معنى الأنزع البطين وقائد الغر المحجلين وأبي تراب

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

المسألة:

ما معنى الألقاب التالية لأمير المؤمنين (ع):

1- الأنزع البطين.

2- قائد الغر المحجلين.

3- أبي تراب.

وهل لقب أبي تراب والأنزع البطين مدح أم هو ذم لأمير المؤمنين (عليه السلام)؟

الجواب:

معنى الأنزع البطين

كلمة الأنزع لغةً يُوصف بها من انحسر الشعر عن جانبي جبهته، أي لم يكن على جانبي جبهته شعر.

فلكِّل إنسان نزعتان وناصية، فالناصية هي الشعر الذي يكون في مقدم الرأس محاذيًا للجبهة التي تتوسط الجبينين، والنزعتان هما الموضعان اللذان يكونان عن يمين الناصية وشمالها في مقدَّم الرأس، فمن لم يكن على نزعتيه شعر يُقال له الأنزع، ويُقابله الأغم، وهو مَن كان الشعر بالغًا حدَّ جبينيه.

وأمَّا كلمة البطين فُتطلق على أكثر من معنى، فمن موارد إطلاقها ما أفاده ابن منظور في لسان العرب أنَّه وصف للرجل العريض البطن وإن لم يكن منتفخ البطن.

وكيف كان فقد ورد أنَّ أمير المؤمنين (ع) كان أنزع الشعر وذلك من الصفات الممدوحة في الرجال، وكانت العرب تتيمن بالأنزع، وكان بطينًا أي أنَّه كما قيل كان له بطن أو كان عريض البطن وهو الأقرب كما أفاد العلامة المجلسي نظرًا لكون جسد علي (ع) عظيمًا تناسبُ أن يكون بطنه كذلك، وتناسب الأعضاء من صفات الكمال الجسدي.

هذا وقد جاء في الروايات الواردة عن الرسول وأهل بيته (ع) أنَّ منشأ وصف الأمام علي (ع) بالأنزع البطين هو أنَّه (ع) منزوعٌ من الشرك، بطينٌ من العلم كما ورد عن الإمام الرضا (ع) فوصفه بالبطين كناية عن كثرة علمه لا عن ضخامةٍ في البطن.

وهذا الذي ذكرناه لا تختص الشيعةُ بقوله بل ذكره بعضُ أكابر علماء السنَّة مثل السبط بن الجوزي قال: (ويسمَّى عليٌّ (ع) البطين لأنه كان بطينًا من العلم، وكان يقول لو ثُنيت لي الوسادة لذكرتُ في تفسير بسم الله الرحمن الرحيم حمل بعير، ويُسمَّى الأنزع لأنه كان أنزع من الشرك).

وروى ابن المغازلي الشافعي في المناقب عن رسول الله (ص): "يا علي إنَّ الله قد غفر لك ولأهلك ولشيعتك ولمحبِّي شيعتك، فابشر فإنَّك الأنزع البطين المنزوع من الشرك، البطين من العلم".

وقال العلامة محمد بن طلحة الشافعي في وصف علي (ع): ".. وقد اشتهر بين المخبرين .. أنَّ من صفاته التي تختص بإضافة نسبها إليه .. الأنزع البطين حتى صارت عليه علمًا للناظرين، وممَّا يُستفتح به أبواب المسامع من واردات طلايع البدايع في معنى صفات البطين الأنزع ما هو ألذ عند السامع من حصول الغنى للبائس القانع.

وهو أنَّه لما اشتمل عليه رسول الله (ص) بتربيته إيَّاه ومتابعته في هداه فكان بأوامره ونواهيه يروح ويغتذي وبشعاره يتجلَّب ويرتدي وباستبصاره في اتباعه يأَتمُ ويهتدي .. خصَّه الله عزّ وعلا من أنوار النبوَّة المنتشرة في الآفاق بنفس زكيَّة مستنيرة الأشراق.

حيث اتَّضح ما آتاه من أنوار العلم وأقسام الحكمة، فباعتبار ذلك وصف بلفظ البطين، فإنها لفظة يُوصف بها مَن هو عظيم البطن متَّصف بامتلائه، ولما قد امتلأ علمًا وحكمة وتضلع من أنواع العلوم وأقسام الحكمة ما صار غذاءً له مملوءً به وصف باعتبار ذلك بطينًا، فأطلقت هذه اللفظه نظرًا إلى ذلك، هذا هو المعنى الذي أهدته هداة الرواة ..".

معنى قائد الغرِّ المحجَّلين

ورد في الروايات عن الرسول وأهل بيته (ع) أنَّ عليَّاً (ع) قائد الغرِّ المحجَّلين، والغُرُّ جمعٌ لأغر، والأغر وصف للفرس الذي يعلو وجهه البياض ثم استُعير هذا الوصف للمؤمن لتنوُّر وجهه بنور الوضوء، فلانَّ معنى الغرَّة هو بياض الوجه لذلك ناسب أنْ يوصف المؤمن ببياض الوجه لمداومته على الوضوء الذي هو نور وضياء كما ورد في الروايات.

والمُحجَّل وصف للفرس الذي يكون في أسفل يديه وقدميه بياض، واستُعير هذا الوصف للمؤمن المداوم على الوضوء، فلأنَّ مواضع الوضوء هي الوجه واليدان والقدمان، ولأنَّ الوضوء نور فكأنَّه يُضفي على المؤمن ضياءً ونورًا في ذلك المواضع.

إذن فالغرُّ المحجَّلون هم المؤمنون، وقائد الغرِّ المحجلين وليُّهم وسيدهم.

معنى أبي تراب

ورد في الروايات أنَّ رسول الله (ص) هو مَن لقَّب عليًا (ع) بذلك وأنَّ هذا اللَّقب كان من أحبِّ الألقاب إليه.

روى القطب الراوندي في الخرائح والجرائح أنَّ رسول الله (ص) رأى عليًا نائمًا في بعض الغزوات في التراب فقال: يا أبا تراب ألا أحدثك بأشقى الناس، اُحيمر ثمود، والذي يضربُك على هذا -ووضع يده على قرنه- حتى تبلَّ هذا من هذا وأشار إلى لحيته.

وفي المناقب عن الطبري وابن إسحاق وابن مردويه أنَّه قال عمار: خرجنا مع النبي (ص) في غزوة العشيرة، فلمَّا نزلنا منزلاً نمنا فما نبَّهنا إلا كلامُ رسول الله (ص) لعليٍّ يا أبا تراب لما رآه ساجدًا معفرًا وجهه بالتراب أتعلم مَن أشقى الناس، أشقى الناس اثنان اُُحيمر ثمود الذي عقر الناقة، وأشقاها الذي يخضبُ هذه ووضع يدَه على لحيته".

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور