ضربُ الصبيِّ على ترك الصلاة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

هل عندنا رواية تأمرُ بضرب الولد لحثِّه على الصلاة؟ وكيف يمكن الجمع بينها وبين الروايات الواردة في النهي عن الضرب؟

 

الجواب:

نعم ورد ذلك صريحاً في رواية عبد الله بن فضالة، عن أبي عبد الله أو أبي جعفر (عليهما السلام) -في حديث- قال: سمعتُه يقول: "يُترك الغلام حتى يتمَّ له سبع سنين، فإذا تمَّ له سبعُ سنين قيل له: اغسل وجهك وكفَّيك، فإذا غسلهما قيل له: صلِّ ثم يُترك حتى يتمَّ له تسع سنين، فإذا تمَّت له عُلِّم الوضوء وضُرب عليه، وأُمر بالصلاة وضُرب عليها، فإذا تعلَّم الوضوء والصلاة غفر اللهُ لوالديه إنْ شاء الله"(1).

 

وكذلك ورد في رواية السيِّد فضل الله الراوندي في نوادره: بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسولُ الله (ص): "مروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا أبناء سبع سنين، واضربوهم إذا كانوا أبناء تسع سنين"(2).

 

ولم أجد في رواياتنا غير هاتين الروايتين تمَّ التصريح فيهما بالحضِّ على ضرب الصبيِّ على الصلاة، نعم وجدتُ في طرق العامة أكثر من رواية عن الرسول (ص) تأمرُ بالضرب على الصلاة.

 

منها: ما رواه الحاكم النيسابوري في المستدرك بسنده عن عبد الملك بن الربيع عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله (ص): "علِّموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين، واضربوه عليها ابنَ عشر"(3).

 

ومنها: ما رواه أحمد في مسنده بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسولُ الله (ص): "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين، وفرِّقوا بينهم في المضاجع"(4).

 

وما ورد في طرقنا وإنْ كان ضعيف السند نظراً لكون عبد الله بن فضالة غير موثَّق، وفي طريق الصدوق إليه ضعف، وطريق الراوندي فيه محمد بن الحسن التميمي إلا أنَّه يمكن تأييد مضمونهما بمثل معتبرة غِيَاثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع): أَدِّبِ الْيَتِيمَ بِمَا تُؤَدِّبُ مِنْه وَلَدَكَ، واضْرِبْه مِمَّا تَضْرِبُ مِنْه وَلَدَكَ"(5).

 

فهذه الرواية وإنْ كانت مطلقة إلا أنَّ ممَّا لا ريب فيه أنَّ من أجلى ما يحسن التأديب عليه هو ترك الصبيِّ للصلاة أو تهاونه في أدائها إلا أنْ يُقال إنَّ المعتبرة ليست ظاهرة في الأمر والمحبوبيَّة لأنَّ الأمر بالتأديب واقعٌ في سياق توهُّم الحظر، إذ من المحتمل أو المظنون أنْ يكون ضرب اليتيم محرَّماً مطلقا فسِيق الأمر بالتأديب لنفي هذا الاحتمال، فلا يدلُّ الأمر في الرواية على أكثر من الإباحة، لكنَّ ذلك إنَّما يتمُّ لو كان متعلَّق الأمر هو الضرب مثلاً أي أنَّه لو كان لسان الأمر هو: "إضرب اليتيم" لصحَّ القول بأنَّ الأمر ليس ظاهراً في المحبوبيَّة نظراً لوقوعه في سياق توهُّم الحظر أمَّا بعد أن كان متعلَّق الأمر هو الـتأديب، والتأديب بالضرب لا يُؤمر به إلا أنْ يكون محبوباً وإلا كان تعدِّياً، فالضرب بداعي التأديب إمَّا انْ يكون محرَّماً أو مستحباً، فالأمر به يُساوق استحبابه، فالروايةُ وإنْ كانت واقعة في سياق توهُّم الحظر لكنَّها بمقتضى القرينة المذكورة لا تنفي عن الأمر سوى الظهور في الوجوب.

 

وكيف كان فلا أقلَّ من ظهور المعتبرة في الإباحة، وهي معتضدة بالعديد من الروايات المعتبرة الدالة على جواز ضرب الصبي للتأديب ولكن برفق كمعتبرة حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (ع): "فِي أَدَبِ الصَّبِيِّ والْمَمْلُوكِ فَقَالَ خَمْسَةٌ أَوْ سِتَّةٌ وارْفُقْ"(6).

