معنى العادة السريَّة ومستندُ الحرمة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ما هي حدود العادة السريَّة؟ وما الدليل على حرمتها شرعاً؟

الجواب:

المراد من العادة السريَّة هو العبث في الأعضاء التناسلية لغرض الاستمناء وتحصيل اللذَّة، وهي من الفواحش والمعاصي الكبيرة.

وقد استُدلَّ على حرمتِها مضافاً إلى دعوى الإجماع بقولِه تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ / إِلاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ / فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾(1).

فإنَّ الاستمناء والعبثَ المذكور من الاستلذاذ بما وراء الأزواج وملك اليمين لذلك يكون فاعلُه داخلاً في قولِه تعالى: ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ فمفادُ الآيات المباركات أنَّ كلَّ اِلتذاذٍ بالفروج بما وراء الأزواج ومُلك اليمين ففاعلُه داخلٌ في العادين أي المُتجاوزين لحدود الله تعالى.

وكذلك استُدلُّ على الحرمة أيضاً برواياتٍ عديدة عن أهل البيت (ع):

منها: ما رواه الكلينيُّ بسندٍ مُعتَبرٍ عن عمار بن موسي، عن أبي عبد الله (ع) في الرجل ينكحُ بهيمة أو يَدلكُ فقال: كلُّ ما أنزل به الرجلُ ماءَه في هذا وشبهِه فهو زنا"(2) والمراد مِن الدلك هو ما بيَّناه من معنى العبث والاستمناء، وقد نزَّله الإمام (ع) منزلةَ الزنا، وظاهر ذلك هو التنزيل من جهةِ الحرمةِ والإثم.

ومنها: ما رواه الكليني بسنده عن العلاء بن رزين، عن رجل، عن أبي عبد الله (ع) قال: سالتُه عن الخضخضة، فقال: هي من الفواحش .."(3) والخضخضة هي ما يُعبَّر عنه بالدَّلك والاستمناء، وقد عدَّه الإمام (ع) -بحسب الرواية- من الفواحش فيكون بذلك مشمولاً للنهي الوارد في مثل قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾(4) وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾(5).  

ومنها: مارواه أحمد بن محمد بن عيسي في (نوادره) عن أبيه، قال: سُئل الصادق (ع) عن الخضخضة فقال: إثمٌ عظيم، قد نهى اللهُ في كتابِه، وفاعلُه كناكح نفسِه، ولو علمتُ بما يفعلُه ما أكلتُ معه، فقال السائل: فبيِّن لي يابنَ رسولِ الله من كتابِ الله فيه فقال: قول الله: ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ وهو ممَّا وراء ذلك، فقال الرجل: أيُّما أكبر الزنا أو هي؟ فقال: هو ذنبٌ عظيم .."(6).

ومنها: ما رواه الصدوق في الخصال بسنده عن أبي بصير قال: سمعتُ أبا عبد الله (ع) يقول: "ثلاثةٌ لا يُكلِّمهم اللهُ يوم القيامة، ولا ينظرُ إليهم، ولا يزكِّيهم، ولهم عذابٌ أليم: الناتفُ شيبَه، والناكحُ نفسَه، والمنكوحُ في دُبره"(7).

هذا وقد أجمع الفقهاءُ على أنَّ مَن قام بهذه الفاحشة فإنَّه يُعزَّر من قِبل الحاكم الشرعي، ويُؤيِّدُ ذلك بل يدلُّ عليه ما رواه الشيخُ الطوسي بسندٍ معتبرٍ عن زرارة، عن أبي جعفر (ع) قال: إنَّ عليَّاً (ع) أُتيَ برجلٍ عبَث بذكرِه حتى أنزل، فضربَ يدَه حتى احمرَّت"(8).

فالإشكال في سند الرواية وقع من جهة أبي جميلة المفضَّل بن صالح، والظاهر أنَّه ثقة لأنَّه من مشايخ ابن أبي عمير وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي مضافاً إلى وروده في أسناد تفسير عليِّ بن إبراهيم القمِّي، ولا يضرُّ بوثاقته ما أفاده النجاشي من دعوى الغمز والتضعيف فإنَّ من المُحتمل قويَّاً أنَّ منشأ ذلك هو الاتِّهام له بالغلو، ولذلك لا يصلح قولُه لمعارضة ما دلَّ على وثاقته المؤيَّد برواية الكثير من الأجلاء عنه فلو كان معروفاً بالكذب كما فهم البعض من عبارة النجاشي لما ساغ للأجلاء أمثال ابن فضال وابن محبوب وابن المغيرة وابن أبي عمير والبزنطي الرواية عنه فضلاً عن الإكثار وذلك ما يؤيِّد أنَّ منشأ الغمز ليس هو الاتِّهام بالكذب، فلا يكون هذا الغمز صالحاً لمعارضة ما دلَّ على وثاقته. فالرواية صالحة للاستدلال بها على المطلوب.

وكذلك ما رواه الكلينيُّ بسندٍ معتبر عن طلحةَ بن زيد، عن أبي عبد الله (ع)، إنَّ امير المومنين (ع) أُتيَ برجل عبَث بذكرِه، فضربَ يدَه حتى احمرَّت، ثم زوَّجه من بيتِ المال"(9).

فالرواية ليس في سندها اشكال إلا من جهة محمد بن سنان وهو ثقة لذلك فهذه الرواية من أدلَّة الحرمة لأنَّ التعزير لا يكون إلا على فعلِ ما يحرم.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- سورة المؤمنون / 5-7.

2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج20 / ص349.

3- الكافي -الشيخ الكليني- ج5 / ص540.

4- سورة الأنعام / 151.

5- سورة الأعراف / 33.   

6- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج28 / ص364.

7- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج2 / ص131.

8- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج20 / ص352.

9- الكافي -الشيخ الكليني- ج7 / ص265.