الإمام الرضا (عليه السلام)

أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيم

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم

الْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي هَدَانَا لِحَمْدِه، وجَعَلَنَا مِنْ أَهْلِه لِنَكُونَ لإِحْسَانِه مِنَ الشَّاكِرِينَ، ولِيَجْزِيَنَا عَلَى ذَلِكَ جَزَاءَ الْمُحْسِنِينَ، والْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي حَبَانَا بِدِينِه، واخْتَصَّنَا بِمِلَّتِه، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهً إِلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ.

عِبَادَ اللَّهِ اتقوا الله وزِنُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُوزَنُوا، وحَاسِبُوهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تُحَاسَبُوا، وتَنَفَّسُوا قَبْلَ ضِيقِ الْخِنَاقِ، وانْقَادُوا قَبْلَ عُنْفِ السِّيَاقِ، واعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ لَمْ يُعَنْ عَلَى نَفْسِهِ، حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِنْهَا وَاعِظٌ وزَاجِرٌ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا لَا زَاجِرٌ ولَا وَاعِظٌ.

اللهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، الْمُنْتَجَبِ الْمُصْطَفَى، الْمُكَرَّمِ الْمُقَرَّبِ، اللهمَّ صَلِّ عَلَيه وعلى أَطَايِبِ أَهْلِ بَيْتِه الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لأَمْرِكَ، وجَعَلْتَهُمْ خَزَنَةَ عِلْمِكَ، وحَفَظَةَ دِينِكَ، وخُلَفَاءَكَ فِي أَرْضِكَ، وحُجَجَكَ عَلَى عِبَادِكَ، وطَهَّرْتَهُمْ مِنَ الرِّجْسِ والدَّنَسِ تَطْهِيراً بِإِرَادَتِكَ، وجَعَلْتَهُمُ الْوَسِيلَةَ إِلَيْكَ، والْمَسْلَكَ إِلَى جَنَّتِكَ، اللهمَّ صَلِّ عَلَيْه وعَلَيْهِمْ صَلَاةً لَا أَمَدَ فِي أَوَّلِهَا، ولَا غَايَةَ لأَمَدِهَا، ولَا نِهَايَةَ لِآخِرِهَا.

أباركُ لكم ذكرى مولدِ الإمام أبي الحسن عليِّ بن موسى الرضا (عليه السلام) وأستثمرُ هذه المناسبة الجليلة للتيمن باستعراضِ شيءٍ من سيرته المباركة لنتعرَّفَ منها على بعضِ من ملامحِ هذه الشخصيَّةِ الإلهيَّة التي اصطفاها ربُّها لتكون دليلاً على دينِه, وحجَّةً له على عبادِه.

وُلدَ الإمامُ أبو الحسنِ الثاني عليُّ بن موسى الرضا (عليه السلام) في المدينة المنورَّة في السنةِ التي استُشهد فيها الإمامُ الصادق (عليه السلام) وهي سنةُ ثمانٍ وأربعين ومائة للهجرة النبويَّة، وكان ميلادُه -كما هو المعروف- في اليوم الحادي عشر من ذي القعدة، وكان قد بشَّر بمولده الإمامُ الصادق (عليه السلام)، كما أفاد ذلك الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) حيث ذكر بحسبِ الرواية إنَّ أباه جعفرَ بن محمد (عليه السلام) قال له غير من مرَّة: "إنَّ عالمَ آلِ محمدٍ لفي صُلبِك، وليتني أدركتُه، فإنَّه سَمِيُّ أميرِ المؤمنين (عليه السلام)"(1).