 

فهي صريحة في جواز ضرب الصبي بما لا يزيد عن الستِّ ضربات على أنْ تكون برفق ويكون ذلك للتأديب قصداً وواقعاً أي لا يكون الضرب عبثيًا أو بقصد التشفِّي، فإنَّ ذلك من التعدِّي وإنْ تعنون بعنوان التأديب، والظاهر أيضاً أنَّ موضوع الجواز هو مطابقة فعل الضرب للتأديب واقعاً، فلو ضربه لاِعتقاده انَّه اجترح خطئاً أو أنَّه ترك الصلاة مثلاً فتبيَّن خطأ هذا الاِعتقاد وأنَّه كان قد صلَّى واقعاً، فضرْبُه في مثل هذا الفرض لم يكن من التأديب وإنْ كان قد وقع بداعي التأديب، فإنَّ صدق عنوان التأديب لا يتقوَّم بالقصد وحسب بل يتقوَّم بالقصد مضافاً إلى مطابقة الاعتقاد بموجب التأديب للواقع، وعليه فلو وقع الضرب في مثل هذا الفرض فإنَّه لا يكون من التأديب، ولذلك لا يبعد ان يكون موجباً للجبر.

 

وكذلك يدلُّ على جواز ضرب الصبيِّ للتأديب معتبرة السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام: أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) أَلْقَى صِبْيَانُ الْكُتَّابِ أَلْوَاحَهُمْ بَيْنَ يَدَيْه لِيَخِيرَ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: "أَمَا إِنَّهَا حُكُومَةٌ والْجَوْرُ فِيهَا كَالْجَوْرِ فِي الْحُكْمِ، أَبْلِغُوا مُعَلِّمَكُمْ إِنْ ضَرَبَكُمْ فَوْقَ ثَلَاثِ ضَرَبَاتٍ فِي الأَدَبِ اقْتُصَّ مِنْه"(7).

 

فهذه المعتبرة صريحة أيضاً في الجواز إلا أنَّها قيَّدته بما لا يزيد على الثلاث ضربات على خلاف ما ورد في معتبرة حمَّاد بن عثمان إلا أنَّه لا تعارض بينهما لأنَّ موضوع الجواز في معتبرة السكوني هو المعلِّم، وأمَّا موضوع الجواز في معتبرة حمَّاد فهو الولي بقرينة عطف المملوك على الصبي، إذ من الواضح أنَّ المملوك لا يصحُّ التصرُّف فيه إلا من الولي هذا مضافاً إلى أنَّه لا يبعد بقرينة مناسبات الحكم والموضوع انصراف معتبرة حمَّاد لخصوص الولي، ولو ادُّعي الإطلاق وشمول الجواز للأقارب مثلاً فهذا الإطلاق يتقيَّد بغير المعلِّم فهو لا يجوز له التأديب بأكثر من ثلاث ضربات.

 

والمتحصَّل انَّه لا إشكال في جواز ضرب الصبيِّ للتأديب، ومقتضى إطلاق ما دلَّ على الجواز هو جواز الضرب على ترك الصلاة بل وعلى التهاون فيها، فإنَّ ترك الصبي للصلاة وإنْ لم يكن محرَّماً عليه إلا أنَّ ذلك مما عُلم من الشريعة مرجوحيته الشديدة كما يُستفاد ذلك من العديد من الروايات الآمرة بأمر الصبي بالصلاة وأخذه عليها كما في معتبرة معاوية بن وهب قال: سألتُ أبا عبد الله (ع): في كم يُؤخذُ الصبي بالصلاة؟ فقال: فيما بين سبع سنين وست سنين"(8) وكذلك في حديث الأربعمائة -المعتبر- عن عليٍّ (ع)- قال: "علِّموا صبيانكم الصلاة وخذوهم بها إذا بلغوا ثماني سنين"(9).

 

فإنَّ الأمر بأخذهم على الصلاة إنْ لم يكن ظاهراً في الأمر بالضرب فهو ظاهرٌ في شدَّة اهتمام الشريعة بتمرين الصبيِّ على الصلاة، فيكون ذلك مصحِّحاً لصدق عنوان التأديب على الضرب بداعي الزجر عن ترك الصبيِّ للصلاة.

