لماذا لا ينتخب الشيعة الصحيح من السُنة ليكون في كتابٍ مستقل

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

نسمع أنَّ كتب الحديث عند الشيعة ليس كلها صحيحاً (مثل الكافي) فلماذا لا يُنتخب الصحيحُ منها ويُحذف الغير صحيح منها؟

الجواب:

تعتقدُ الشيعة الإماميَّة انّه ليس ثمّة كتابٌ في الدنيا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إلا القرآن الكريم، فهو الكتاب الكامل الشاملُ المعصوم عن كلِّ خطأ لم تطرأْ ولن تطرأَ عليه زيادةٌ ولا نقصانٌ إلى أنْ يرثَ اللهُ الأرضَ ومَن عليها.

وأمّا سائر الكتب فهي لا ترقى لهذا المستوى من الاعتبار، فالسُنة الشريفة وإنْ كانت عِدلاً للقرآن من حيثُ الصدق والعصمة إلا أنَّها لم تُّدوَّن إلا في القرن الثاني من الهجرة، وهذا ما أوجب ضياعَ الكثيرِ منها وتمكَّن العابثون من التحريف لبعض مضامينها ومن الوضع والتدليس، وحين تصدّى مثل البخاري ومسلم لتدوين السُنَّة أخذاها من صدور الرجال والذين كان يفصلُهم عن زمن الرسول (ص) ما يزيدُ على المائة سنة، وهذا معناه استحالة الجزم بصدق وصوابية كلِّ ما ينقلونه عن الرسول (ص) إذ من غير الممكن أن يتمكَّن هؤلاء الرجال من حفظ كلِّ ما يُؤثَر عن رسول الله (ص) دون أن يتخلَّل ذلك نسيانٌ أو خطأ في بعض ما ينقلونه، هذا لو سلَّمنا بصدقِهم جميعًا وعدم تعمُّدهم الكذب.

فكلُّ ما كان يصنعُه أمثال البخاري ومسلم هو التثبُّت من وثاقة الرواة الذين تُنقل عنهم السُنَّة، أما التثبّت من عدم خطأهم واشتباههم فهو غير مُتاحٍ لهم غالباً وإن ادَّعوا ذلك، على أنَّهم اعتمدوا على ضوابط في التوثيق نحن لا نعتمدُها جميعًا، وتعمَّدوا الإعراض عن كلِّ ما يرويه الشيعة أو أكثره.

واختلفوا فيما بينهم في وثاقة بعض الرواة وعدم وثاقتِهم، فمعنى صحيح البخاري هو الصحيح بنظره لا الصحيح واقعًا وهكذا بالنسبة لصحيح مسلم على أنَّ معنى الصحيح كما ذكرناه هو كلُّ رواية نقلها الثقاة العدول بنظرهم وهذا لا يستلزم الصدق والمطابقة للواقع دائمًا فقد يخطأ الثقة وقد يشتبه وقد وينسى.

أمّا نحن الإمامية فعندنا مجموعة من الكتب المعتبرة ولكن ذلك لا يعني الإيمان بصدق كلِّ ما ورد فيها بل لا بدَّ من ملاحظة كلِّ روايةٍ على حدة للتثبُّت من وثاقة رواتها وعدم مخالفتها للكتاب المجيد والسُنة المتواترة.

ولأنَّ الفقهاء يختلفون في بعض ضوابط الوثاقة لذلك قد تكون الرواية صحيحةً بنظر بعض الفقهاء وغيرَ صحيحةٍ بنظر البعض الآخر.

ولذلك لو دوَّن أحدُ الفقهاء الروايات الصحيحة لما أمكن لفقيهٍ آخر أن يعتمد على ذلك دون أن يُتابع الإسناد بنفسه للتثبُّت من صحتها، لأن ما أفاده الفقيه الأول من صحة الروايات التي دوَّنها إنما يعني من ذلك تدوين الروايات الصحيحة بنظره ورأيه وبحسب المباني التي يعتمدها، وذلك لا يكون حجةً على فقيهٍ آخر.

وللعلم فإنَّ الروايات الصحيحة عندنا أكثر بكثير من الروايات الصحيحة عند السُنَّة غاية ما في الأمر أنَّها غير مُدوَّنه في كتابٍ مستقل، لأنّه لا فرق بين تدوينها في كتاب مستقلٍّ وعدم تدوينها بعد أن كان على كلِّ فقيه التصدّي بنفسه لملاحظة إسناد كلِّ رواية، فقد يرى أنَّ بعض الروايات صحيحة ويرى غيرُه أنَّها ليست كذلك وقد يكون العكس.

فبابُ الاجتهاد في السند والاستظهار مفتوح لكلِّ مجتهد وليس مقفلاً حتى نفرض على الفقهاء كتابًا محدَّداً ونقول إنّه صحيحٌ بأكمله وعليهم أنْ يأخذوا به، إذن كيف نفترضهم مجتهدين والحال أننا نفرضُ عليهم تقليد فقيهٍ محدَّد كان قد رأى أنَّ هذه الروايات صحيحة.

قد تقول لماذا لا يجتمع الفقهاء ليدوِّنوا كتابًا واحداً صحيحًا؟

نقول: ماذا عن الفقهاء الذين سيأتون بعدهم فهل نفرضُ عليهم أن يكونوا مقلِّدين لمن تقدَّمهم؟!.

ثمَّ إنَّ هنا أمراً أودُّ إلفات النظر إليه وهو أنَّ السُنَّة لما التزموا بصحَّة كلِّ ما ورد في صحيح البخاري فإنَّهم مضطرون لقبول كلِّ ما ورد فيه والحال انَّه قد اشتمل على مخاريق وتناقضات لا ينبغي لعاقلٍ أنْ يلتزمَ بها.

أمّا نحن الإماميَّة ففي سعةٍ من كلِّ ما ورد في مثل كتاب الكافي فنلاحظ بأنفسنا أسانيد الروايات الواردة فيه كما نُحاكم مضامينه وفق الضوابط المقرَّرة والمعتمدة، فكلُّ ما خالف كتاب الله أو السُنة الشريفة مثلاً فإنَّنا لا نقبلُه لأنَّنا لا نؤمن بعصمة كتاب الكافي- وإن كان مُعتبراً في الجملة-، ولا يستطيع أحدٌ من العامة أنْ يُلزمنا بكلِّ ما ورد في كتاب الكافي مثلاً لأنَّنا لا نُؤمن بصحَّةِ كلِّ ما ورد فيه من روايات.

والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور

6 / 10 / 2004م