معنى قوله (ع): "مَن طاب مطعمُه .. طال وقوفُه .."

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ما هو المقصود من قول الإمام عليٍّ (ع): "من طاب مطعمُه ومشربُه طال وقوفُه بين يدي الله".

 

الجواب:

هذا النصُّ مرويٌّ عن السيِّدة أمِّ كلثوم بنت أمير المؤمنين (ع) فقد روت فيما روت عن أحوال أمير المؤمنين (ع) ليلة التاسع عشر من السنة التي استُشهد فيها أنَّها قدَّمت له عند إفطاره طبقًا فيه قرصان من خبز الشعير وقصعة فيها لبن وملحُ جريش (غير ناعم) فلمَّا نظر إليه وتأمَّله حرَّك رأسه وبكى بكاءً شديدًا عاليًا، وقال (ع): ".. يا بنيَّة أتقدِّمين إلى أبيك إدامين في فردِ طبقٍ واحد؟!، أتُريدين أنْ يطولَ وقوفي غدًا بين يدي الله عزَّ وجل يوم القيامة، أنا أُريد أن أتَّبع أخي وابنَ عمِّي رسول الله (ص) ما قُدِّم له إدامان في طبقٍ واحد إلى أنْ قبضه الله"، ثم قال (ع): "يا بُنيَّة ما مِن رجلٍ طاب مطعمُه ومشربُه وملبسة إلا طال وقوفه بين يدي الله عزَّ وجل يوم القيامة، يا بنيَّة إنَّ الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب .."(1).

 

فالمراد من الطعام والشراب والملبس الطيّب أحد احتمالين:

 

الاحتمال الأول: إنَّ المراد من الطيِّب هو المباح الحلال، وذلك في مقابل الحرام والذي هو مُستخبَث شرعًا.

الاحتمال الثاني: إنَّ المراد من الطيِّب هو ما تستطيبُه النفس وتستذوقه وتستلذُّه من الأطعمة والأشربة ونفائس الألبسة.

 

والاحتمال الثاني هو المراد ظاهرًا من الرواية إلا أنَّ مفادها على كلا الاحتمالين هو أنَّ تناول الطيِّبات -وإنْ كانت مباحة- لا يُعفي الإنسان من المحاسبة يوم القيامة بل إنَّه كلَّما كان تناوله من الطيبات أكثر كان وقوفه للحساب يوم القيامة أطول، وكلَّما كان ما يتناوله أجود كانت المحاسبة عليه أشد، فهو يُسأل عن أداء شكر هذه النعمة، ويُسأل عن مقدار ما كان يُعطيه للفقراء والمعوزين، كما يُسأل عن مصدر تلك الأطعمة ومقدار تحرِّيه لإباحتها وعن صرفه لها هل كان فيه سرف وتبذير أو لا؟، وهل كان تناوله منها بمقدار حاجته أو أكثر من حاجته، وعلى إثر ما يكون عليه واقع هذا الإنسان تجاه هذه المباحات تكون درجته في الجنَّة ومقامه عند ربِّه، وهذا هو معنى قوله (ع): "يا بُنيَّة إنَّ الدنيا في حلالها حساب".

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج42 / ص276.