 

وكذلك يُؤيِّد شدَّة الاِهتمام من الشريعة المصحِّح لصدق التأديب مارواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن قارن أنَّه قال: سألتُ الرضا (ع)، أو سُئل وأنا أسمع، عن الرجل يُجبر ولده وهو لا يصلِّي اليوم واليومين، فقال: وكم أتى على الغلام؟ فقلتُ: ثماني سنين، فقال: سبحان الله، يترك الصلاة؟! قال: قلتُ: يُصيبُه الوجع، قال: يُصلِّي على نحو ما يقدر" (10).

 

فهذه الرواية صريحة في شدَّة اهتمام الشريعة بصلاة الصبي بحيث لا يُعذر على تركها وإنْ كان موجوعاً بل يُحثُّ على أدائها بمقدار ما يُطيق، وكذلك يُعبِّر عن شدَّة الاهتمام استغرابُ الإمام (ع) واستنكاره بقوله: "سبحان الله، يترك الصلاة؟!" رغم أنَّ الصبيَّ لم يتجاوز الثمان سنين.

 

فضربُ الصبي برفق على ترك الصلاة إذا كان يُفضي إلى ترويضه عليها لا ينبغي الاِرتياب في جوازه، وأمَّا ما دلَّ على حرمة ضرب الصبيِّ فعمدتُه عمومات حرمة الظلم وما يُدركه العقل من قبحِه، وذلك لا يصلحُ دليلاً على حرمة ضرب الصبي مطلقاً، إذ لا تلازم بين عنواني والضرب والظلم، فقد يكون الضرب ظلماً ولا ريب حينئذٍ في حرمته وقبحه عقلاً، وقد لا يكون كذلك فلا تصلح عندئذ عمومات حرمة الظلم لإثبات حرمته، وكذلك فإنَّ العقل لا يستقبح الضرب الذي لا يكون مصداقاً للظلم.

 

وبتعبير آخر: إنَّ منشأ توهُّم أنَّ ضرب الصبي من الظلم هو أنَّ ضربه يُفضي إلى إيلامه رغم عدم مسئوليته عن أفعاله وتروكه بحكم الشرع وبنظر العقلاء، والجواب عن ذلك هو أنَّ الإيلام للصبي لا يُساوق الظلم، ولذلك لا يتردَّد أحدٌ في أنَّ زرقه بالإبرة مثلاً لمعالجته من مرضٍ أو وقايته منه لا يُعدُّ من الظلم رغم ما يترتَّب على التزريق بالإبرة من إيلامٍ للصبي، ومنشأ عدم اعتبار ذلك من الظلم للصبي هو أنَّ هذا النحو من الإيلام يقع في سياق استصلاح شأن الصبي، ومن الواضح أنَّ إصلاح سلوك الصبي وتهذيبه وترويضه على سجايا الخير ومكارم الأخلاق وردعه عن سيئ العادات والخصال لا يقلُّ شأناً بحكم الشرع وبنظر العقلاء عن الرعاية لصحَّته البدنيَّة بل لا يبعد أنَّ الإصلاح لسلوكه والتربية لنفسيته والتنمية لعقله أحظى في الشرع وعند العقلاء من الرعاية لبدنه، ولذلك فإنَّ الضرب الرفيق والإيلام الجسدي والنفسي الذي لا يُفضي إلى جناية لا يعدُّ من الظلم إذا اقتضته ضرورة التربية والتأديب ولم تكن ثمة وسيلة أخرى لتحصيل هذا الغرض وإلا كان ضربه من العدوان المحرَّم شرعاً والمُستقبَح عقلاً، وكذلك هو محرَّمٌ وقبيح لو وقع زائداً على ما تقتضيه ضرورة التربية والتأديب.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج4 / ص20.

2- النوادر -فضل الله الراوندي- ص243.

3- المستدرك -الحاكم النيسابوري- ج1 / ص258.

4- مسند أحمد -الإمام أحمد بن حنبل- ج2 / ص187.

5- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج21 / ص479.

6- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج28 / ص372.

7- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج28 / ص 372.

8- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج4 / ص18.

9- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج4 / ص21.

10- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج4 / ص20.