع) قال: "إنَّ الله تعالى قال لنبيَّه (ص) ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ وكانت ثيابه طاهرة وإنَّما أمره بالتشمير"(3).

ولعلَّ منشأ تفسير الأمر بالتطهير في الآية -أي بالتشمير- هو أنَّ التشميرَ مقتضٍ لبقاء الثوب طاهرةً، وذلك بخلاف إطالتها فإنَّها تكون حينئذٍ في معرَض التلوُّث بقذارات الأرض وأوساخِها.

فتفسيرُ التطهير بالتشمير إنَّما هو بمعنى بيان ما يقتضي بقاء الثوب على الطهارة، ولذلك ورد أنَّ أمير المؤمنين(ع) -كما في الدعوات للراوندي- رأى رجلاً يجرُّ ثوبَه فقال: "ياهذا قصِّر منه فإنَّه أتقى وأبقى وأنقى"(4).

فقوله (ع) "أنقى" تعبيرٌ عن أنَّ واحداً من مناشئ الأمر بالتشمير هو التحفُّظ على الثياب عن أنْ تكون في معرَض التلوُّث بقذارات الأرض وأوساخها.

المنشأ الثاني:

ثم إنَّ الروايات أشارت إلى منشأٍ آخر للأمر بتقصير الثياب وهو أنَّ الإطالة للثياب سلوكُ المتكبِّرين ويبعثُ على الشعور بالخُيلاء.

روى الكلينيُّ بسندٍ صحيح عن أبي بصير أبي جعفر (ع) قال: إنَّ النبيَّ (ص) أوصى رجلاً من بني تميم فقال له: "إيَّاك وإسبال الإزار والقميص، فإنَّ ذلك من المخيلة، والله لا يحبُّ المخيَلة"(5).

وروى الكلينيُّ أيضاً بسندٍ معتبرٍ عن أبي حمزة رفعه، قال: نظر أميرُ المؤمنين (ع) إلى فتىً مرخٍ إزارَه فقال: "يا بُنيَّ ارفعْ إزارَك فإنَّه أبقى لثوبِك وأتقى لقلبِك"(6).

فالمُستظهَر من الرواية أنَّ إرخاء الثوب لمَّا كان مبعثاً على الخيَلاء كان تقصيره أتقى للقلب، لأنَّه ينفي عنه واحداً من مقتضيات الخُيلاء الذي هو منافٍ للتقوى.

وروى الشيخ الطوسي في مجالسه بسنده عن أبي ذر قال: قال رسولُ الله (ص): "يا أبا ذر من جرَّ ثوبَه لم ينظر اللهُ عزَّوجل إليه يوم القيامة"(7).

وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر عن الأصبغ قال: "سمعتُ عليَّاً (ع) يقول: ستةٌ من أخلاق قوم لوط: الجلاهقُ وهو البندق، والخذفُ، ومضغُ العلك وإرخاءُ الإزار خيلاءَ والصفيرُ وحلُّ الأزرار"(8).

المنشأ الثالث:

وثمة منشأٌ ثالث للنهيِ عن إطالة الثياب -أفادتْه بعضُ الروايات الواردة عن أهلِ البيت(ع)- وهو التشبُّه بالنساء، روى الكلينيُ بسندٍ موثَّق عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يجرُّ ثوبَه قال (ع): "إنِّي لأكرهُ أنْ يتشبَّه بالنساء"(9).

الحدُّ الذي ينبغي أنْ تكون عليه ثوبُ الرجل:

وأمَّا الحدُّ الذي ينبغي أنْ تكون عليه ثوبُ الرجل من جهة الطول فأقلُّه أنْ لا يُصيبَ ذيلُها وجه الأرض، وأفضلُ من ذلك أنْ لا يتجاوزَ بذيلِها الكعبين.

روى الكلينيُّ بسندٍ معتبر عن المعلَّى بن خنيس عن أبي عبد الله (ع) أنَّه قال: ".. والله عزَّ وجل يقول: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ قال: وثيابك فارفعْها ولاتجرَّها، فإذا قام قائمنا كان هذا اللباس"(10) فإنَّ النهيَ عن جرِّها يتحقَّقُ برفعِها عن مستوى وجه الأرض.

وأمَّا أنَّ الأفضل من ذلك فهو أنْ لا يتجاوزَ ذيلُ الثوب الكعبين فلأنَّه المنصوص عليه في بعض الروايات.

منها: ما رواه في دعائم الإسلام عن أبي جعفر (ع) قال: "لا يُجاوزْ ثوبك كعبيك فإنَّ الإسبال من عمل بني أميَّة"(11).

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- سورة المدثر / 4.

2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج5 / ص38.

3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج5 / ص40.

4- مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج3 / ص261.

5- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج5 / ص41.

6- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج5 / ص42.

7- مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج3 / ص263.

8- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج5 / ص45.

9- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج5 / ص25.

10- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج5 / ص40.

11- مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج3 / ص262.