معنى "أبي قترة والرسيس" في الدعاء المأثور

المسألة:

ورد في بعض الأدعية الواردة عن آل البيت (ع)، أسماء من قبيل "الرسيس وأبي قترة" و"هيا براهيا" فما معنى هذه الأسماء؟

الجواب:

كلمتا الرسيس وأبي قترة وردتا في الدعاء المأثور عن أبي الحسن الكاظم (ع) قال: "وأعوذ بوجه الله الكريم وبسم الله العظيم من شرِّ ما ذرء وبرءَ, ومن شرِّ ما تحت الثرى، و من شرِّ ما ظهر وما بطن، ومن شرِّ ما كان في الليل والنهار ومن شرِّ أبى مرَّة وما ولَد ومن شرِّ الرسيس، ومن شرِّ ما وَصفتُ وما لم أَصفُ"(1).

والمراد من الاستعاذة من أبي مُرَّة هو الاستعاذة من إبليس، لانَّ تلك هي كنيتُه أو هكذا كان يكنِّيه الكثيرُ من الناس كما يُستفاذ ذلك من كُتب اللغة كلسان العرب والنهاية في غريبِ الحديث لابن الأثير ومجمع البحرين للطريحى، ولعلَّ منشأ تكنيتِه بذلك هو التعبيرُ عن قبح أفعالِه وآثارِه، فحيثُ إنَّ المُرَّ من الطعام تَستقبحُه وتستبشعُه الطِّباع فكذلك هي أفعالُ وآثارُ إبليس.

ومن هنا -ظاهراً- صار التكنِّي بأبي مُرَّة مكروهاً، إذ انَّ المعروف بهذه الكُنية هو إبليس، ولا ينبغي التكنِّي بما يُكنى به إبليس، وقد ورد عن زرارة قال سمعتُ أبا جعفر الباقر (ع) يقول: إنَّ رجلاً كان يغشى -أي يزورُ- عليَّ بن الحسين (ع) كان يُكنَى أبا مُرَّة، وكان إذا استأذن عليه كان يقول: أبو مُرَّة بالباب، فقال له عليُّ بن الحسين (ع): يا هذا إذا جئتَ بابَنا فلا تقولنَّ أبا مُرَّة"(2).

فمقتُ الإمام زين العابدين (ع) لهذه الكنية ونهيه المتكنِّي بها أنْ يتكَّنى بها عنده لعلَّه ناشىء عن انَّ المعروف بهذه الكنية هو إبليس فكأنَّه حين يقول: "أبو مُرَّة بالباب" إنَّ إبليسُ بالباب، وهو أمرٌ مستوحَشٌ عند الإمام (ع).

هذا وقد ورد في بعض نُسخ الكافي بدلاً من "أبي مُرة" "أبي قِتْرة" إلا انَّ أكثر النُسخ -كما أفاد العلامة المجلسي- أشتملت على "أبي مُرَّة"، نعم كلمة "أبي قِتْرة" وردت في أكثر نسخ كتاب المحاسن لأحمدَ بنِ محمد بن خالد البرقي رحمه الله.

وقِتْرة بكسر القاف وسكون التاء بدون "أبي" عَلَم على الشيطان، فهو اذن اسمٌ من أسمائه، لذلك ورَد في الحديث كما في النهاية لابن الاثير "تعوذوا بالله من قِتْرة وما وَلَد" ولعلَّ ذلك هو ما يُؤيِّد بعضَ النُسخ التي اشتملت على الاستعاذة من قِتْرة دون كلمة "أبي" إلا انَّ ذلك لا يمنع من احتمال صحَّة النُسخ التى اشتملتْ على كلمة "أبي قِتْرة" فإنَّ أبا قِتْرة كنيةٌ أُخرى لإبليس كما ذكر ذلك عددٌ مِن اللغويِّين كالخليل ابن أحمد الفراهيدي في كتاب العين قال: "وأبو قِتْرة كُنية إبليس" وذكر ذلك ابنُ منظور في لسان العرب والفيروز آبادي في القاموس المحيط(3).

ولعلَّ منشأَ تسميةِ أو تكنيةِ إبليس بأبي قِتْرة هو انَّ العرب تُطلق اسم ابن قِتْرة على حيَّةٍ يصفونُها بالخبيثة وانَّها تنزو في الرأس، ولا يسلمُ مَن لَدغتْه، ولعلَّ منشأَه أمرٌ آخر وهو ان التقاتُر يُطلقُ ويُرادُ منه التخاتُل، والختل هو الخديعة وهو ما يناسب واقعُ إبليس وأفعالُه.

وأمَّا المرادُ من الرسيس الذي وردت الاستعاذةُ منه في الدعاء المأثور فهو الحُمَّى التى لا تُفارقُ المُصابُ بها أو هو أثرُ الحُمَّى والمضاعفاتُ المترتبةُ عليها، وقد يُطلق الرسيس على الهوى والعِشق الذي يثبتُ في النفس فيُفسد على الإنسان إستقرارَه وصبرَه فيكون أثرُه كأثر الحُمَّى، وعليه فمِن المُحتمل انَّ ذلك هو المُستعاذُ منه في الدعاء.

وأما كلمة "هيا براهيا" فهي ليست عربيَّة وإنَّما هي متَّخذة من اللغة العبرية وفسَّرها بعضُهم بأنَّها من أسماء الله تعالى، وهي تعني يا حي يا قيوم.

وكيف كان فمثل هذه الكلمات العبريَّة وردتْ في بعض الأحراز والأدعية المنسوبةِ للرسول (ص) وأهل بيتِه (ع) إلا انَّ ذلك لم يثبت عنهم بأسانيدَ معتبرة.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- الكافي -الشيخ الكليني- ج2 ص532.

2- جواهر الكلام -الشيخ الجواهري- ج31 ص256.

3- كتاب العين -الخليل الفراهيدي- ج5 ص125، لسان العرب -ابن منظور- ج2 ص552، القاموس المحيط -الفيروز آبادي- ج2 ص133.