لبس المخيط للمحرم اضطراراً

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ما هو الدليل على لزوم التكفير بشاةٍ عند لبس المحرم للمخيط في ظرف الاضطرار؟

الجواب:

عمدةُ ما استُدلَّ به على لزوم التكفير عند لبس المخيط في فرض الاضطرار أمور ثلاثة:

الأول: دعوى الإجماع كما أفاد ذلك صاحبُ الجواهر (رحمه الله) حيث أفاد أنَّ الإجماع بقسميه قاضٍ بذلك.

الثاني: إطلاق ما دلَّ على أنَّ مَن لبس المخيط متعمِّداً فعليه دمُ شاة مثل معتبرة زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: "من لِبس ثوباً لا ينبغي له لبسُه وهو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً أو ساهياً فلاشيء عليه، ومَن فعلَه متعمِّداً فعليه دم"(1).

فمفاد المعتبرة هو لزوم التكفير بشاةٍ على المُتعمِّد للبس المخيط مُطلقاً سواءً كان مضطراً أو لم يكن.

الثالث: معتبرة محمد بن مسلم قال: سألتُ أبا جعفر (ع) عن المُحرم إذا احتاج إلى ضروبٍ من الثياب يلبسُها قال (ع): "لكلِّ صنفٍ منها فداء"(2).

والحاجة إمَّا هي الاضطرار لأنَّ غير الاضطرار لا يسوِّغ اللبس تكليفاً، وإمَّا أنْ تكون الحاجة شاملةً بإطلاقها لفرض الاضطرار فتكون المعتبرة بمقتضى إطلاقها هو لزوم التكفير على كلِّ من لبس المخيط لحاجةٍ سواءً كانت هذه الحاجة بمستوى الاضطرار أو كانت دون ذلك.

وقد أُورد على الاستدلال بالإجماع أنَّه ليس من الإجماعات التعبُّديَّة، وذلك لاحتمال أنَّ مستند المجمعين هو إطلاق الروايات أو معتبرة محمد بن مسلم، فالإجماعُ المدَّعى على فرض ثبوته صغرويَّاً محتمِلٌ للمدركيَّة، وحيثُ كان كذلك فلا يكون حجَّةً حتى بناءً على حجيَّة الإجماع، لأنَّ الإجماع الذي قيل بحجيَّته إنَّما هو الإجماع التعبُّدي، والتعبُّديَّة منتفية عن الإجماع المدَّعى في المقام نظراً لاحتمال مدركيَّته.

وأمَّا الاستدلال بالإطلاق فأُورد عليه بأنَّه وإنْ كان تامَّاً بدواً إلا انَّه مقيَّدٌ بحديث الرفع حيثُ اشتمل على قوله: "رُفع .. ما اضُطروا إليه" ومفادُه رفع الأثر التكليفي الناشيء عن الفعل في ظرف الاضطرار، وحيث إنَّ الكفارة أثرٌ تكليفيٌّ للبس المخيط فهو مرفوعٌ في ظرف الاضطرار بمقتضى حديث الرفع، ذلك لأنَّ العلاقة بين إطلاق ما دلَّ على لزوم التكفير عند لبس المُحرم للمخيط وحديث الرفع هو علاقة الإطلاق والتقييد ومقتضى الصناعة هو حملُ الإطلاق على إرادة المقيَّد أو يُقال إنَّ حديث رفع القلم عن المضطر حاكمٌ على أدلَّة الأحكام التكليفيَّة الأوليَّة.

وأمَّا الاستدلال بمعتبرة محمد بن مسلم فأُورد عليه بأنَّ الحاجة لا تُساوق الاضطرار، فهي تصدقُ حتى في فرض عدم بلوغ الحاجةِ مرتبة الضرورة.

وأمَّا دعوى تعيُّن إرادة المرتبة البالغة حدّ الضرورة بقرينة أنَّ ما دونها لا يُسوِّغ اللبس للمخيط فجوابها انَّ الرواية لم تكن بصدد بيان حكم الجواز وعدمه في فرض الحاجة وإنَّما هي بصدد بيان ما يترتَّب على لبس صنوف الثياب في ظرفِ الحاجة.

على أنَّه لو كانت بصدد الحكم بجواز اللبس في ظرف الحاجة فإنَّ ذلك لا يقتضي استظهار إرادة الضرورة من الحاجة، وذلك لاحتمال أنَّ مطلق الحاجة مصحِّح تكليفاً للبس المخيط، إذ لا محذور في الجواز عقلاً كما انَّ الضرورة الفقهية لا تقتضي المنع من جواز لبس المخيط في ظرف الحاجة غير البالغة حدَّ الضرورة.

ومن ذلك لا يصحُّ استظهار إرادة خصوص الضرورة من عنوان الحاجة الوارد في سؤال السائل، وعليه فالرواية مطلقة، وهي تقتضي بإطلاقها لزوم التكفير عند لبس المخيط في ظرف الحاجة سواءً كانت هذه الحاجة بمستوى الضرورة أو كانت دون ذلك.

وبذلك تكون مقيَّدة هي أيضاً بحديث الرفع.

والنتيجة المتحصَّلة ممَّا ذكرناه هو عدم لزوم التكفير بشاة عند لبس المحرم للمخيط في فرض الاضطرار، إلا انَّ الاحتياط في ما عليه المشهور من لزوم التكفير.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- الكافي -الشيخ الكليني- ج4 / ص348.

2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج13 / ص159.