وروى الشيخُ الكليني في الكافي والشيخُ الصدوق في عيون أخبار الرضا عن خمسةٍ من أعاظمِ مشايخِه بسندِ قريب عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلِيطٍ الزيدي قال: لقينا أبا عبد الله (عليه السلام) في طريق مكة ونحن جماعه، فقلت لأَبِي عَبْدِ اللَّه (عليه السلام) في محضر أبنائه: بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي أَنْتُمْ كُلُّكُمْ أَئِمَّةٌ مُطَهَّرُونَ، والْمَوْتُ لَا يَعْرَى مِنْه أَحَدٌ، فَأَحْدِثْ إِلَيَّ شَيْئاً أُحَدِّثْ بِه مَنْ يَخْلُفُنِي مِنْ بَعْدِي فَلَا يَضِلَّ، قَالَ: نَعَمْ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّه هَؤُلَاءِ وُلْدِي، وهَذَا سَيِّدُهُمْ، وأَشَارَ إلى موسى بن جعفر، وفيه العُلمُ والْحُكْمُ والْفَهْمُ والسَّخَاءُ والْمَعْرِفَةُ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْه النَّاسُ ومَا اخْتَلَفُوا فِيه مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ ودُنْيَاهُمْ وفِيه حُسْنُ الْخُلُقِ وحُسْنُ الْجَوَابِ وهُوَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ، وفِيه أُخْرَى خَيْرٌ مِنْ هَذَا كُلِّه فَقَالَ لَه أَبِي: ومَا هِيَ؟ -بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي- قَالَ (عليه السلام): يُخْرِجُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ مِنْه غَوْثَ هَذِه الأُمَّةِ وغِيَاثَهَا وعَلَمَهَا ونُورَهَا وفَضْلَهَا وحِكْمَتَهَا خَيْرُ مَوْلُودٍ وخَيْرُ نَاشِئٍ ... ويُنْزِلُ اللَّه بِه الْقَطْرَ ويَرْحَمُ بِه الْعِبَادَ خَيْرُ كَهْلٍ وخَيْرُ نَاشِئٍ، قَوْلُه حُكْمٌ، وصَمْتُه عِلْمٌ، يُبَيِّنُ لِلنَّاسِ مَا يَخْتَلِفُونَ فِيه .."(2).

تسميتة بالرِّضَا (عليه السلام):

وأما تسميتُه بالرِّضَا فقد جاءتْ من السَّماء، كما نصَّت على ذلك الرِّوايات، وليس كما يُروِّجُ له المخالفونَ من أنَّه سُمِّي بالرضا؛ لتسمية المأمونِ له بذلك. ولهذا كان الإمام الجواد (عليه السلام) كما في صحيحِ البزنطي يقول: كذبوا واللهِ وفجروا بل اللهُ تعالى سمَّاه الرضا، لأنَّه كان رضيُّ الله عزَّ وجلَّ في سمائه ورضىً لرسولِه والأئمة من بعده في أرضه صلوات الله عليهم"(3)، وكان الإمام الكاظم (عليه السلام) كما في معتبرة المروزي يقولُ: "ادعوا إليَّ ولدي الرضا، وقلتُ لولدي الرضا، وقال لي ولدى الرضا، وإذا خاطبَه قال: يا أبا الحسن"(4).

أمُّه الطاهرة (عليه السلام):

أما أُمُّه فهي من بلاد المغرب العربي، وتُسمَّى "تكتُم"، وسمَّاها الإمامُ الكاظمُ -بعد أن أنجبت الرضا- بالطَّاهرة، وكانت من خيرة النساء زُهداً، وصلاحاً، وتقوىً، وعبادة، حتَّى ورد أنَّها لكثرة أورادِها ونوافلِها التمستْ مُرضِعة لعليّ؛ خشيةَ أنْ لا تفيَه حقَّه من الرضاعة، فكان يعُزُّ عليها التقليلُ من أورادِها ونوافلِها وتوجَّست أنَّ ذلك قد يُجحفُ بحقِّ ولدها في الرضاعة، فكانت من الصالحات العابدات.

