تمكين الكفَّار من دخول المساجد

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل هناك خلافٌ بين فقهاء الإماميَّة في حكم دخول الكفار للمساجد؟ وهل هناك فرق بين المسجد الحرام وسائر المساجد؟ وماهو حكم دخول الكفار مكة والمدينة المنورة؟

الجواب:

لا يجوز تمكين المشركين بل مطلق الكفار من دخول المساجد فضلاً عن المسجد الحرام والمسجد النبويِّ الشريف، والحكم بالحرمة كما أفاد صاحبُ الجواهر ممَّا انعقد عليه اجماع المسلمين المحصَّل منه والمنقول مستفيضاً(1) وقد نَقل الاجماع عن صاحب المسالك وحكى عن المنتهى للعلامة رحمه الله تعالى أنَّ الحكم بالحرمة هو مذهبُ أهل البيت (ع) وأفاد أنَّ العلامة في التحرير والمقداد السيوري في كنز العرفان نسبا هذا الحكم إلى معشر الإماميَّة(2) وكلُّ ذلك يُعبِّر عن إجماع الإماميَّة على الحرمة.

هذا مضافاً إلى ما ورد في رواية الراوندي بسنده عن موسى بن جعفر (ع) عن آبائه (ع) قال: قال رسولُ الله (ص): "ليمنعنَّ أحدُكم مساجدكم يهودَكم ونصاراكم وصبيانَكم ومجانينَكم أو ليمسخنَّكم اللهُ قردةً وخنازيرَ رُكَّعاً وسُجَّداً"(3).

وما ورد في الدعائم عن عليٍّ (ع) أنَّه قال: "لتمنعُنَّ مساجدكم يهودَكم ونصاراكم وصبيانكم ومجانينكم أو ليَمسخنَّكم اللهُ قردةً وخنازيرَ رُكَّعاً سُجَّداً"(4).

والروايتان وإنْ كانتا ضعيفتي السند إلا أنَّهما صالحتان للتأييد لو لم نقل بانجبار ضعفِهما بعمل الأصحاب كما هو غير مُستبعدٍ نظراً لكشف الاجماعات المنقولة على اشتهار الحكم بالحرمة بين القدماء خصوصاً وأنَّ التعبير بالاجماع كان بصيغة النسبة إلى مذهبِ أهل البيت (ع) كما هو دعوى العلامة في المنتهى، نعم لا يُمكن احراز استنادهم في ذلك إلى الروايتين، فلعلَّهم استندوا في الحكم بالحرمة إلى شيءٍ آخر كالبناء على نجاسة أهل الكتاب المُقتضي للحكم بحرمة دخولِهم المساجد رعايةً لحرمتها ولكي لا تكون في معرض التنجيس والذي هو محرم بلا ريب أو لعلَّهم استندوا إلى رواياتٍ لم تصلنا كما يُشعر بذلك ما أفاده المقداد السيوري حيث أفاد أنَّ الدليل على حرمة التمكين هو النصوص الواردة عن أهل البيت (ع).

ثم إنَّ صلاحية الروايتين للتأييد لا يمنع منه اشتمالها على ما يُعلَم بعدم حرمة تمكينِهم من المساجد وهم الصبيان والمجانين، وذلك لأنَّ خروج تمكينهم من دخول المساجد عن حدِّ الحرمة نشأ عن قيام الدليل الخاص على ذلك، وهو ما يقتضي استكشاف عدم إرادة الحرمة من الأمر بالمنع عن تمكين الصبيان والمجانين ويبقى الأمر بالمنع ظاهراً في إرادة الحرمة بالنسبة لليهود والنصارى لعدم وجود ما يقتضي خلاف الظاهر.

وكيف كان فالمعوَّلُ عليه في البناء على حرمة تمكين الكفار من دخول المساجد هو الاِجماع الذي لا يبعد بلوغُه مستوى التسالم بين الإماميَّة، وهذا هو ما اقتضى عدم اسقاطه باحتمال المدركيَّة، لأنَّ الاجماع البالغ حدَّ التسالم لا يُضيِّره احتمال المدركيَّة كما هو مقتضى التحقيق.

وأمَّا تمكين المشركين وسائر الكفَّار من دخول الحرم الشريف والذي هو أوسع من مكة المعظَّمة فهو محرَّمٌ أيضاً، وقد ادُّعي على ذلك الاجماع مضافاً إلى ما أرسله الدعائم عن الإمام جعفر الصادق (ع) قال: "لا يدخلُ أهلُ الذمَّة الحرمَ ولا دارَ الهجرة ويُخرَجون منها"(5).

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- جواهر الكلام -النجفي- ج21 / ص287.

2- جواهر الكلام -النجفي- ج21 / ص287.

3- النوادر -الراوندي- ص 241، الحدائق الناضرة -الشيخ يوسف البحراني- ج7 / ص279.

4- دعائم الإسلام -القاضي النعمان- ج1 / ص149، مستدرك الوسائل- النوري- ج3 / ص381.

5- دعائم الإسلام -القاضي النعمان- ج1 / ص381، مستدرك الوسائل- النوري- ج11 / ص102.