منشأ كراهة النذر

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

هل هناك كراهة للنذر من باب أنه يشبه الشرط على ربِّ العزة جلَّ جلاله (إما أنْ تُعطيني كذا أو لن أفعل كذا)؟

الجواب:

ليس منشأ الكراهة للنذر بناءً على ثبوتها هو أنَّ النذر يتضمَّن الشرط على الله تعالى، فإنَّ واقع النذر ليس كذلك، وانَّما هو اِلتزامُ يُلزمُ به الانسان نفسه لله تعالى إما ابتداءً كما لو قال "لله علىِّ أنْ أصوم يوم الخميس" فإنَّ النذر ينعقد بذلك رغم انَّه غير معلَّق على شيء، وقد يكونُ النذر معلَّقاً على تحقُّق أمر، وحقيقةُ النذر المعلَّق هو الإلتزام بفعل شيءٍ راجح إذا اتَّفق وقوع ذلك الامر، نعم يكون الغرض منه الطلب من الله تعالى والتوسُّل اليه بالالتزام بفعل عملٍ راجح إذا قضى اللهُ تعالى له تلك الحاجة، فالنذر بفعل الراجح إذا تحقَّقت غايةُ المكلَّف ليس شرطاً على الله تعالى وانَّما هو نحوٌ من أَنحاء التوسُّل لله تعالى بالافعال الصالحة.

وأما منشأ الكراهة للنذر الابتدائي والتعليقي فهو ما أفاده الامام الصادق (ع) فيما روي عنه بسندٍ معتبرٍ عن إسحاق بن عمار قال: قلتُ لأبي عبد الله (ع) إنِّي جعلتُ على نفسي شكراً لله ركعتين أُصليهما في السفر والحضر أفأصليهما في السفر بالنهار فقال: نعم ثم قال: إني لأكره الإيجاب أنْ يُوجب الرجل على نفسه .."(1).

فمفادُ الرواية هو أنَّ اِلزام الانسان نفسه بفعلٍ لم يُوجبه اللهُ تعالى عليه أمرٌ مكروه خصوصاً إذا كان الملتزَم به ثقيلاً أو دائميَّاً كما هو مورد الرواية، فمنشأ الكراهة هو ذاتُ الاِلزام للنفس وتكليفها بغير ما كلَّف به اللهُ تعالى عباده.

ولعلَّ الوجه في مرجوحيَّة اِلزام النفس هو أنَّ الانسان بعد أن يُلزم نفسه قد ينتابُه الخمول فتُدبِر نفسُه فيفي بنذره متثاقلاً أو يُهمل فيغفل فلا يفي بنذره فيكون كالمستهزء بعهد الله تعالى، والحالتان يتَّفق وقوعهما كثيراً خصوصاً لمَن كان نذره معلَّقاً وقد تحصَّل على غايته، فهو حين عقد النذر كان مستعدَّاً لأنْ يفعل الكثير، وحين بلوغه غايته تُدبِر نفسُه فيشعر بثقل ما كلَّف به نفسه، ويقع كذلك كثيراً في النذر الابتدائي إذ أنَّ للنفس إقبالاً وإدباراً فهي إذا أقبلتْ جعل على نفسه تكاليف وكان حينها عازماً على الوفاء بها ثم لا يلبث أنْ تُدبر نفسُه فيستثقل الوفاء بنذوره، فإما أنْ يُضيِّعها فيقع في معصية الله تعالى وإمَّا أنْ يلتزم بها على غير رغبة لانَّها ليست من التكاليف التى يشترك معه فيها سائرُ المكلَّفين فيخفِّف ذلك من وطئتها على نفسه.

ولذلك فالأرجح بالمؤمن أنْ لا يُلزم نفسه بشيء وانَّما يلتزم بالتكاليف المفروضة فإذا أقبلت نفسه استزاد وعمل بالنوافل وإذا أدبرت يكون في سعةٍ لو تركها.

ولعلَّه لذلك ورد عن الرسول الكريم (ص) أنَّه قال: "إنَّ للقلوب إقبالاً وإدباراً فإذا أقبلت فتنفَّلوا وإذا أَدبرت فعليكم بالفريضة"(2).

وورد قريبٌ منه عن أمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة "إنَّ للقلوب إقبالاً وإدباراً فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل وإنْ أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض"(3).

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج23 / ص303.

2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج4 / ص69.

3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج4 / ص70.