السند لحديث: (يُصلحُ به بين فئتينِ من المسلمين)

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ما المقصود بالفئتين في الحديث الوارد عن النبيِّ (ص) في الإمام الحسن (ع): "ابني هذا سيِّدٌ، ولعلَّ اللهَ أنْ يُصلحَ به بين فئتين من المسلمين"(1)؟

الجواب:

هذا الحديثُ المنسوبُ للنبيِّ (ص) لم يردْ من طرقِنا وإنَّما ورد من طُرق العامَّة، ولذلك فإنَّه لم يثبتْ عندنا صدورُه عن النبيِّ الكريم (ص) بدليلٍ معتبر، فلا يصحُّ الاحتجاجُ به، نعم ينقلُه بعضُ علمائِنا في كتبِهم لغرض الاحتجاجِ به على مَن يُؤمنُ بصحَّتِه من علماء العامَّة.

هذا ومن المرجَّح أنَّ هذا الحديثَ كان من وضعِ الأمويِّين، فهم قد وضعوا الكثيرَ من الأحاديث ونسبوها إلى النبيِّ الكريم (ص) وكانوا يبتغون من وراءِ ذلك إضفاءَ الشرعيَّة على تحكُّمِهم في رقاب المسلمين، ومآربَ أخرى كانت من وراء ذلك لسنا بصدد استعراضِها.

وأمَّا ما هو المراد من الفئتين من المسلمين في هذا الحديث المنسوب للرسول الكريم (ص) فهما الفئة التي كانت بايعتْ الإمام الحسن (ع) على الخلافةِ بعد أمير المؤمنين (ع) وهم عامَّةُ المسلمين، والفئةُ الثانية هم أهلُ الشام الذين كانوا تحت أُمرة معاوية بن أبي سفيان.

ولا ريبَ أنَّ كلًا من الفئتين كانوا من المسلمين، غايتُه أنَّ إحدى الفئتين كانت فئةً باغية، وهي الفئةُ التي كان يقودُها معاويةُ بنُ أبي سفيان، فقد حاربت هذه الفئةُ أميرَ المؤمنين عليَّ بن أبي طالب (ع) والذي كان خليفةً على المسلمين بإجماع الأمَّة، وقد وجبَ على الأمَّة مجاهدتُها كما صرَّح بذلك القرآنُ الكريم في قوله تعالى: ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾(2).

وقد بذل أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب (ع) جهدًا مُضنيًا في سبيل دخول أهل الشام فيما دخلَ فيه المسلمون إلا أنَّهم -ويقودُهم معاويةُ وبنو أميَّة- أصرُّوا على الشِقاق والحربِ فحاربَهم أميرُ المؤمنين عليٌّ (ع) ومَن معه من عامَّة المسلمين امتثالًا لأمرِ الله تعالى، ثم حين استُشهد عليٌّ (ع) قام بالأمر ابنُ رسولِ الله الحسنُ المجتبى (ع) وعبَّأ الناس لمجاهدةِ الفئِة الباغية إلا أنَّهم خذلوه أسوأ ما يكون عليه الخذلانُ فألجأَه ذلك للمُهادنةِ والصلحِ مع معاوية.

فكان في المهادنة حقنٌ لدماء مَن ثبتَ معه على الحقِّ، وأخطأ كلُّ مَن خذلَه حظَّه في الآخرة: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾(3).

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- مسند أحمد ج5 / ص38، صحيح البخاري ج3 / ص169.

2- سورة الحجرات / 9.

3- سورة الروم / 57.