معنى التسليم في الصلاة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

في الصلاة في آخر التشهد قبل إنهاء الصلاة نقول: "السلام عليك أيها النبيُّ ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته".

ما المقصود من هذا القول: "السلام علينا"، و"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"؟ 

الجواب:

الظاهر أنَّ ضمير الجمع المتكلِّم في كلمة "علينا" يرجعُ إلى نفس المُسلِّم كما يُستأنس ذلك من قوله تعالى: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾(1) وقد ورد في تفسير الآية في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) قال: إذا دخل الرجلُ منكم بيتَه فإنْ كان فيه أحدٌ يُسلِّم عليهم، وإنْ لم يكن فيه أحدٌ فليقل: السلامُ علينا من عند ربِنا، يقول الله: تحية من عند الله مباركة طيبة(2).

وأفاد القطب الراوندي في فقه القرآن في بيان الآية المباركة: "وإذا دخلتموها ولم يكن فيها أحدٌ فقولوا (السلامُ علينا وعلى عبادِ الله الصالحين)"(3).

وورد من طُرق العامَّة عن ابن عباس في بيان معنى الآية: قال هو المسجد إذا دخلتَه فقلْ: "السلام علينا وعلى عباد لله الصالحين"(4).

وأمَّا ضميرُ الجمع المخاطَب في "السلام عليكم" فالمقصود منه المَلَكان الموكَّلان بكلِّ مكلَّف واللذان أشارت إليهما الآية المباركة: ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ / مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾(5) وقد نصَّت على ذلك رواياتٌ عديدة:

منها: ما رواه الصدوق في معاني الأخبار عن أبي عبدالله (ع): ".. والسلام اسم من أسماء الله عزَّ وجل وهو واقعٌ من المصلِّي على مَلَكي الله الموكَّلين به"(6).

ومنها: ما رواه الصدوق في العلل بسنده عن المفضَّل بن عمر قال: سألتُ أبا عبدالله (ع) .. قلتُ: فلِمَ صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال: لأنَّه تحية الملكين"(7).

وإذا كان المصلِّي إماماً فالسلام يقعُ على الملَكين والمأمومين، وإذا كان مأموماً فإنَّه يقع على الملَكين والإمام والمأمومين الذين معه كما يظهرُ ذلك من رواياتٍ عديدة كرواية العلل للصدوق بسنده عن المفضَّل بن عمر قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) لأيِّ علةٍ يُسلِّم على اليمين ولا يُسلِّم على اليسار؟

قال (ع): لأنَّ الملَك المُوكَّل يكتبُ الحسنات على اليمين والذي يكتبُ السيئات على اليسار، والصلاةُ حسنات ليس فيها سيئات فلهذا يُسلِّم على اليمين دون اليسار، قلتُ: فلم لا يُقال السلام عليك والملكُ على اليمين واحدٌ ولكن يُقال السلام عليكم؟ قال ليكون قد سلَّم عليه وعلى مَن على اليسار، وفضلُ صاحب اليمين عليه بالايماء إليه، قلتُ فلِمَ لا يكون الإيماء في التسليم بالوجه كلِّه ولكن كان بالأنف لمَن يُصلِّي وحده وبالعين لمَن يصلي بقوم؟ قال: لأنَّ مقعد الملكين من ابن آدم الشدقين وصاحب اليمين على الشدق الأيمن ويسلِّم المصلي عليه ليثبت له صلاته في صحيفته، قلتُ فلِمَ يسلِّم المأموم ثلاثاً؟ قال تكون واحدة ردَّاً على الإمام، وتكون عليه وعلى ملكيه، وتكون الثانية على يمينه والملكين الموكَّلين به، وتكون الثالثة على مَن على يساره وملكيه الموكَّلين به، ومن لم يكن على يساره أحدٌ لم يسلِّم على يساره إلا أنْ تكون يمينُه إلى الحائط ويساره إلى من صلَّى معه خلف الإمام فيُسلِّم على يساره، قلتُ فتسليمُ الإمام على مَن يقع؟ قال على ملكيه والمأمومين يقول لملكيه اكتبا سلامةَ صلاتي ممَّا يُفسدها، ويقول لمَن خلفه سلِمتُم وآمنتم مِن عذاب الله عزَّ وجلَّ"(8). 

والحمد لله ربِّ العالمين

الشيخ محمد صنقور

 

1- سورة النور / 61.

2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج12 / ص81.

3- فقه القرآن -القطب الراوندي- ج1 / ص156.

4- المستدرك -الحاكم النيسابوري- ج2 / ص401.

5- سورة ق / 17-18.

6- معاني الأخبار -الشيخ الصدوق- ص176.

7- علل الشرائع -الشيخ الصدوق- ج2 / ص359.

8- علل الشرائع -الصدوق- ج2 / ص359، وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج6 / ص422،