معنى قوله تعالى: ﴿ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ﴾

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

لو تفضلتم بشرح هذه الآية من سورة النور: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾؟

الجواب:

مفادُ الآية المباركة هو الأمر بتأديب الصغار من الأولاد والبنات على الاستئذان في أوقاتٍ ثلاثة:

الوقت الأول: هو قبل صلاة الفجر حين يكونُ الإنسانُ مستعدًَّا للقيام من مضجعه ونومِه حيث لا يكون قد ارتدى بعدُ ما يُحتشمُ به من لباس.

والوقت الثاني: الظهيرة، وهو الوقت الذي يخلدُ فيه الإنسانُ إلى فراشه لنوم القيلولة فيَخلعُ عن جسده ثيابَ الحِشمة.

والوقت الثالث: هو ما بعد صلاة العشاء وهو الوقت الذي يضعُ الإنسان عن جسدِه ثياب الحشمة استعدادًا للنوم.

فهذه الأوقاتُ الثلاثة جرت العادة على أن يكون فيها الإنسان على هيئة لا يُحبُّ معها أو لا يليقُ معها أنْ يطَّلع عليه صغارُه، لذلك ورد الأمرُ يتأديبِهم على الاستئذان حتى لا يُفاجأ بالظهور أمامَهم في مظهرٍ لا يحسنُ أن يكون عليه حين دخولهم. وأمَّا في سائر الأوقات فلا مانع من عدم استئذانِهم نظرًا لعدم وجود ما يقتضي الاِستئذان بعد افتراض أن لا يكون في غير الأوقات الثلاثة على هيئةٍ أو في لباسٍ غير مُحتَشمٍ.

وهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾(1).

نعم لو اتَّفق أنْ كان من عادة الأب مثلًا أن يضع عن جسدِه ثيابَه في وقتٍ آخر غير الأوقات الثلاثة فإنَّ عليه تأديب صغارِه على الاِستئذان في ذلك الوقت أيضًا وذلك لوحدة الملاك.

ثم إنَّ المأمور في الآية بتأديبهم على الاِستئذان في الأوقات الثلاثة هم الصغار المميَّزين الذين لم يبلغوا سنَّ التكليف، فهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ﴾(2).

وأمَّا إذا بلغوا سنَّ التكليف وجب عليهم الاستئذان في تمام الأوقات كما هو مقتضى الآية التي تلتْ هذه الآية المباركة قال تعالى: ﴿وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾(3).

وقد ورد عن أهل البيت (ع) ما يُؤكِّد هذا الاستظهار، فمن ذلك ما ورد عن أبي عبدالله (ع) قال: "يستأذن الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرَّات كما أمركم الله عزَّ وجل، ومَن بلغ الحُلم فلا يلج على أُمِّه، ولا على أخته، ولا على خالته، ولا على سوى ذلك إلا بإذن، فلا تأذنوا حتى يسلِّم"(4).

وورد عن أبي جعفر (ع) أنَّه قال: "ومن بلغ الحُلُم منكم فلا يلجْ على أمِّه ولا على أختِه، ولا على ابنته، ولا على مَن سوى ذلك إلا بإذن، ولا يُؤذَن لأحدٍ حتى يُسلَّم، فإنَّ السلام طاعةُ الرحمن"(5).

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور


1- سورة النور / 58.

2- سورة النور / 58.

3- سورة النور / 59.

4- الكافي -الشيخ الكليني- ج5 / ص529.

5- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج20 / ص215.