بقيَ الرضا (عليه السلام) في كنفِ والدِه قرابةَ خمسٍ وثلاثين سنة واطَّلع بدور أبيه في السنواتِ الأربعِ الأخيرة، وذلك حين كان في سجنِ هارونَ الرشيد والذي امتدَّ وقتُه، ولكنَّه لم يتجاوزِ السنواتِ الأربع بإجماعِ المؤرخين، وكان مبدؤها في العشرِ الأواخر من شهر شوال سنةَ تسعٍ وسبعينَ ومائة إلى أنْ استُشهد في سجنِ السندي بن شاهك في بغداد سنةَ ثلاثٍ وثمانين ومائة للهجرة. وعندها تولَّى الإمامُ الرضا (عليه السلام) منصبَ الإمامة وامتدَّت إمامتُه عشرينَ سنة أقُصيَ في آخرِها قسَراً الى خراسانَ في عهدِ المأمون، الخليفةِ العباسيِّ السابع، وأُسندتْ إليه ولايةُ العهد لمبرِّراتٍ سياسيَّة لا مجالَ لعرضِها الآن، ثم استُشهد (عليه السلام) في خراسانَ في قريةٍ من قُرى طوس يُقال لها سَناباد، ودُفنَ عند قبر هارونَ الرشيد، في دار حميد بن قُحطبة. وهو اليوم مزارٌ كبير تهوى إليه أفئدةُ الملايين من الشيعة.

توزَّعت سنينُ إمامتِه على عهودِ ثلاثةٍ من خلفاء بني العباس، فكانَ قد قضى عشرَ سنواتٍ منها في عهدِ هارونَ الرشيد، وخمسَ سنواتٍ بعدها كانت في عهدِ محمَّدٍ الأمين النجلِ الأول لهارونَ الرشيد، والخمسُ الأخيرة كانت في عهدِ عبداللهِ المأمون النجلِ الثاني لهارونَ الرشيد، وقد قضى أكثرَ هذه السنوات الخمس في خراسان.

والحديثُ أولاً حولَ العشرِ السنواتِ الأولى والتي كانت في عهدِ هارون الرشيد، هذه المرحلةُ يمكنُ عدُّها مرحلةً استثنائيةً في حياة الأئمة (عليه السلام)، فهارونُ الرشيد كان قد أدركَ تبعاتِ الجريمةِ التي ارتكبها في حقِّ الإمام الكاظمِ (عليه السلام) فلعلَّه لذلك ولأسبابٍ أخرى تظاهرَ بالغفلة وغضِّ الطرف عن نجلِه الإمامِ الرضا (عليه السلام) فلم تصلْ منه للإمامِ اساءةً مباشِرةً أو تضييقاً يُذكر، ولهذا كانت السنواتُ العشرُ الأخيرةُ من حكمِ هارونَ الرشيد استثنائيةً بمعنى أنَّ الإمام (عليه السلام) قد وظَّف عدمَ الملاحقةِ له والتضييقِ عليه لبثِّ المعارفِ الإسلامية على نطاقٍ واسع، وذلك هو ما يُفسِّرُ لنا التفوُّقَ الكمِّي للمعارفِ التي وصلتنا من طريقِ الإمامِ الرضا (عليه السلام) فتوصيفُ هذه المرحلةِ بالاستثنائيةِ لا يعني أنَّها كانت رخاءً على الشيعة، فعهدُ هارونَ والذي امتدَّ لخمسٍ وعشرينَ سنةً كان يتَّسمُ كما هو عهدُ مَن سَبقَه بالتعسُّفِ والاستبدادِ والظلمِ لعمومِ المسلمين، وكان هارونُ وكذلك مَن سبقَه شديدَ القسوةِ والبطشِ بكلِّ مَن كان يخشى مناوئتَه وبالشيعةِ على نحوِ الخصوص، وكانت سجونُه ملئ بهم, وكان سيفُه يقطرُ من دمائِهم، ورُغم انَّ السلطةَ العباسيةَ قد بلغت شأوها في فترةِ خلافتِه، فقد امتدَّت الى حدودِ الصينِ بل تجاوزتها والى حدودِ المحيطِ الأطلسي، واتَّسعت رقعتُها في آسيا وأفريقيا وبلغت تخومَ أوربا من جهةِ الأندلس المعبَّرِ عنها بأسبانيا، كلُّ هذه المساحةِ الجغرافيةِ الشاسعةِ كانت تحت سلطانِ الخلافةِ العباسية, وكان الخراجُ يُجبى الى بغدادَ والى قصرِ هارونَ الرشيد من كلِّ هذه الحواضرِ والأقطارِ الإسلامية، فرغم انَّ الدولة العباسية كانتْ في أوجِ قوَّتِها، إلا انَّ الجشعَ والخشيةَ على السلطة لم يكونا يُبارحان خلَدَ الخليفةِ العباسي فكان يُمسكُ بيدٍ من حديدٍ على كلِّ مقدِّراتِ المسلمين.

نعم كانت الجريمةُ التي ارتُكبت في حقِّ الإمامِ موسى بن جعفر (عليه السلام) شديدةَ الخطورة، وكانت تُنذرُ بتداعياتٍ تحسَّبَ لها هارونُ وأدركَ تبعاتِها فعمِلَ جاهداً على احتوائِها بالعديدِ من الوسائل والتي كان منها غضُّ الطرفِ عن الإمامِ الرضا (عليه السلام)، ويؤشِّر لذلك ما أورده الصدوقُ في العيون بسندٍ صحيح عن صفوانَ بنِ يحيى البجلي قال: إنَّ الثقة أخبره إنَّ يحيى بن خالد البرمكي قال للطاغي: هذا عليٌّ ابنُه قد قعد وادَّعى الامر لنفسه، فقال هارون: ما يكفينا ما صنعنا بأبيه؟! تريدُ أن نقتلَهم جميعا!"(5).

لذلك استثمر الإمامُ هذه الفرصةَ السانحةَ فتصدَّى علَناً لنشرِ المعارفِ والعلومِ الإسلامية والتعريفِ بالمقام السامي لأهلِ البيت (عليه السلام) والكشفِ عما جهِدَ الأخرون لعقودٍ طويله في إخفائِه والتغطيةِ عليه كما تصدَّى لدرء الشُبهاتِ التي عمِل الآخرونَ على اثارتها لتضليل الرأي العام تجاهَ مذهبِ أهل البيت (عليه السلام)، هذا وقد تركَّز جُهدُ الإمامِ المتَّصلَ بالشأنِ العلمي في العنايةِ بروَّاد العلمِ الذين كانوا يقصُدونَه من مختلفِ أقطارِ الحواضر الإسلامية، فكانَ ما تمخَّض عن هذا الجُهدِ المباركِ التخريجَ لعددٍ كبيرٍ من العلماء في مختلفِ المعارفِ الدينية، فكان منهم المحدِّثونَ ومنهم المفسِّرونَ ومنهم الفقهاءُ وعلماءُ العقيدةِ والكلامِ والمبلِّغون والوعَّاظ، وكان الإمامُ (عليه السلام) يَحرُصُ على أن يكونَ فيهم القادرونَ على المحاورةِ والمناظرةِ لعلماءِ الأديانِ والمذاهبِ، وكان يحثُّ كلَّ هؤلاءِ على التصدِّي والانخراطِ في المحافلِ والمنتدياتِ في حواضرهِم.

ثم إنَّ هنا أمراً تجدرُ الإشارةُ إليه وهو انَّ اتساعَ رقعةِ الحاضرةِ الإسلامية أنتجَ الدخولَ لكثيرٍ من الشعوبِ والحضارات ضِمنَ الحاضرةِ الإسلامية ونشأَ عن ذلك تدفُّقُ الكثيرُ من الثقافاتِ المتباينة في الوسطِ الإسلامي، فقد كانت هذه الشعوب ينتمي بعضُها للديانةِ النصرانية وبعضُها للديانةِ اليهوديَّة، وفيهم مَن ينتمي للزرادشتيَّة وفيهم البراهمة، وقد تصدَّى العديدُ من علماءِ هذه الأديانِ لترويجِ الثقافةِ التي ينتمون إليها وإثارةِ الشُبهاتِ حولَ مختلفِ المعارفِ الإسلامية، هذا وقد نشطت في تلك المرحلة حركةُ الترجمة للكثيرِ من الكتب الفارسيَّةِ واليونانيَّةِ والرومانيَّةِ والعبريَّةِ وغيرِها، لذلك كانت هذه المرحلة رغمَ محاسنِها في غايةِ الخطورة، فكانت تُنذرُ بذوبان الهوية الإسلاميَّة، ولذلك تصدَّى الإمامُ ومعه تلامذتُه بشتَّى الوسائلِ المتاحةِ لتحصين الهوية الإسلاميَّة من الاختراقِ والامتزاجِ والتأثرِ بالثقافاتِ الدخيلة، فقد عالجَ الإمامُ (عليه السلام) في خطاباتِه ومناظراتِه وإجاباتِه عن الأسئلة الكثيرَ من الشُبهات التي نشأتْ عن تسرُّبِ هذه الثقافاتِ في الأوساطِ الإسلامية، فكان منها يتَّصلُ بالفلسفةِ وعلمِ الكلام، ومنها ما يتَّصلُ بتاريخ الأديانِ والسيرةِ النبويَّة والسنَّةِ الشريفة، ومنها ما يتَّصلُ بالتفسيرِ وعلومِ القرآن، ومنها ما يتَّصلُ بالفقهِ وأصولِه.

ولم يُغفلِ الإمام (عليه السلام) بل حرصَ شديداً على معالجةِ ما نتجَ عن هذا الانفتاحِ من مشكلاتٍ اجتماعيَّةٍ وأخلاقيَّة فكان يُكثرُ من الوعظِ والارشادِ والتحذيرِ من مساوئ الخصالِ والتنبيهِ على آثارِها وتبعاتِها. والحضِّ على محاسنِ الأخلاق وحميدِ الصفات، فجاء تراثُه فيما يُصنَّفُ ضِمنَ الحكمةِ العملية ثريَّاً وجديراً لو تمثَّله الناسُ بأنْ يسلكَ بهم طريقَ الكمالِ الشخصي والمجتمعي.

وانقضتِ السنواتُ العشر ومات هارونُ في خراسانَ بعد أن تمكَّن من القضاءِ على عددٍ من الثورات التي نشبتْ في أطرافِها وآلتِ الخلافةُ إلى نجلِه محمد الأمين، فبادر بعد وقتٍ يسيرٍ إلى عزلِ أخيه المأمون من ولاية العهد فاحتدمَ الصراعُ على السلطة بين الأخوين فتجدَّدت بذلك فرصةً استثمرَها الإمامُ في مواصلةِ مشروعه وجهودِه الراميةِ إلى نشرِ معارفِ الإسلامِ والتحصين للهويةِ الدينية والبلوةِ والتأصيلِ لمذهبِ أهل البيت (عليه السلام)، وظلَّت الظروفُ سانحةً من هذه الجهة حتى بعد أن حُسم الصراعُ على السلطةِ لصالح المأمون، ومن ذلك نتمكَّن من الوقوفِ على منشأ الوُفرةِ الوافرة للنصوصِ التي وصلتنا من طريقِ الإمام الرضا (عليه السلام) في مختلفِ العلوم الإسلامية حتى انَّه يُمكن القولُ إنَّ أكثرَ علومِ آل محمد صلى الله عليه وآله وصلت إلينا من طريقِ أئمةٍ أربعة من أئمةِ أهل البيت (عليه السلام) الإمامِ عليِّ بن أبي طالب والإمامِ الصادق والإمامِ الرضا والإمامِ الباقر (عليه السلام).

ومع الوقوفِ على تراثِ الإمام الرضا (عليه السلام) وتاريخِه وبالغِ تأثيره يتَّضحُ منشأُ توصيفِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام) له بعالم آلِ محمد ووصفِه له بأنَّه غوثُ هذه الأمة.

﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ / إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ / فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ / إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾(6)

خطبة الجمعة - الشيخ محمد صنقور

12 من ذي القعدة 1436هـ - الموافق 28 أغسطس 2015م

جامع الإمام الصادق (عليه السلام) - الدراز


1- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج 49 ص 101.

2- الكافي -الشيخ الكليني- ج 1 ص 314، عيون أخبار الرضا (ع) -الشيخ الصدوق- ج 1 ص 34.

3- عيون أخبار الرضا (ع) -الشيخ الصدوق- ج 1 ص 22.

4- عيون أخبار الرضا (ع) -الشيخ الصدوق- ج 1 ص 23.

5- عيون أخبار الرضا (ع) -الشيخ الصدوق- ج 2 ص 246.

6- سورة الكوثر.